إن الحضارة الإسلامية قد سبقت الغرب في كثير من الأمور، واشترطت شروطاً للسفراء والمبعوثين حتى يقوموا بتأدية مهامهم على أكمل وجه، فكان يتم اختيار السفراء والمبعوثين من العلماء والفقهاء وأهل الذكاء والفطنة.
إن أولئك السفراء كانوا من صفوة الأمة علماً وثقافة وخبرة بالأمم والشعوب والحكومات وبالإضافة إلى تلك الصفات نجدهم يتحلون بالصبر وحسن الخلق، ومراعاة حق مخاطبيهم في الفهم والمعرفة ، ولذلك كانوا يشرحون ويوضحون لهم، ويجيبون على أسئلتهم . أيضاً اتصف أولئك السفراء بسرعة مواجهة المواقف المفاجئة وحسن الحيلة، وتخلصوا من الانفعال والعصبية، وتمكنوا من تحقيق أهدافهم التي جاءوا من أجلها، بالإضافة إلى تمتعهم بحسن الفهم وحسن الخطاب وحسن العرض، ولذلك كانوا يتحدثون مع مخاطبيهم في بداهة عالية وهدوء ودقة متناهية ، و كانوا موصوفون بجودة الاستنباط و سرعة الجواب .
و بالتالي بالإضافة إلى حصافة الرأي وكمال العقل والحكمة والشخصية الفذة التي تستطيع التأثير في الآخرين والصدق والأمانة تحرص الدول في العصر الحاضر على أن تتوفر في سفيرها أو مبعوثها الدبلوماسي صفات مثل سعة الثقافة والمعرفة وسعة الاطلاع والعلم بالتاريخ وخاصة تاريخ البلد الموفد إليها وعادات أهلها وتقاليدهم وطريقة عيشهم ومعتقداتهم، وكلها من الأمور المهمة التي لها تأثير في عمل السفير، وتساعد السفير على أداء مهمته.
و يجب أن يتميز السفراء بسعة الثقافة والفهم الدقيق للعلاقات الدولية و السياسة الدولية ، والإحاطة التامة بكل ما يتعلق بعمله الدبلوماسي و السياسي و القنصلي و الأحوال المدنية و كل المسائل التي تهم بلدة و البلد المعتمد لديها . وكذلك الخبرة الواسعة بالدولة المعتمد لديها أو الذاهب إليها لتبليغ رسالته، وبالناس الذين سيلتقي بهم، وتذكر لنا كتب التاريخ أن السفراء كانوا يتحدثون مع الناس ويناقشونهم في أفكارهم و معتقداتهم حديث الخبير والعارف والملم بكل الديانات والثقافات و الحضارات .
اهتمت دول الغرب باختيار السفراء والمبعوثين ومما لا شك فيه أنها أخذت الكثير من الفكر الإسلامي المستنير في هذا المجال حيث حرصت على اختيار سفرائها من أهل الذكاء والفطنة والعلم والسيرة الحسنة واللياقة الجسمية وحسن المنظر، واشترطوا على السفير أن يكون محباً لبلاده مدافعاً عن حقوقها، شارحاً وجهه نظرها بأحسن صورة وأفضل أداء.
لا نبالغ إذا قلنا إن الغرب قد أخذ الكثير من الصفات عند اختيارهم للسفراء والمبعوثين من الفكر الإسلامي الصحيح . فهذا المفكر الإيطالي ميكافللي يوصي الأمير أو الحاكم عند اختياره للأشخاص المحيطين به ومنهم بطبيعة الحال السفراء أن يكونوا لائقين ومن أصحاب الفطنة وحسن التصرف والتبصر بالأمور، وأن الخطأ الكبير لرئيس الدولة او الحاكم او وزير الخارجية الذي يقترفه تكون في إساءة اختياره لذلك السفير . وقد عرف البعض و خاصة في الغرب بان الدبلوماسية ارتبطت بالكذب والخداع و التجسس حتى أصبحت صفة الكذب مرادفة للدبلوماسية، وهي صفات غير مرغوبة إذ يجب على السفير أن يكون صادقاً، وأن يسمع أكثر مما يتكلم .كان الاشتراط لدى القيادة الإسلامية في اختيار السفراء أن يكون ملماً بكل العلوم والمعارف بمعنى واسع الثقافة والمعرفة بعلوم السياسة و الدبلوماسية و القانون الدولي و شؤون العامة و الخاصة .
فلا يختار السفير إلا أن يكون رائع المنظر، كامل المخبر، صحيح العقل ، حاضر البديهة ذكي الفطنة، فصيح اللهجة، جيد العبارة، ظاهر النصيحة، موثوقاً بخلقه وأمانته، مجرباً حسن الاستماع والتأدية ، كتوماً للأسرار، عفيفاً عن الأطماع الشخصية ، غير منهمك في الفواحش و الرذيلة ، فكل هذه الصفات يعود نفعها على الدولة و قيادتها و مصالحها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .
علاوة على ذلك هنالك أمور أخرى يجب أن يبتعد عنها السفير الناجح اذكر منها: العصبية و الحدة و الحسد و الغفلة والعجلة و النميمة والكذب والضجر ، و العجب و الهذر ، لأن تلك الأخلاق الذميمة تفقد السفير مكانته، وتقلل من أداء مهمته، وكلها عوائق تعيقه عن أداء مهمته بل أنها صورة شائنة له و لدولته و شعبة لا بل لرئيس الدولة الذي يمثله.
لا بد ان يتصف السفير عند اختياره بالصفات الخلقية وهي صفات الشكل وتمام الهيبة لأن النفس تأنس بصاحب الوجه الحسن والطلة البهية مع توفر باقي الصفات الأخرى وقد سار الخلفاء من بعد النبي على هذا النهج فاختاروا السفراء ممن عرفوا بجمال المنظر وحسن الخلقة، وفي الحديث الشريف “إذا أبردتم لي بريداً فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم”،
وكان عليه السلام يختار سفرائه ممن عرفوا بجمال الخلقة وحسن المنظر كما فعل مع دحية الكلبي الذي وصف بأنه “
أجمل الصحابة وجهاً، ومن كبارهم، كما قيل أن دحية إذا قدم بلاد الشام لم تبق مخدرة إلا خرجت لتنظر إليه و لم تبق معصر أو عاتق إلا خرجت تنظر إليه، والمعصر هي الفتاة (الشابة) التي بلغت الحلم ، والعاتق هي المرأة البكر التي لم تتزوج .
فلابد أن يكون السفير وسيماً جسيماً يملأ العيون، وفي جمال الشكل يقول أبن الفراء “يستحب بالسفير تمام القد وعبالة الجسم حتى لا يكون ضئيلاً..
فإن الصورة تسبق اللسان، والقامة تستر الجنان“، ويضيف إلى حسن الخلقة أن يكون حسن الصوت وحسن الرواء والمظهر مقبول الشمائل حسن البيان جيد العبارة حافظاً لما يبلغ ليؤديه على وجهه… و اشترط في السفير صفات تؤهله وتميزه عن غيره لحمل الرسالة فالهيئة أي قوام الجسم مع جمال الشكل واللباس كل ذلك له دور كبير في إنجاح مهمة السفير أو فشلها .
وهكذا نجد أن النبي الكريم حرص كل الحرص على توافر صفات معينة في المبعوث أو السفير، ومن كانت هذه صفاته راق في العيون ومحبب إلى القلوب وأنست به النفوس وانشرحت لحديثه الصدور وبالتالي كان مجاباً إلى حاجته قادراً على تعزيز العلاقات بما يصب في المصالح العليا لبلدة و شعبه . ولقد عرف العرب منذ القدم السفراء والمبعوثين فكانوا يختارون في أصحاب الحكمة والفطنة والذكاء وقد قالت العرب في أمثالها السائرة (أرسل حكيماً ولا توصه ) ، وكانت السفارات قبل الإسلام بقصد عقد الأحلاف لتسهيل مرور تجارة القوافل ، والتفاوض والتحكيم فيما يقوم بينهم من حروب ومنازعات وتقديم التهاني أو التعازي .
تعريف سفير السلام. …
قديماً، كان لقب السفير يُطلق على مندوبي الحكام والملوك وحتى القبائل، فهو ينوب عنهم، ويمثلهم لدى البلدان الأخرى، ويكلَّف بمهام محددة دون إقامة طويلة في الخارج، ويعمل مستشاراً لحكومته.
ويمتلك السفير صلاحيات فوق العادة لتمثيل بلاده لدى حكومة أجنبية ما، كما يمتلك حصانة دبلوماسية. هذا هو المفهوم الطبيعي لكلمة سفير، لكن مع مرور الزمن، انتشر نوع جديد من السفراء، مثلاً أصبح هناك سفير للنوايا الحسنة، مهمته تمثيل بلاده في الأعمال الإنسانية، إضافة إلى ألقاب أخرى، سنتطرق إليها فيما يلي:
سفير النوايا الحسنة:
تلجأ الأمم المتحدة إلى التعاون مع شخصيات عامة لها مكانةٌ في منطقتها للقيام ببعض الأعمال الإنسانية، وهذا التكليف تشريفيٌّ لبعض المشاهير للمساعدة في دعم قضايا مختلفة: اجتماعية وإنسانية واقتصادية ومتعلقة بالصحة والغذاء. والغرض من استخدام المشاهير في ذلك، هو أن شهرتهم تساهم في نشر الوعي، ودعم هذه القضايا. ويمكن لهذا التكليف أن يكون على مستوى دولي، أو إقليمي، أو محلي في نطاق دولة الشخصية الشهيرة.
سفير الطفولة:
أطلقت مؤسسة “أيادي الخير نحو آسيا” لقب سفير الطفولة على الطفل غانم المفتاح ليمثِّل المؤسسة، فقد استطاع المفتاح أن يتغلب على إعاقته الجسدية، وأن يواصل حياته متحدياً هذه الإعاقة، وبذلك أصبح المفتاح سفيراً، يمثل الطفولة بكل براءتها وتحدياتها.
سفير الغذاء والزراعة:
هدفه الرئيس، هو لفت انتباه الشخصيات العالمية، والمهمة، ووسائل الإعلام إلى موضوع الأمن الغذائي والجوع والفقر في العالم، لتتمكَّن منظمة الأغذية والزراعة من تنفيذ مهام إنسانية، وتقديم المساعدات تحت شعار “الغذاء للجميع”. وباستغلال شهرة سفراء النوايا الحسنة التابعين للمنظمة، الذين يكونون عادة من الفنانين والرياضيين والمشاهير، تستطيع المنظمة جلب اهتمام الرأي العام العالمي لموضوع تغذية الفقراء والمحتاجين في مناطق المجاعات والحروب والكوارث.
سفراء السلام:
هم شخصيات وقع الاختيار عليهم من قِبل الأمم المتحدة، ويكونون عادة من الفنانين والرياضيين وأصحاب الأعمال الإنسانية. من أهم هؤلاء السفراء محمد علي كلاي، وفيجاي أمريتراج، وآنا كاتالدي وإنريكو ماسياس، ووينتون مارساليس، ولوتشانو بافاروتي.
سفراء شؤون اللاجئين:
هم من مشاهير العالم في مختلف المجالات، ويمثلون المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ويستخدمون شهرتهم لجذب الاهتمام إلى مساعدة اللاجئين في مختلف البلدان.
سفراء النوايا الحسنة لـ “الصحة العالمية”:
هم شخصيات معروفة في مجالات الفنون والأدب والترفيه والرياضة وغير ذلك، يلتزمون بالإسهام في الجهود التي تبذلها منظمة الصحة العالمية من أجل نشر الوعي بأهمية المشكلات الصحية، وما يناسبها من حلول، ويعكف هؤلاء السفراء، الذين يعيِّنهم المدير العام لمدة سنتين، على العمل مع المنظمة بشكل وثيق لشد الانتباه إلى مجمل الأولويات، أو إلى قضية صحية محددة، تؤثر في حياة الناس وعافيتهم. هناك أيضاً سفراء بوظائف غريبة، مثلاً سفراء العناية بشؤون السل والإيدز، وسفراء مشروع استئصال الجذام، وآخرون للتوعية بسرطان الثدي، وغير ذلك من المسميات التي تهدف إلى بناء مجتمع أفضل، فأي نوع من السفراء تفضل أن تكون.