لقد جاء الإسلام بضمانات تشكل حصانة من الفساد وكفيلة بملاحقة المفسدين، فالله لا يحب الفساد ولا يصلح عمل المفسدين، والدار الآخرة هي من نصيب أولئك الذين سعوا للصلاح والإصلاح، ولمواجهة الفساد والمفسدين، وأساليب الشرع في النهي عن الفساد ومحاربة المفسدين، والحث على الصلاح والإصلاح كثيرة. ومصر باعتبارها دولة اتخذت من كتاب الله وسنة رسول منهاجًا وشرعًا كان لها قصب السبق في محاربة الفساد وتجريمه، ووضع التنظيمات والزواجر التي تمنع من الوقوع فيه، اتباعًا لما جاء في نصوص الكتاب والسنة، واقتفاء لمنهج سلف الأمة، وتحقيقًا للغاية التي لأجلها كان النهي عن الفساد.
تعج الكثير من دول العالم العربي والإسلامي بصور شتى من الفساد المالي والإداري والاجتماعي والأخلاقي والسياسي، ويوماً بعد يوم يتوحش الفساد بصوره المختلفة، ورغم أن الإسلام الحنيف جاء برؤية شاملة ومنهج متكامل لاقتلاع صور الفساد من جذورها فإن هذه الرؤية غابت عن أمتنا العربية والإسلامية التي راحت تبحث عن سبل لمواجهة الفساد بإجراءات وقوانين وضعية ثبت فشلها.
انتشار مظاهر الفساد في المجتمعات العربية والإسلامية إلى ضعف الوازع الديني لدى قطاع عريض من الناس. وقال: لو أن الناس حرصوا على الأخذ بمنهج الإسلام في الإدارة والقيادة ما كان الفساد قد توحش بالشكل الذي عليه الآن،
ولاسيما أن الاساس الذي اعتمد عليه الإسلام في محاربة الفساد يقوم على الإيمان بالله تعالى ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة. خطورة الفساد وتطرق المختار إلى الكيفية التي حارب بها الإسلام الفساد مؤكداً أن المعنى الذي يطرحه الإسلام للفساد أوسع بكثير مما هو متعارف عليه، حيث جاء الفساد في القرآن بمعنى أعم وأشمل، وهو خروج الشيء عن وظيفته واستقامته، ونظراً لخطورته وردت في القرآن الكريم «50» آية تندد بالفساد، وتبين عاقبة الذين يرتكبونه، كما وردت «24» آية في تحريم الأذى، ومن هنا اعُتبر الفساد في الإسلام من كبائر الذنوب، وهو محرم بإجماع العلماء لما يحدثه من أذى للمسلمين، وفي هذا يقول الله تعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ «، ويقول أيضا جل شأنه: « وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ».
سواء كان هذا الفساد مالياً، أو إدارياً، أو أي شيء، فإن كل ما يطلق عليه فساد داخل في هذه الآيات الكريمة التي تحدثت عن خطورة الفساد، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى أشد العذاب للمفسدين في الأرض. وأكد أن أولى خطوات القضاء على الفساد تتمثل في عودة التربية الدينية من جديد، والتي غيبت بفعل فاعل، بحيث نربي الأجيال الجديدة على تعاليم الدين الحنيف التي تنهي عن الفحشاء والمنكر بما في ذلك أوجه الفساد المختلفة، ثم بعد ذلك تأتي التشريعات القانونية التي تستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية. الرقابة على الفساد
أنه لا سبيل لمواجهة صور الفساد المنتشرة سوى بالعودة إلى الشريعة الإسلامية ورؤيتها الشاملة في مجالات محاربة الفساد والمفسدين في الأرض. وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية كان لها السبق في وضع إجراءات وقائية ضد الفساد بكافة صوره، حيث وضع الإسلام للفساد علاجين، وهما علاج دنيوي، يتمثل فى العقوبات المقررة شرعا لكل جريمة بحسب صغرها وعظمها وخطرها، وعلاج أخروي وهو ما جاء به الشرع من الوعيد بالعقوبات الأخروية للمفسدين،
وفي هذا يقول القرآن الكريم: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
أن سياسة الإسلام في الرقابة على الفساد مرت بتطورات عدة بدأت في العهد النبوي، حيث كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» يراقب أداء الدولة، ويحمي الأمة من أي فساد، ثم توسعت الرقابة في خلافة الراشدين فأنشأ عمر بن الخطاب الدواوين، وفي عهد الدولتين الأموية والعباسية أنشئت دواوين أخرى، مثل ديوان الحسبة والاستكشاف والبريد والأخبار، ولعل من أهم هذه الدواوين ديوان المظالم الذي نشأ لحماية الدولة من الفساد، وبالإضافة لهذه الرقابة الإدارية كانت هناك أنواع أخرى من الرقابة الوقائية أهمها الرقابة السيادية أو الرئاسية والرقابة الشرعية، وكان لهذه الأنظمة مجتمعة دور كبير في حماية الدولة الإسلامية من انتشار الفساد.
كما وضع الإسلام رؤية شاملة للإدارة أحاطها بتشريعات وقائية ورقابية تمنع تطرق الفساد إليها، فقد اشترطت الشريعة الإسلامية فيمن يتولى أمر من أمور المسلمين أن يتحلى بالأمانة والقوة والرفق والإحسان والنصح والإبداع في خدمة المصلحة العامة، كما وضع الإسلام مبادىء عامة تقي من الفساد الإداري أهمها اختيار الكفاءات لشغل المناصب العامة ليكون الرجل المناسب في المكان المناسب. «الرشوة»
لقد أولى الإسلام الحنيف عناية فائقة بسبل القضاء على الفساد لدرجة أن القرآن الكريم أطلق على الفساد مصطلح «محاربة لله ورسوله». كما ذكر القرآن كلمة الفساد «50» مرة، منها قول الله تعالى: «فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرض إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ»
وقوله أيضا: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ». وأضاف: وفي مقابل الفساد ذكر الله تعالى الاصلاح بحيث لا نكتفي بأن نقضي على الفساد، وإنما يجب علينا إلى جانب القضاء على الفساد أن نبني المجتمعات ونصلح المؤسسات والهيئات، لذا تكررت كلمة الصلاح والإصلاح في القرآن أكثر من «150» مرة، ومن هذه الآيات الكريمة قوله تعالى: «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها»، والنهي هنا شامل لكل فساد، أو أي ضرر يترتب على تصرف إنسان مسؤول.
الفساد الإداري أشد أنواع الفساد، ومن أهم مظاهره «الرشوة» التي لعن الله سبحانه وتعالى فاعلها، أو كما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- : «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما»، وقد سميت الرشوة بنص القرآن الكريم «سحتا» في قوله تعالى: «وأكلهم السحت» وقوله أيضاً «أكالون للسحت»، وقد اتفق المفسرون على أن المقصود بالسحت الرشوة. الرقابة الذاتية ويقظة الضمير دعا
ويجب تضافر الجهود من أجل وقف صور الفساد والقضاء عليها قبل أن يستفحل خطر الفساد، ويهدد بناء المجتمعات العربية والإسلامية، مؤكدا أن إصلاح الفساد، سواء كان سياسياً، أو اقتصادياً، أو اجتماعياً، أو إدارياً، بات واجباً شرعياً، ومهمة وطنية يجب على كل مسلم شريف المساهمة فيه. وأكد د. الصعيدي ضرورة تقويم وتوجيه من يقوم بالفساد أو يعبث بمصالح الأوطان والأفراد والمؤسسات، مشددا على أهمية محاصرة المفاسد القائمة، ومنع ظهور مفاسد جديدة، مؤكدا أن هذا الأمر من الممكن أن يتم من خلال الالتزام بالتدابير الوقائية التي وضعها الإسلام لمنع الفساد، ولعل أهمها غرس القيم الإيمانية في سلوك الافراد، حيث تعد هذه القيم أعظم وسيلة لتربية النفوس، ومنعها من الانحراف والفساد، وذلك من خلال إيجاد الرقابة الذاتية ويقظة الضمير، وتنمية الدافع للعمل من أجل المصلحة العامة.