أن عملية توحيد السياسة الإعلامية للوزارة خلال المرحلة الراهنة تتواكب مع التطور التكنولوجي السريع مع رؤية الدولة المصرية لبناء جمهورية جديدة ان العمل الإعلامي يتمتع – الآن – بالتسهيلات التكنولوجية الحديثة لصناعة منتج إعلامي متميز؛ يستطيع الوصول لأكبر عدد من الجمهور،
مستخدمًا جميع أشكال الجذب والإبهار للمتلقي؛ لوصول المعلومة له دقيقة وعلى قدر كبير من السـرعة، ما يتطلب ضرورة مواكبة التطور التكنولوجي؛ وثقافة متنوعة في شتى المجالات مستندًا إلى الفهم والوعى والاستيعاب؛ لإنتاج المادة الإعلامية المناسبة للحدث.
أن الإعلام المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يلعب دورًا ايجابيًا من خلال نشر وتغطية المشروعات القومية العملاقة التي تحدث على أرض الواقع وتوصيل ما يحدث للمواطنين، خاصة أن هناك طفرة حقيقة تحدث في مجالات عدة مثل الطرق والكباري وخلق شرايين جديدة لمصر والأمور تغيرات تمام في هذا المجال
وهذا على سبيل المثال للمشروعات العملاقة التي تحدث على الأرض. أحد أهم العوامل في الجمهورية الجديدة ظهور فئات كانت غائبة عن سابقاتها في الخطاب الرسمي وعلى أجندة السياسات العامّة. وإذا كانت فئات “المرأة” والشباب” هي الفئات التي كثيراً ما يحتفي بها الإعلام فالحقيقة أنها كانت موجودة بوضوح في خطابات وسياسات الأنظمة السابقة
. لكن لا شكّ أيضاً أنّ السياسات المستهدِفة للشباب، كما سنوضح أدناه، وللمرأة قد تطوَّرت كثيراً في الحجم والكمّ والاستمراريّة والانتشار. لكنّ الجديد بالفعل في المرحلة الحالية هو الاهتمام الظاهر بـ”ذوي الإعاقة”، فللمرّة الأولى تحظى هذه الفئة بسياسات مُمنهَجة وتركيز ملحوظ من الخطاب الرسمي والإعلامي ما بين دعم وتمثيل وبرامج مختلِفة. على سبيل المثال، نجد أنّ مع دستور 2014 “بدأ تفعيل موادّ وقوانين خاصّة بذوي الإعاقة وتمّ إضافة محور التمييز على أساس الإعاقة وإنشاء المجلس القومي لشؤون ذوي الإعاقة وقانون 2018 لإنفاذ حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”
. بالإضافة إلى ظهور واضح لهذه الفئة في خطاب الدولة حيث تُولِي أحداث واحتفاليّات ومؤتمَرات اهتماماً ملحوظاً بقضاياهم. من الملاحَظ أيضاً وجود تركيز مميَّز مع فئة “الرياضيين” إذ ظهرت ممارسة الرياضة في المادّة 84 من دستور2014 مع التأكيد على دور الدولة بتنظيم شؤون الرياضة والهيئات الرياضية وإصدار قانون الرياضة لسنة 2017 وبدون الغوص في كثير من التفاصيل لجهة مدى حرص أنظمة سابقة على الرياضة لاستقطاب الشباب،
وعلى الأخصّ نظام مبارك الذي أقام العديد من الأحداث الرياضية وحتّى طمح في استضافة دورة أوليمبية في مصر. يبدو أنّ النظام الحالي يهتمّ برياضات متعدِّدة في ظلّ تشجيع ملحوظ للتركيز الإعلامي على مختلِف الرياضيين. وأخيراً ظهر اهتمام جديد أيضاً بفئة “سكّان القرى” أي سكّان الريف في إطار برنامج حياة كريمة.
استقطاب مساحة السياسة في المجتمع وإعادة تشكيلها كحيّز داعم للدولة
لا شكّ أنّ منذ 2013 إلى الآن كان هناك استقطاب واضح وممنهج لكلّ مساحات السياسة في المجتمع بخاصّة لِما تكوَّن منها إثر ثورة 2011. وقد تمّ استخدام العنف لإقصاء الفاعلين مِمَّن لم يمكن استقطابهم. لكنْ، على مدار السنين الماضية، اتّضح توجُّه لإيجاد حيِّز سياسي جديد تحت رقابة وتحكُّم الدولة. فللجمهوريّة الجديدة برلمان وأحزاب
وحتّى كيانات “تنسيقية لشباب الأحزاب” تُقارِب لعبة السياسة بجدّية شديدة. وإذا كان الاستقطاب وخلق حياة سياسية مزيَّفة من الخصائص المعروفة للأنظمة السلطوية تتميّز الإدارة الحالية من ناحية الحجم المرجوّ لهذه الحياة السياسية الموازية، وكمّ الفاعلين الذين يتمّ إدراجهم فيها، والسياسات المخصَّصة لدرجة اعتبار تنمية المؤسَّسات السياسية إحدى دعائم الجمهوريّة الجديدة. يعكس ذلك ظهور هدف جديد للحيِّز السياسي المستقطب وهو لعب دور “دعم الدولة” وليس مجرّد تحييد المعارَضة واضفاء وهم السياسة المؤسَّسية.
ندلّل على ذلك بمقارنة السياسات الموجَّهة إلى الشباب في النظام الحالي ونظام مبارك. سعى مبارك في العقد الأخير من حكمه إلى تقديم جمال مبارك مرشَّحاً شابّاً يأتي بفكر جديد. كما كانت محاولات لاستقطاب الشباب من خلال ما عُرف بجمعيّة شباب المستقبل بالإضافة إلى أدوات متوارَثة مثل أُسر الجامعات واتّحادات الطلّاب. أمّا النظام الحالي، بالإضافة إلى الأدوات الموجودة بالفعل،
فقد أوجد كمّاً من الكيانات الجديدة التابعة له بشكل أو بآخر واستعان بأدوات وقنوات عديدة للتحدُّث إلى الشباب وباسمهم نرصد منها: البرنامج الرئاسي؛ الأكاديمية الوطنية للتدريب؛ تنسيقيّة شباب الأحزاب والسياسيين؛ المؤتمَرات الوطنية للشباب؛ المنتدى العالمي للشباب؛ حزب مستقبل وطن
. لا ندّعي وجود تعدُّدية فعلية وتمثيل حقيقي للشباب بقدر ما هو تطوُّر غير مسبوق في حجم وكمّ السياسات المستهدِفة لهذه الفئة.
حتّى إنّ هذه الكيانات جميعها تحظى باهتمام ملحوظ من رئيس الجمهورية ذاته بشكل لم نره في الأنظمة السابقة، ممّا يوضح أنّ الهدف يتعدّى مجرّد الاستقطاب لتحييد الحراك السياسي إنّما يصاحبه تأكيد ممنهج وإصرار واضح على وضع هذه الفئة في قلب الخطابات والسياسات مع تحميلهم دور ظهير الدولة واستخدامهم في تنفيذ المشروعات والترويج لها والدفاع عنها. يظهر ذلك أيضاً في مقارنة الحياة الحزبية والبرلمانية.
فبخلاف نموذج الحزب الحاكم الذي تحيط به أحزاب ومجموعات صغيرة تمارس دور “المعارضة الكارتونية”، يشهد النظام الحالي نموذجاً جديداً مكوَّناً من أحزاب عدّة تابعة للدولة تتفاوت في أحجامها وفي أدائها البرلماني وتؤكِّد على “تواجدها في الشارع” وتتشدَّق بتعدُّدية البرلمان وتمثيله لفئات مختلفة من المجتمع في خطاب لم تحاول أيّ من الأنظمة السابقة ادّعاءه.
ويظهر أيضاً في استخدام لغة الحياة البرلمانية مثل “أغلبيّة”، “دور رقابي”، “أدوات تشريعية” وإن كانت مألوفة في السياقات الديموقراطية فاستخدامها بهذا الشكل وهذا الكمّ بخاصّة في الإعلام هو جديد ويعكس محاولات إضفاء الجدّية على هذا المجال السياسي الجديد.
الجمهوريّة الجديدة والبحث عن السياسة
حسب Lagroye، أحد علماء السياسة الفرنسيين: “السياسة لا تتواجد دائماً في كلّ مكان بنفس الشكل ففاعلوها وقواعدها ومواضيعها تتغيَّر بحسب المكان والزمان. كما أنّ المجتمعات المختلِفة تنتج أشكالاً عديدة من السياسة: سواء مؤسَّسات أو ممارسات أو أدوات “وهو ما يدعونا لرصد عملية الإنتاج الاجتماعي للسياسة بأشكالها المختلفة بأدوات تحليلية تأخذ في الاعتبار السياقات المختلفة.
بناءً على هذا، نخلص في نهاية هذا المقال إلى أنّه في ظلّ “الجمهوريّة الجديدة” لا بدّ أن ننظر بأعين جديدة وأدوات تحليلية جديدة إلى السياسة في المجتمع المصري. فالتوقُّف عند فكرة استقطاب الدولة للمجال السياسي والقول بنزع السياسة من المجتمع يعكس التمسُّك بأدوات تحليلية هي بنت زمانها. فعلى الرغم من غموض مفهوم “الجمهوريّة الجديدة” والخطاب المصاحب له فإنّه يأتي لينبّهنا إلى عوامل تميّز الإدارة الحالية عن سابقاتها وهي عوامل ليست بالهيّنة بل كفيلة بإعادة تشكيل علاقة الدولة بالمواطن وبالمجتمع؛ وبالتالي خلق أشكال جديدة للسياسة.
لا نعني بذلك أنّه سيخلق بالضرورة احتجاجاً أو مقاومة بالشكل التقليدي الذي اعتدْنا على رؤيته ودراسته في العقد الماضي أو حتّى ما اعتادت أدبيّات الأنظمة السلطوية رصده. فلا شكّ أنّ إعادة توزيع المواطنين على مساحة الدولة سيفتح مساحات جديدة (بالمعنى الجغرافي) ومعها ستنتج مساحات جديدة (بالمعني الرمزي) للسياسة. نفس الأمر بالنسبة لتوجيه اهتمام إلى فئات جديدة وجهود استمراريّة اللعبة السياسية.
كلّ ذلك سيخلق ظواهر جديدة وعلاقات جديدة بين المواطنين، وبينهم وبين الدولة، وسيخلق مشكلات عامّة جديدة وطرقاً للتعبير عنها؛ وبالتالي ستتكوَّن ظواهر وإشكاليّات سياسية جديدة ستتطلّب من المحلّلين تبنّي أدوات مناسِبة أو “عيون جديدة” لرصدها وفهمها.