لا شك أنه مع إشراقة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان تختلط المشاعر وتختلف ما بين شكر الله على نعمة الصيام والقيام والتوفيق للطاعة ، وما بين ترقب نهاية الشهر الفضيل من محب لا يريده أن ينتهي ، وآخر يحمد الله أن أعانه على أداء الفريضة ، غير أن هذا وذاك أحوج ما يكونان إلى حسن الخاتمة ، فالأعمال بخواتيمها .
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع مكانته العظيمة وعظيم فضل الله تعالى عليه بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر يسأل الله (عز وجل) حسن الخاتمة ويعمل لها ، فعن سيدنا أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال : ” كانَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يُكثِرُ أن يقولَ : يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِك، فقلتُ : يا رسول الله آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهل تخافُ علَينا ؟ قالَ: نعَم إنَّ القلوبَ بينَ إصبَعَينِ من أصابعِ الله يقلِّبُها كيفَ يشاءَ”.
ويحذرنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) من الغفلة أو الركون إلى ما مضى من العمل ، والتقاعس عن الطاعة ، لأن الإنسان لا يدري متى وكيف تكون خاتمته ، فيقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ” .
وكان الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه ) يقول : لا تُنزلوا الموحدين المطيعين الجنة ، ولا الموحدين المذنبين النار حتى يقضي الله تعالى فيهم بأمره .
ومن ثمة فإني أنبه على عدة أمور :
أولها : أن بعض الناس إذا مضت ليلة السابع والعشرين ودخل في الأيام الأخيرة من الشهر بعدها ربما لم يكن في تعبده بنفس الجد قبلها أو على نحو ما كان في ليلتها ، ظنًا منه أن ليلة الحسم قد مضت ، ولم يعلم أنها قد تكون ليلة الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين أو الثلاثين ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ” (صحيح البخاري) ، وحتى لو كانت ليلة القدر يقينا قد مضت فإن فضل الله وأبواب رحمته ما زالت مشرعة ، وإنه سبحانه وتعالى أخفى رحمته في طاعاته ، فمن يدري في أي ساعة تقبل ، وبأي عمل تُرْحَم ، هذا سره وفضله .
الأمر الثاني : هو أهمية الطاعة وفضلها في ليلة العيد ، فالذكر في أوقات الغفلة له شأن عظيم، لا يعرفه إلا الأتقياء الأصفياء المقربون .
الأمر الثالث : أن من علامات قبول الطاعة التوفيق للطاعة بعدها ، ومن ذلك تبييت النية على صيام ست من شوال ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ” (صحيح مسلم) ، وكان أحد الصالحين يقول كلما وفقني الله (عز وجل) إلى طاعة ثم وفقني إلى شكره سبحانه على هذا التوفيق ، استشعرت أن هذا الشكر نعمة جديدة تحتاج إلى شكر جديد .