ان العملية الانتخابية – والمرأة لم تشارك في وضع قواعدها أساسا- تبنى على أساس المنافسة بكافة أشكالها ما بين الرغبة في خدمة الصالح العام وبين العمل على خدمة المصالح الشخصية في الكثير من الأحيان. وفي حين تتطلب هذه المنافسة مراس طويل نجد أن المرأة حديثة العهد بالتعامل مع الاليات الانتخابية. فمثلا اذا ما أخذنا بعين الاعتبار التلاعب بسقف الانفاق المالي للحملات الانتخابية الذي يحصل في كثير من الأحيان
نجد أن المرأة غالبا لا تملك بسهولة حتى المال المشروع للحملة الانتخابية. أضف الى ذلك استعمال النفوذ وتبادل المصالح المادية والسياسية التي تضطر المرأة للتصدي لها ضمن أنظمة غير ديموقراطية. حتى المجتمع نفسه بحاجة الى تثقيف وتوعية ديموقراطية تبدأ منذ التنشئة الأولى بهدف تغيير النظرة النمطية لدور وقدرات المرأة في صنع القرار. هذا بالإضافة الى بعض أنواع الخطاب الديني المتطرف الذي يؤثر سلبا على تقبل المرأة في الحقل العام.
وإذا أخذنا تمثيل المرأة في المجالس النيابية نجد أن نسبة تمثيلها في الدول العربية تعد من أدنى النسب على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت فيما بين الدول العربية في هذا الصدد. بعض الدول لا تسمح بتولي النساء فيها مناصب قضائية،
ودول أخرى لم تصل المرأة إلى منصب القضاء فيها إلا منذ فترة قريبة. كذلك أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدود للغاية، وتترك بعض الوزارات تحديدا لكي تشغلها النساء. ناهيك عن شبه انعدام وجودها في مناصب المحافظين وفي المناصب العسكرية والأمنية.
لا أشك أن هناك جهود عديدة بعد مؤتمر بجين لمشاركة المرأة في صنع القرار، ولكنها ليست بالقدر المطلوب هناك صعوبات وعقبات على المرأة تخطيها إذا ما ارادت خوض غمار العمل العام. نذكر من هذه العقبات عوامل متصلة بالمرأة نفسها وبوضعها الاقتصادي، وعوامل متصلة بالمؤسسة السياسية، وعوامل متصلة بالمجتمع والثقافة السائدة فيه.
وفي سياق العقبات لا بد من التوقف عند بعض النقاط الأساسية: يستوجب التنويه الى الفرق ما بين مشاركة المرأة في العملية الانتخابية التشريعية أو المحلية، وبين المناصب التنفيذية أو القضائية أو غيرها التي تتم بالتعيين. وتعد فاعلية السلطة التشريعية من أهم المقاييس التي يقاس بها فاعلية النظم السياسية في أي دولة لأنها تتمثل في فاعلية إصدار القوانين ولا تلتزم بها ومراقبة تنفيذها لأنها تمثل فاعلية تمثيل المواطنين في الحياة السياسية .
وبالتحديد نسب مشاركة المرأة في المجالس التشريعية فهو أمر ضرورى لاكتمال تمتعها بالمواطنة و مراعاة حريتها العامة ويعد أمر من الأمور المتعلقة بالديمقراطية في الدولة وقياس مدي المساواة في الحقوق والواجبات ومساهمة المرأة في الجانب التشريعي أمر يتعلق بحقوقها كمواطنة تتمتع بنفس الحقوق التي اقرها الدستور للذكور ليس كمنحة أو ميزة لحق أي احد أن يعطيها أو يمنعها خاصة إن هناك قوانين ترتبط بنوعها كأنثي لها الحق في وضعها وإقرارها بالشكل الذي يناسبها مثل حقوق المرأة وحقوق الطفل وكذل بعض حقوق الأحوال الشخصية .
هناك ظاهرة ملفتة لا بد من التنويه عنها وهي اقدام نسبة من النساء الناخبات على عدم مساندة النساء المرشحات للانتخابات. ان هذا الواقع مرده عدم ثقة الناخبة بالمرأة نفسها وانسياقها وراء رغبة الرجل من حولها. كما يؤثر الخطاب الديني المتطرف على توجهاتها. كذلك نرى في بعض الأحيان نوع من المنافسة السلبية لدى بعض النساء وللأسف ممن يدعين مناصرة المرأة. يعتبر إعطاء المرأة حق تكوين الجمعيات من أهم وسائل تعبئة الرأى العام
,فقد ورد فى الفصل 8 من الدستور التونسي حول حرية المرأة فى تكوين الجمعيات كنوع من التعبير عن حرية الرأى وقد أصدرت الحكومة التونسية العديد من المواد القانونية لتوضيح طريقة العمل داخل تلك الجمعيات بالإضافة إلى الصلاحيات التى تمنح إليها ,ولكن سرعان ما أصبحت هذه القوانين بمثابة قيود على الرأى العام النسائي وذلك لأنها وضعتها فى إطار معين ,وكان من أهم هذه الجمعيات (الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ,وجمعية الجامعيات التونسيات ) وقد عارضت هذه الجمعيات القوانين التي تكبل المرأة مما أدى إلى فقد الخطاب السياسي التونسي لمصداقيته
بناء عليه نحن بحاجة ملحة للتغيير في العديد من المفاهيم للمساهمة في مشاركة المرأة في صنع القرار. ان هذا التغيير مرتبط ارتباط وثيق بعملية التحول الديموقراطي واحترام حقوق الانسان والمفهوم الصحيح للمواطنة. لتغيير الوضع الحالي نحن بحاجة الى قوانين انتخابية أكثر عدلاً وأقل تحيزاً، وإحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذه الغاية هي الكوتا، فتطبيق الكوتا يعد أحد آليات تغيير قواعد اللعبة السياسية. عرف البناء الاجتماعي والثقافي للعلاقات بين الجنسين في تونس، خلال العقود الأخيرة، تحولات هامة سواء كان ذلك في الفضاء العام أو الفضاء الخاص،
ويمكن تفسير هذه التحولات بتضافر عدة عوامل مثل إصدار النصوص القانونية المؤكدة على المساواة بين المرأة والرجل وإقرار التعليم المجاني والإجباري للجنسين وخروج النساء للعمل واعتماد سياسات التنظيم العائلي واقتحام التونسيات الحياة العامة وتزايد التحضر، وشهدت الهيمنة الذكورية تراجعا واتجه المجتمع التونسي أكثر فأكثر نحو ضمان تكافؤ الفرص بين الجنسين في عديد المجالات نتيجة الإرادة السياسية التي ظلت، على امتداد نصف قرن، تعمل على النهوض بأوضاع المرأة، إلا أن فجوات متفاوتة الأهمية
ما زالت قائمة في بعض الميادين، فظل مثلا حضور المرأة في الحياة العامة، على المستويات الوطنية والدولية والمحلية محتشما على امتداد سنوات عديدة خلال القرن الماضي، ولم يعرف تحسنا إلا خلال الفترة الأخيرة بفضل المطالب النسائية لمشاركة أكثر أهمية للمرأة في الحياة العامة والإجراءات المتخذة في ما يعرف “بنظام الحصة” في تحديد القوائم الانتخابية من قبل بعض الفاعلين السياسيين واعتماد الميز الإيجابي في تركيبة إن الصعوبات التي تواجهها النساء في اقتحام الحياة العامة والسياسية
وفي ضمان تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في الولوج إلى مواقع القرار في تونس، كغيرها من البلدان العربية، تستدعي مواصلة الجهود المبذولة قصد فهم أعمق للبناء الاجتماعي والثقافي للعلاقات بين الجنسين في الحياة الخاصة والعامة ومزيد اعتماد سياسات إصلاحية تضمن المساواة بين الفئات الرجالية والنسائية أغلب الأطر القانونية التي تحكم المشاركة السياسية للمرأة التونسية تتسم بالضعف والهشاشة؛ لذلك دعمتها تونس بآليات قانونية لكن ها غير كاف لإيصال المرأة الى مواقع صنع القرار، أما الآليات المؤسساتية التي أنشأتها تونس من أجل تمكين المرأة سياسيا فأغلب هذه المؤسسات غير مستقل القرارات فبعضها تابع للأحزاب أو إلى مؤسسات حكومية كما أنها تعاني ضعف التسيير وقلة الكوادر المؤهلة.
– تواجد المرأة في مواقع صنع القرار لايزال دون المستوى مقارنة بتواجدها في قطاعات أخرى كالصحة والقضاء…مثلا نسبة تواجد المرأة في الحكومة لا يعكس تواجدها في القطاعات الأخرى كما أن المرأة لم تصل بعد إلى رئاسة الحكومة ولا إلى وزارات السيادة مثل أو الخارجية والدفاع ولا إلى وزارات الاقتصاد والمالية وبقيت أغلبها تدير وزارات ذات صبغة إجتماعية متصلة بأوضاع العائلة والأطفال والشيوخ أو النهوض الاجتماعي أو السكن وكأنها إمتداد لوظائفها التقليدية في المجتمع والعائلة.وعموما نجد أن نسبة النساء تقل كلما إرتفعنا في السلم الإداري في مواقع صنع القرار سواء في المجالس المحلية أو الأحزاب أو نقابات.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان