قرأت ضمن ما قرأت الأسبوع الماضى تقريرين لكاتبين مهمين يتحدثان عن عار التواطؤ الغربى مع إسرائيل فى جرائمها ضد الشعب الفلسطينى، وبشكل خاص فى جريمة قتل الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والاعتداء على مشيعى جنازتها، فى الوقت الذى تتشدق فيه دول الغرب بأنها تدافع عن الحق والسلام فى وقوفها مع أوكرانيا ضد روسيا.
التقرير الأول للكاتب البريطانى المعروف ديفيد هيرست بعنوان “الغرب لايمكنه غسل عار التواطؤ فى جريمة قتل شيرين أبو عاقلة”، ونشره فى موقع “ميدل إيست آى”، والتقرير الثانى للصحفى الفرنسى المعروف أيضا آلان جريش، المولود فى القاهرة عام 1948، بعنوان “فحش إسرائيلى بتواطؤ غربى”، وهو عبارة عن افتتاحية مجلة ” أوريان 21 ” التى يديرها، ولضيق المساحة سوف أختصر قدر استطاعتى ماجاء بالتقريرين فى النقاط التالية :
ــ بلغ الفحش الإسرائيلى أقصى مداه فى الاعتداء الآثم على جنازة الصحفية الفلسطينية، فلم تكتف قوات الاحتلال باغتيالها، وإنما هجمت على نعشها فكاد أن يسقط، وانهالت ضربا بالهراوات على حامليه، وعلى حشود المتظاهرين الذين اجتمعوا من كل الفصائل، لاتفرقهم الانتماءات الدينية، ووقف المقاتلون المسلمون يدعون لها فى جنازة مسيحية، فأطلقت عليهم القنابل الصوتية ومزقت الأعلام الفلسطينية، وهذا اعتداء صارخ على الكرامة الإنسانية، ينتهك مبدأ مقدسا منذ فجر التاريخ، وهو الحق فى الدفن بكرامة.
ــ لم تحاول إسرائيل إخفاء جريمتها، وتتصرف فى وضح النهار بكل وقاحة وغطرسة، وشعور استعمارى بالتفوق، تستوى فى ذلك الطبقة السياسية الحاكمة وإعلام يساير الرواية التى يروجها جيش الاحتلال، ويبرر الاعتداء الوحشى على سكان مخيم جنين الذين يصفهم بـ “الإرهابيين”، بل يبرر قتل الصحفيين المتواجدين وسط المعركة بدعوى أنهم “يعطلون جنودنا”.
ــ من المثير للانتباه أن السفارة الأمريكية فى إسرائيل سارعت إلى دعم رواية الجيش الإسرائيلى حول كيفية وقوع الحادث، ورويدا رويدا أخذت الإدانة الغربية تتراجع حتى انتهت كالعادة إلى صمت متواطئ، بما يوفر غطاء دوليا لإسرائيل كى تستمر فى جرائمها.
ــ قبل 24 ساعة من الجريمة أعلنت بريطانيا نيتها من خلال خطاب الملكة لسن قانون يحظر على المجالس المحلية والكيانات الحكومية المشاركة فى حملات لمقاطعة إسرائيل.
ــ اغتيال شيرين أبو عاقلة سياسة متعمدة ومنهجية ومدروسة، وإلا فكيف نفسر أنه لم يتم أبدا اغتيال أى صحفى إسرائيلى من الذين يغطون نفس الأحداث فى حين قتل 35 صحفيا فلسطينيا منذ 2001 معظمهم كانوا مصورين، وهؤلاء يعتبرون الأخطر لأنهم يروون بالصور ما يحدث على الأرض، هذا التباين هو أحد جوانب الفصل العنصرى الذى تطبقه إسرائيل على الشعب الفلسطينى.
ــ كانت شهرة شيرين أبو عاقلة كصحفية ومواطنة أمريكية ومسيحية سببا فى إثارة احتجاجات دولية على اغتيالها، حتى إن مجلس الأمن تبنى قرارا يدين الجريمة ويدعو إلى تحقيق ” فورى وشامل وشفاف وحيادى “، دون أن يصل إلى حد المطالبة بتحقيق دولى، وهو أمر دائما ما ترفضه إسرائيل، ولكن هل يجوز أن يحقق الجانى فى الجريمة التى اقترفها؟ ومعروف أن التحقيقات الإسرائيلية فى مثل هذه الجرائم إن حدثت لاتفضى إلى شيء، ومع ذلك فقد أعلن الجيش الإسرائيلى لاحقا أنه لا يرى ضرورة للتحقيق فى الحادث، ولا يرى أن هناك ما ينبغى الاعتذار عنه.
ــ لم تسفر الاحتجاجات الغربية عن قرارت فعلية، ولن يكون هناك تحقيق دولى، وإسرائيل لاتبالى بالتنديدات اللفظية التى لاتخدش أحدا، وسرعان ماتجد طريقها إلى سلة المهملات، فقد أعلنت مؤخرا طرد ألف فلسطينى يعيشون فى 8 قرى جنوب الخليل، وهى أكبر عملية تهجير للسكان منذ 1967، وفى يوم جنازة أبو عاقلة أعلنت بناء 4400 منزل جديد فى مستوطنات الضفة العربية، وهى تعلم أنها لن تتعرض لأى عقوبة، بل سيكون هناك تأكيد دائم على دعم إسرائيل وضمان أمنها.
ــ ما يحدث فى الأراضى الفلسطينية ليس حربا على الإرهاب، ولا هو اشتباكات بين طرفين متساويين، وعلى الذين يلومون الفلسطينيين فى لجوئهم للعنف رغم محدوديته مقارنة بممارسات الإسرائيليين أن يتذكروا مقولة نيلسون مانديلا بأن الظالم وليس المظلوم هو الذى يحدد شكل المواجهة، إذا الظالم استخدم العنف فلن يكون أمام المظلوم خيار سوى الرد بالعنف، مجرد شكل من أشكال الدفاع عن النفس.
ــ هناك جيل جديد اليوم من الفلسطينيين على استعداد للقتال، لايوجد مايخيفه، ولا يوجد من يقوده، وليس هناك ما يثبت أن هجماته ناجمة عن عمل منظم أو منسق.