الحوار الدائرة حاليا بشأن التغييرات المرتقبة فى قانون الأحوال الشخصية يعكس انقساما حادا فى المجتمع، لاتكاد تجد فيه نقاط التقاء، كل الأطراف تشكو من زيادة معدلات الطلاق والتفسخ الأسرى وضياع الأولاد وتزايد العنف وتكدس المحاكم بقضايا الأسرة وما إلى ذلك، لكنها منقسمة انقساما يصل إلى درجة التناقض عندما يصل الكلام إلى مقترحات العلاج، وكيفية الخروج من هذا المأزق.
هناك من يطلب إلغاء القوانين التى فرضت من أعلى، وأحدثت خللا فى التوازن الأسرى لصالح المرأة، فدفعتها إلى الاستقواء على الرجل وإلغاء وجوده وحقوقه ومكانته باعتباره رب الأسرة، وهناك من يتهم القانون الحالى بأنه ” ذكورى يحابى الرجال “، ويضع المرأة فى موقف ضعف، ويرهقها باللف على المحاكم للحصول على حقوقها وحقوق أطفالها بعد الطلاق، وهناك من يتجاوز اتهام القانون إلى اتهام الشريعة الإسلامية بمحاباة الرجال، ويذهب إلى ضرورة الأخذ بالزواج المدنى والتوافق مع القرارات الدولية والنموذج الغربى.
ووسط هذا السجال اللامتناهى هناك من دخل على الخط بإثارة حق الزوج فى الجمع بين أكثر من زوجة حسب الشرع، وحقه فى الزواج بأخرى إذا كان مسافرا للخارج وتعذر عليه أن يصطحب زوجته وأولاده معه، وهناك فى المقابل من يقترح تقييد الزواج الثانى، وجعله فى يد القاضى، وإحالة أمره إلى الزوجة الأولى ليصبح أقرب إلى المستحيل، وهكذا صار الكل ضد الكل .
والحقيقة التى ينغافل عنها الجميع فى هذا الجدال أن مشكلتنا الحقيقية ليست فى القانون، وإنما دائما فى تنفيذ القانون، فقانون الخلع ـ مثلا ـ ليس سيئا فى حد ذاته، لكن العيب فى إساءة استخدامه، وقوانين الرؤية والنفقة وحضانة الأولاد ليست سيئة إجمالا، وإنما العيب فيمن يسيء استخدامها، ويتخذ من الأولاد دروعا بشرية لإذلال الزوج، أو للانتقام من الزوجة، أو يتهرب من الحقوق التى فرضها الله وفرضها القانون على كل طرف من أطراف العلاقة الزوجية : الزوج والزوجة وأهلهما.
وفى ظل الاستقطاب الحادث فى المجتمع، والظروف المعيشية الصعبة التى نمر بها، يصبح الحديث عن تعدد الزوجات، وشروط الزواج الثانى والثالث بالإباحة أو التقييد، لونا من العبث، والهروب من مناقشة المشكلات الحقيقية الآنية، ففى زمن لايجد فيه الشباب طريقا ميسرا للزواج بواحدة يتحدث المتجادلون عن التعدد، ويريدون إقحام القانون فيما أباحه الله وترك أمره للتوافق المجتمعى، المحكوم بالزمان والمكان والاستطاعة.
وغاية مايقال فى أمر التعدد أنه مباح، والإباحة لاتعنى أنه فرض أو واجب، فالأصل أن زوجة واحدة تكفى، فإذا استحكمت الظروف وجعلت الزوجة الثانية ضرورة لأسباب يقدرها صاحبها ، فيكفى أن القانون يفرض ضرورة إبلاغ الأولى، ليكون لها حق الاختيار بين أن تقبل بهذه الزيجة الاستثنائية، أو تطلق وتحصل على حقوقها كاملة، وفق مافرضه الشرع والقانون.
لماذا إذن إثارة الجلبة والضجيج ؟ ولماذا يجرى توريط الشيوخ فى تصريحات غير مناسبة للزمان والمكان حتى تتخذ تصريحاتهم وسيلة للإثارة، وحجة للشغب على الدين كله؟
مرة أخرى، مشكلتنا ليست فى القانون، وإنما فى أولئك الذين يتعاملون مع القانون وبالقانون، الذين يلغون ضمائرهم، ويتلمسون ثغرة فى القانون هنا أو هناك للإفلات من الالتزامات، أو أكل حقوق الغير بالباطل وهم يعلمون، القضية ليس لها علاقة بالرجل أوالمرأة، وإنما لها علاقة بالضمير الإنسانى الذى فقدناه.
أعرف سيدة اختطفت حفيدها الرضيع لتحرم منه أمه المطلقة، وأوعزت إلى ابنها ـ الزوج ـ أن يهرب إلى مدينة بعيدة حتى لايقع فى يد شرطة تنفيذ الأحكام، وتتزعم هى مخططات عقاب الأم الشابة، وأعرف رجالا فى غاية الخسة والنذالة فى تعاملهم مع مطلقاتهم، لا يسألون عن أولادهم، وكأنهم طلقوا الأولاد مع أمهاتهم، وأعرف زوجة رتبت عملية منظمة للانتقام من الزوج بعد الطلاق، ولا ترضى بأقل من تخريب حياته، وأعرف رجلا يدعى التدين، يتربص بمطلقته أينما ذهبت ليدمرها شخصيا، ويدمر أولاده.
لذلك كانت الشريعة الإسلامية أسبق إلى بناء ضمائر الرجال والنساء، وإلى وضع الزواج فى إطار دينى مقدس، يرتبط بالحلال والحرام ومراقبة الله عز وجل، ولم تجعل منه مجرد تعاقد مدنى بين طرفين تحكمه الأنفس الشح، فالرجل مطلوب منه أن يظفر بذات الدين، وأهل المرأة عليهم أن يتخيروا من يرضون دينه وخلقه، وأى مطامع خارج نطاق الدين والخلق والاستطاعة نذير بفشل الحياة الزوجية، وإذا وقع الطلاق فلا ضرر فيه ولا ضرار.
لقد وصفت الشريعة الغراء رباط الزواج بأنه “مودة ورحمة “، وأنه ” ميثاق غليظ “، وأقرت بأن النساء قد خلقن من ذات النفس التى خلق منها الرجال، و” لهن مثل الذى عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة “، وتلك هى درجة الطاعة، التى يقابلها واجب القوامة والنفقة، وتبقى مؤسسة الزواج هى “السكن” للزوجين، فإن استحالت العشرة ” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”.