جميل جدا ان تتعدد المبادرات الرامية الى تيسير الزواج..خاصة وان الامر اصبح يمثل وجعا حقيقيا في المجتمع المعاصر ليس في مصر وحدها ولكن في معظم المجتمعات العربية وغيرها..
وكأن الناس تتفنن في تعقيد امورالزواج وزيادة صعوبته حتى أصبحت الفرحة الخاصة به منزوعة الدسم او بمعنى ادق لم يعد الافراد ومعهم المجتمع قادرين على انتزاع تلك الفرحة التي يطلق عليهم فرحة العمر في ليلة العمر!
احدث مبادرات تيسير الزواج تلك التي طرحتها مشيخة الازهر ومجمع البحوث الإسلامية بقيادة فضيلة الامام الأكبر د. احمد الطيب شيخ الازهر..المبادرة لاقت صدى طيبا وترحيبا خاصة وانها اقتربت من ارض الواقع ولمست الاوتار الحقيقية والاعصاب المكشوفة التي يجب التعامل معها وازاحة الضغوط عنها حتى تستقيم الأمور دون أي تأثير على مجريات الحياة العامة والخاصة اذا ما تخلصنا من تلك الأعباء بل ان الفائدة ستكون عامة وشاملة.
مجمع البحوث الإسلامية أطلق على المبادرة اسم «لتسكنوا إليها»وهوشعار مناسب ويتسق مع الغاية العظمى والاسمى من الزواج وتهدف كما أوضح المسئولون الى مواجهة التكاليف الباهظة للزواج والسعي الى القضاء على العادات السيئة المتبعة فى الزواج أملًا فى تيسير الأمور المتعلِّقة به ومواجهة المغالاة فى تكاليفه خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية التى يعانيها العالم أجمع.
الحقيقة ان المجتمع قد بالغ وبقسوة في تعقيد امور الزواج بلا داع ودون فائدة تذكر حتى أصبحت تكاليف الزواح احد اهم منغصات الحياة باتت هموم بالليل وشقاء بالنهار صداع مستمر لايخف واحيانا لايطاق.
وأتفق مع فضيلة الدكتور نظير عيَّاد الأمين العام للمجمع في أن عدم التخلى عن العادات السيئة وغير الضرورية في الزواج يحول دون تكوين أسرة مستقرة وآمنة تحقق أهدافها وتبنى مستقبلها..
وهذا صحيح فلك ان تتخيل ان الشاب والفتاة ومعهم اسرتيهما يبدأون حياة جديدة مكبلين بأغلال لاحصر لها من الديون الخاصة باعداد عش الزوجية من شقة وفرشها والأدوات اللازمة لها يضاف اليها حفلات باذخة معظم الأحيان ترهق كاهل العروسين..
ودعونا ننظر الى حالات السفه على ارض الواقع وما يحدث في عملية تجهيز العروس وما يتم شراؤه من اطقم سواء للمطبخ او الملبس بالعشرات ولابد ان يكون مستورد والبطاطين من ماركة كذا وفرش الاسرة واطقم اللبس العادية بالعشرات والفوط والمفارش ما يكفي لعشرة أعوام من كذا وكذا .. والثلاجات والغسالات وغسالة الاطباق وغسالة الأطفال والمكانس الصغيرة والكبيرة والستائر وما ادراك..وغرفة خاصة للنيش والسفرة بملبغ وقدره وغرفة نوم للأطفال رغم انهم لايزالون على فيض الكريم.. وسجاد ايه ونجف ايه..وخناقات ومعارك على من عليه كذا وكذا .. وياو يلك يا سواد ليلك اذا لم تكن الحاجات ماركات ومن أماكن صفتها ونعتها ..وخللي بالك بنت فلان وابن علان وترتان عملوا كذا وجابوا كذا من المكان الفلاني وهلم جرا.. وهوما يقود للغرق في دوامات لاحصر لها من الديون وهكذا من اول ليلة ومن اول خطوة وما قبلها لتبدأ رحلة العذاب.
لقد زادت الأمور عن الحد على هذا الصعيد وصارت حديث القاصي والداني الكل يتحدث ويشكو دون ان يتحرك ويأخذ موقفا ويكتفي بمصمصة الشفاه والحوقلة..لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..
هذه القضية نبه اليها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وانتقد المغالاة فى تجهيز العروس وقال ذلك صراحة فى خطاب له وهو يتحدث عن أحوال الاسرة المصرية وعن قضية الغارمات والأسباب الحقيقية وراء وجود نساء خلف القضبان.. انها فواتير جهاز العروسين المبالغ فيه..وهي نقمة بالفعل اذ تظل الام- ومعها الاب أحيانا..دائرة حائرة في دوامة الديون سنين وسنين بعد الزواج وياللهول اذا ما كان في الاسرة اكثر من ولد وبنت في سن الزواج!
بديهي ان تكاليف الزواج ليست الا واحدة او فرعا من فروع العملية في بداية الرحلة والطريق الجاد الى بناء حياة زوجية سعيدة ..
أشياء أخرى أفسدت العملية وزادت الطين فيها بلة خاصة ما يتصل بالعلاقات العامة والخاصة بين الفتيان والفتيات..أمور كثيرة مفككة معايير مقلوبة ومعكوسة في أسس العلاقات وتحلل من الأصول والأعراف مما فتح بوابات الفتنة على مصاريعها ويدفع المجتمع كله ثمن ما يحدث من تجاوزات تصل حد الانتهاكات بسبب التعدي على القيم والاخلاق..
لم ننجح في ان نعلم الأبناء أسس الاختيار الصحيح او السليم غلبت علينا شقوتنا في الجري وراء المظاهر والتحلل من كثير من الاداب والاحترام والتفريط فيما هو واجب ومعها بدأت التسريبات اللاخلاقية حتى اتسع الخرق على الراتع وكل راقع..الأهم لم نعلم الأبناء الحب الحقيقي..الحب الذي يبنى ويعمر..الحب الذي لا علاقة له بالهلس والهانك والرانك والأمور إياها التي يجيدها المتنطعون والزلنطحية من الشباب وغيرهم ممن يفسدون ويضللون ويغرون الفتيات وغيرهن فيسرحون في عوالم غير محدودة من الخيال والاوهام بعيدا عن الواقع بحقائقه المرة والمؤلمة في كثير من الاحيان..
قد تلتمس لهم العذر أحيانا لانهم بالفعل ضحايا حملات جهنمية مسلطة على الشباب تقدم لهم نماذج رديئة وفاسدة في الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة ومعاني الحب التي حصروها في سيجارة وكاس وتسكع على الكورنيش على اضعف الايمان وما شابه ذلك من أمور غثة واخلاق عفنة واستهزاء بكل جميل ونبيل.
أيضا لايجب ان ننسى او ننكر ثورة التطلعات والتقليد الاعمى والسقوط أحيانا في فخ العاطفة القاتل فالبغض تأخذهم العزة بالاثم ويقع في شر اعماله..بسبب التقليد والرضوخ لرغبات الأولاد بنين وبنات وان الفرح لا يجب ولايمكن ان يقل عن فرح ابن فلان وبنت علان وترتان وانه لابد ان يحي الحفل المطرب الفلاني والراقصة العلانية نعم الراقصة.فقد أصبحت بندا رئيسيا حتى في الافراح الشعبية..كان من نتيجة ذلك ان الافراح في المناطق الريفية او الشعبية لاتقل بذخا وتبذيرا عن المناطق الحضرية. الجميع الان يعقد الافراح في صالات كبرى وقاعات الافراح في عواصم المدن هجرت القرى الافراح الشعبية البسيطة ولمتها المميزة وفرحتها الخاصة وفنونها واغانيها الجميلة تراثية وغيرها..الان تعم الفوضى الخلاقة الافراح على نغمات الدي جي وبرودة التكييف في الصالات المغلقة!
مهمة الإصلاح ليست سهلة ولا تتوقف عند مجرد دعوات للتخلص من عادات دخيلة فاسدة وإصلاح الخلل وتقويم الاعوجاج ولكنها مسئولية مجتمع بكل مؤسساته التعليمية والتربوية ومراكز التنشئة الاجتماعية من مسجد ومدرسة ونادي واسرة صغيرة كانت او كبيرة ووسائل الاعلام بمختلف أنواعها وتوجهاتها وكذلك الاعمال الدرامية والمسلسلات والأفلام السينمائية والمسرح.
اذا لم تتضافر هذه الجهود ويعمل الجميع بكل جدية وصدق سنكون كمن يحرث في البحر..
نعم اصلاح الزواج هو الباب الملكي للدخول الى حياة زوجية سعيدة وهو المفتاح الحقيقي والصحيح لحل معضلة الطلاق المتصاعدة في المجتمع المعاصر..اذا كنا نبحث عن الامن والاستقرار الاجتماعي.
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com