لست من هواة ضياع وقت المتابع بكتابة سيرة ذاتية ..أو الحديث عن أشخاص مروا في حياتي بقدر إهتمامي من وراء أي سرد شخصي بزرع قيمة أخلاقية أو تدعيم نبتة إيمانية لمن يتابعني أو الاستعلاء بسمو السلوك وترقيق القلوب ..حينما أتحدث عن قيمة إيمانية علمية شرعية مثل الأب والصديق والمعلم فضيلة الدكتور الشيخ شعبان اسماعيل أحد القلائل المتفردة في علوم القران والشريعة حينما أتحدث عنه رحمة الله عليه الذي فارق حياتنا الأسبوع الماضي فإنما أقتطف بعضا من رياحين بستانه التي لا تذبل حتي قيام الساعة ..هذا العالم لم يكن في يوم من الأيام مغرما بأن يكون تريندا أو نجما من نجوم الفضائيات ولكن كان يعشق أن يكون ممدوحا بين جنود الله الملائكة الكرام .أن يكثر من رصيده عند الله سبحانه وتعالى، قرض متضخم الفائدة ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم أجرهم ولهم أجر كريم ) ..أذكر عنه في أواخر أيامه قبل وفاته بقليل أن إستدعي السيدة الفاضلة زوجته وتحدث معها بهمسه المعهود أن تجمع كل ما لديها من ذهب وحلي كل ما جمعته في حياتها الكريمة ..في البداية ظنت الزوجة أن فضيلته قد ألمته ضائقة يخفيها عن الأسرة فانخلع قلبها أن تضيق الحياة به في آخر عمره ..أصابها الوجوم ..حاول بسرعة أن يزيل قلقها وهو يبتسم ..مهلا يا أم الأولاد لا شئ يقلقك وإنما أريد أمرا آخر ..مهلا ..لا تقلقي أريد شيئاً أخر ..أن تجمعي كل ما لديك من حلي ..تقاطعه : أنا تحت أمرك ..لكن أريد أن أعرف ما في الامر ..يا سيدتي : أريد أن تتحلي بأفضل من الذهب في الجنة كما أريد أن يكون هذا ظلا لنا يوم القيامة ..ثم صمت وهو يستحضر قول رسول الله :(وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل الصدقة) ..باختصار يا رفيقة العمر أريد أن نجمع هذا الحلى كله ونبيعه ..نعم نبيعه ننفقه علي عبادالله من الفقراء والمساكين والمساهمة في بناء المساجد هنا في القاهرة وفي قريتنا ..الجميل هنا أنه لولا حياء هذه السيدة لرفعت صوتها بـالزغاريد فرحا وبهجة.. بسرعة كان قول الرسول للسيدة عائشة يهز كيانها (يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة) فقالت وهي منشرحة والبسمة تملأ ساحة وجهها كأنها باقة من النور : وهي دي حاجة عاوزة إستئذان .. فعل الخير لا يقتضي التأخير ونهضت مسرعة الي حجرتها ولملمت كل ما لديها من ذهب وخلعت ما كانت تتحلى به و ألقته في حجره ورفعت يدها الي ربها داعية : يارب يكون هذا العمل طريقنا الي الجنة وظلا لنا يوم لا ظل الا ظله .. يا رب تكون هذه صدقة سترا لاولادنا في الدنيا والآخرة .
هذه الرواية رواها لي ابنه أحمد، صديقي وزميلي، وأنه هو الذي أخذ الذهب وقام ببيعه وتسليم المبلغ للوالد. ورواها لنا ايضا أقرباء المرحوم. هذه الرواية أستطيع ان أنقل شيئاً قليلا من حياة الدكتور شعبان إسماعيل لمتابعينا لعل يتوفر لنا بستان لنا مثل بساتينه ..رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا معه في الجنة .