مما لاشك فيه أن قيم المواطنة والانتماء المشترك والتعايش السلمي تلعب دورا محورياً في بناء المواطن الصالح وإعداده للتفاعل بإيجابيه مع المجتمع، ويعني ذلك تمتع الشخص بحقوق وواجبات وممارستها في بيئة جغرافية معينة لها حدود محددة، وجميع المواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الاختلاف في الدين أو النوع أو العرق الموقع الاجتماعي.
ويعتبر الانتماء من الاحتياجات الهامة التي تشعر الفرد بالرابط المشترك الذي يربطه بأرضه وبأبناء وطنه، وسيؤدي هذا الشعور إلي صقل توجهاته بحيث تتحول إلي توجهات تهدف إلي خدمة الوطن والمجتمع ، والتعايش السلمي يدعو الناس إلي التسامح والتآخي، فإذا تحقق ذلك استطاعت مجتمعاتنا ، وكذلك دول العالم أجمع رسم ملامح الحضارة الإنسانية المبنية علي الحقوق والواجبات.
استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن مبدأ المساواة أمام القانون الذى رددته الدساتير المصرية جميعها، يعد ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة.
وتطبيقاً لهذا المبدأ، قضت المحكمة الدستورية العليا، بجلسة 6 أبريل 2019، فى الدعوى رقم 131 لسنة 39 ق دستورية، بعدم دستورية المادة 6/2 من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، فيما تضمنته من قصر الحق فى اكتساب الجنسية المصرية بالنسبة للأولاد القصر على حالة اكتساب الأب الأجنبى لهذه الجنسية، دون حالة اكتساب الأم الأجنبية لها. حيث رأت المحكمة أن هذا النص يتضمن تمييزاً تحكمياً لا يستند إلى أسس موضوعية… ويُعد مجاوزة من المشرع لنطاق السلطة التقديرية المقررة له بمقتضى نص المادة 92 من الدستور، فى مجال تنظيم الحقوق والحريات. ونص الفقرة الثانية من المادة 9 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الموقعة فى كوبنهاجن(6).
وفى سياق أسباب حكمها قالت المحكمة، إن دستور 2014 جعل كفالة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزاماً دستورياً على عاتق الدولة (المادة 11)، وحظر التمييز بينهما فى مجال حقوقهم وحرياتهم، على أساس الجنس، معتبراً التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، وألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وأوجب إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض (المادة 53).
وأكدت على أن الدستور حرص على النص على مبدأ تكافؤ الفرص (المادة 4)، باعتباره من الركائز الأساسية التى يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزاماً دستورياً على عاتق الدولة (المادة 9). وعلى أن الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابياً لضمان عدالة توزيعها، وحرص الدستور على التأكيد على مبدأ مساواة المرأة بالرجل، كأساس لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، كما ساوى بينهما فى مجال منح الجنسية المصرية الأصلية للأبناء، فاعتبر الجنسية حقا لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية (المادة 6).
وأكدت أيضاً على التزام الدولة بتعديل قوانينها الداخلية بما يتفق وتعهداتها الدولية الناشئة عن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، إنفاذاً لمقتضى أحكام المادة 93 من الدستور التى تنص على أن تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تُصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة”، وكذلك نص الفقرة الأولى من المادة 151 الدستور ذاته(7).
وفى نطاق مباشرة الحقوق السياسية، أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن صفة “المواطنة” هى التى ينفتح بها الطريق إلى ممارسة الحقوق السياسية… حيث إن ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية، خاصة حقا الترشيح والانتخاب، تُعد أهم مظاهر وتطبيقات ممارسة السيادة الشعبية، سواء كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعون بالحق فى اختيار مرشحيهم، على ضوء اقتناعهم بقدرتهم على التعبير عن القضايا التى تعنيهم، أم كان بوصفهم مرشحين يتناضلون – وفق قواعد منصفة – من أجل الفوز بالمقاعد التى يتنافسون للحصول عليها، وهما حقان مترابطان ومتكاملان، يتبادلان التأثير فيما بينهما. ومن ثم، فإن ممارسة المشرع لسلطته التقديرية فى تنظيم تلك الحقوق، يكون رهناً بالتقيد بالحدود والضوابط التى نصت عليها الوثيقة الدستورية.
وبناء على ما سبق، قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 14 يونيه 2012 فى الدعوى رقم 57 لسنة 34 ق دستورية، بعدم دستورية نص المادة 1 من القانون رقم 17 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، والذى رصد جزاء الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدة معينة، لمجرد تقلد أى من المناصب الواردة حصراً فيه، دون أن يتطلب لذلك أن يثبت فى حق من تولى أى من هذه المناصب إتيان فعل أو انتهاج سلوك يستأهل هذا الجزاء، فإنه يكون قد ابتنى على افتراض لا يستقيم مع طبائع الأشياء وتأباه العدالة، ويخالف من ثم مفهوم الدولة القانونية(8).
وإعمالاً لمبدأ المساواة فى نطاق ممارسة الشعائر الدينية، قضت المحكمة الدستورية العليا، بجلسة 4 فبراير 2017، فى الدعوى رقم 153 لسنة 32 ق دستورية، بعدم دستورية قصر تقرير الحق فى إجازة وجوبية للعامل لأداء فريضة الحج، دون زيارة بيت المقدس بالنسبة للعامل المسيحي الديانة.
وأكدت المحكمة الدستورية العليا، على أن الدساتير المصرية المتعاقبة التزمت مبدأ حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة، لارتباطهما الوثيق بالمواطنة التى اعتبرها الدستور فى المادة 1 منه أساساً لبناء الدولة ونظامها الجمهوري الديمقراطى، فوق كونهما يعدان من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة فى كل بلد متحضر، فحرية الاعتقاد مطلقة لا قيد عليها، ولكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التى يطمئن إليها ضميره وتسكن إليها نفسه، ولا سبيل لأى سلطة عليه فيما يدين به فى قرارة نفسه وأعماق وجدانه، ومن أجل ذلك فإن حرية الاعتقاد تعد من الحريات اللصيقة بشخص الإنسان. وحيث إن حرية إقامة الشعائر الدينية وممارستها وإقامة دور العبادة، تمثل المظهر الخارجى لحرية الاعتقاد … ولا ريب أن هذا الحق مقيد بقيد نصت عليه الدساتير السابقة وأغفله الدستور الحالي، وهو قيد عدم الإخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب، إذ إن من المقرر أن إغفال ذلك القيد لا يعنى إسقاطه عمداً أو إباحة إقامة الشعائر الدينية ولو كانت مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب، ذلك أن هذا القيد غنى عن الإثبات والنص عليه صراحة، باعتباره أمراً بديهياً وأصلاً دستورياً يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه.
وأكدت فى حكمها على أن مبدأ المساواة أمام القانون الذى رددته الدساتير المصرية المتعاقبة، يستهدف حماية حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى الحقوق التى يقرها القانون ويكون مصدراً لها، ومن ثم لا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل فى عناصرها.
وأكدت المحكمة على أن زيارة الأماكن المسيحية ببيت المقدس تعد من الواجبات الدينية لدى المسيحيين… ومن ثم لا يجوز للسلطة التشريعية أن تجعل من السلطة المخولة لها فى تنظيم هذه الحقوق مدخلاً للمساس بأصلها أو تعطيل جوهرها، أو إهدار حقوق يملكها العامل، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها حقه فى العمل، ويندرج تحتها الحق فى الإجازة الذى لا يجوز لجهة العمل حجبه عمن يستحقه، كما يتعين عليها تمكينه من أداء فرائضه وواجباته الدينية، التى تقرها الأديان السماوية، على أساس من المساواة، ودون تمييز فى ممارستها بين العاملين المتماثلين فى مراكزهم القانونية