الإكراه المعنوي هو تهديد يوجه من شخص إلى آخر بوسيلة ما، فيولد فيه حالة نفسية من الخوف والفزع تجعله يقدم على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً، فالفرق بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي، هو أن الإرادة في حالة الإكراه المادي مشلولة أو مكفوفة كأنها غير موجودة إطلاقاً، في حين تكون موجودة في حالة الإكراه المعنوي، ولكنها معيبة وفاسدة إذ يخير صاحبها بين أخف الضررين أو أهون الشرين فهو بين قبول الأقدام علي الجريمة أو تحمّل الخطر المهدد بوقوعه عليه أو على شخص عزيز عليه. للإكراه نوعان: نوع يعدم الإرادة في موضوعه، ويسمى الإكراه المادي، وآخر يضعفها، ويسمى الإكراه المعنوي.
1ـ الإكراه المادي: يكون الإكراه مادياً، عندما يجبر الشخص على إبرام تصرف أو القيام بفعل ما بقوة مادية لا يستطيع مقاومتها، ولا يملك سبيلاً لدفعها فتشل إرادته وتفقده حرية الاختيار، ويصبح كأنه آلة مسخرة بها: كالإمساك بإبهامه وجعله يبصم على سندٍ إقراراً منه بالتزام معين. ويعد الإكراه المادي حالة من حالات القوة القاهرة التي تتم من جانب الإنسان. وعلى هذا فإن الإكراه المادي ينتزع الرضا عنوة لا رهبة
.2ـ الإكراه المعنوي: هو تهديد يوجه من شخص إلى آخر بوسيلة ما، فيولد فيه حالة نفسية من الخوف والفزع تجعله يقدم على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً. فالفرق بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي هو أن الإرادة في حالة الإكراه المادي مشلولة أو مكفوفة كأنها غير موجودة إطلاقاً، في حين تكون موجودة في حالة الإكراه المعنوي ولكنها معيبة وفاسدة، إذ يخير صاحبها بين أخف الضررين، أو أهون الشرين، فهو بين القبول بإبرام التصرف، أو تحمّل الخطر المهدد بوقوعه عليه أو على شخص عزيز عليه.
ومن هذا المنطلق فإن إشهار مسدس حربي على شخص و تهديده به إذا لم يوقع على عقد ما، وتهديد امرأة باعتداء على شرفها إذا لم تقر بالتزام معين، أو تهديدها بالطلاق إذا لم تنزل عن معجل مهرها أو إنقاص مؤجله، وكذلك تهديد الإدارة المالية شخصاً بالحجز على أمواله إذا لم يدفع مبلغاً غير مستحق عليه أصلاً، كل ذلك يعد إكراهاً معنوياً مفسداً للرضا وعيباً من عيوب الإرادة.
آثار الإكراه
يترتب على إثبات قيام حالة الإكراه بنوعيه، المادي والمعنوي، إبطال التصرف الذي تمّ تحت تأثيره، لأن الإرادة لم تكن حرة في أثناء إبرامه. ومن ثمّ فإنه يترتب على الإبطال إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التصرف، وذلك بالاستناد إلى قواعد الإثراء بلا سبب ، وليس على أساس العقد، لأن العقد الباطل لا يرتب أي أثر، ويمكن أن يطالب الشخص المكره بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الإكراه على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية، التي تقوم على قاعدة أن «كل خطأ سبّب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض». يلاحظ في تقدير الإكراه أن معیار الرهبة القائمة على أساس، معیار شخصی كما هو الشأن في عيوب الرضاء جميعا، وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا اعتقد من وقع تحت سلطانها أن خطراً جسيماً أصبح وشيك الحلول، ولا يشترط أن يتهدد الخطر المتعاقد ذاته، بل يجوز أن يهدد أحد أقاربه.
ويجب في الرهبة القائمة على أساس، أن يكون قد بعثها المكره في نفس المكره (بغير حق) فالدائن الذي يهدد مدينه بمقاضاته إذا لم يعترف بالدين إنما يستعمل وسيلة قانونية للوصول إلى غرض مشروع، وما دام الغرض مشروعاً فلا يعتبر الإكراه قد وقع بغير حق .. أما إذا كان الغرض من الإكراه غير مشروع ، كما إذا استغل المكره ضيق المكره، ليبتز منه ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق، فيكون الإكراه، على نقيض ما تقدم واقعاً بغير حق ولو أن حق الدائن في هذا الفرض قد اتخذ وسيلة لبلوغ الغرض المقصود. (مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 180)
وفي تقديرنا أنه لا يمكن القول بأن إجبار مخالفي قوانين البناء على التصالح ودفع قيمة التصالح المحددة سلفاً هو من قبيل تحقيق الغرض المشروع، وإنما هو تقنين للجريمة، وإهدار لمراكز قانونية قد استقرت ولها احترامها القانوني والقضائي، ومدعاة لعدد هائل من المنازعات ليس آخرها: من الذي يجب أن يتقدم بطلب التصالح ويتحمل قيمته هل مالك الشقة أو مالك العقار؟ هل المالك الحالي المتنازل إليه أم المالك السابق وهو الذي ارتكب المخالفة أصلاً؟ وهل من الممكن قانوناً مساءلة شخص آخر غير من ارتكب المخالفة أو الجريمة؟ أوليست كل نفس بما كسبت رهينة، وأن لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى؟ إلى غير ذلك من أوجه فقدان المشروعية.
وعليه فإنه بإسقاط المثال الذي ساقته مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 127 لبيان مشروعية الغرض أو عدم مشروعيته على ما يجري في شأن التصالح في مخالفات البناء نجد أن الدولة تقف في المكان غير الصحيح لتمثل صورة الدائن الذي يبتز غريمه ليحصل منه على ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق.
وقد استقرت محكمة النقض على أن:
الإكراه المبطل للرضا إنما يتحقق – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بتهديد المتعاقد المكره بخطر محدق بنفسه أو بماله أو بإستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له بإحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبه تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً، وأن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد والترجيح بين البينات والأخذ بقرينة دون أخرى هو من الأمور الموضوعية التى تستتقل بالفصل فيها محكمة الموضوع ولا رقابة عليها فى ذلك لمحكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله.
(الطعن رقم 2479 لسنة 54 جلسة 1988/12/07 س 39 ع 2 ص 1274 ق 218)
كما قضت بأن: وإن كان يشترط فى الإكراه الذى يعتد به سبباً لإبطال العقد أن يكون غير مشروع وهو ما أشارت إليه المادة 127/1 من القانون المدنى إذ نصت على أنه “يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد فى نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس” مما مفاده أنه يجب فى الرهبة أن يكون المكره قد بعثها فى نفس المكره بغير حق، وعلى ذلك فإن الدائن الذى يهدد مدينه بالتنفيذ عليه إنما يستعمل وسيلة قانونية للوصول إلى غرض مشروع ، فلا يعتبر الإكراه قد وقع منه بغير حق – إلا أنه إذا أساء الدائن إستعمال الوسيلة المقررة قانوناً بأن إستخدمها للوصول إلى غرض غير مشروع كما إذا إستغل المكره ضيق المكره ليبتز منه ما يزيد عن حقه، فإن الإكراه فى هذه الحالة يكون واقعاً بغير حق ولو أن الدائن قد إتخذ وسيلة قانونية لبلوغ غرضه غير المشروع، وذلك على ما صرحت به المذكرة الإيضاحية للقانون المدنى.
(الطعن رقم 365 لسنة 38 جلسة 1974/01/02 س 25 ع 1 ص 208 ق 36)
تعريف الإكراه :
ويعرف الفقه الإكراه المفسد للرضاء، والذي يترتب عليه طلب إبطال العقد، بأنه ضغط يقع على الشخص بغير وجه حق، فيولد في نفسه رهبة تدفعه إلى التعاقد خشية الأذى ومثاله أن يضرب شخص آخر أو يهدده بالقتل أو بالضرب أو بالاعتداء على العرض أو بإثارة فضيحة أو بإتلاف ماله أو بخطف ابنه، حتى يحمله على أن يعطيه مبلغاً من المال، أو أن يبيع له داره، أو أن يقر له بالتخالص من دين عليه.
وقد عرفته محكمة النقض في أحكام كثيرة لها:
بأنه تهديد المتعاقد المكره بخطر جسیم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يقبله اختياراً.
والإكراه كعيب يشوب الرضاء، يفسد الرضاء دون أن يعدمه.
فالإرادة فيه تكون موجودة ولكنها ليست حرة، إذ يكون المتعاقد بين أن يتحمل الأذى أو يتعاقد، فيختار التعاقد لدرء الأذى عن نفسه أو عن غيره، ولولا خوفه من هذا الأذى لما تعاقد. وفي هذه الحالة يكون العقد قابلا للإبطال.
- الإكراه المعدم للرضاء:
ذكرنا أن الإكراه بالمعنى الوارد بالبند السابق، هو الذي يعيب الإرادة ولكنه لا يعدمها، ومهما قيل في شأن فساد هذه الإرادة عندما يشوبها الإكراه، فهي إرادة موجودة.
على أن هناك من الصور مما تنعدم فيه الإرادة تماماً بالإكراه كأن يقبض شخص على يد آخر ممسكة بالقلم ويحركها بالقوة لرسم التوقيع، وكان يقوم شخص بتنويم آخر تنويماً مغناطيسياً ويوحى إليه بالتعاقد. في هاتين الحالتين وأشباههما لم يصدر من المكره أي عمل إرادي فلا يصح أن يقال إن إرادته في العقد معيبة أو فاسدة، إنما هي إرادة منعدمة، والعقد بالتالي لا يقوم أصلاً.
شروط الإكراه:
يشترط في الإكراه، باعتباره عيباً يشوب الرضاء توافر الشروط الثلاثة الآتية:
1-أن تستعمل وسيلة للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق.
۲- أن تبعث هذه الوسيلة رهبة في نفس المتعاقد الآخر تحمله على التعاقد.
٣- أن يكون الإكراه صادراً من المتعاقد الآخر، أو يكون الأخير عالما به أو من المفروض حتماً أن يعلم به، إذا كان صادراً من غير المتعاقدين.
ونعرض لهذه الشروط بالتفصيل فيما يلي:
- الشرط الأول:
أن تستعمل وسيلة للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال:
يجب أن تستعمل وسيلة للإكراه تهدد المكره بخطر جسيم عليه أو على غيره، بحيث تولد رهبة في نفسه، وأن يكون ذلك للوصول إلى غرض غير مشروع.
فالإكراه إذن يقوم على عنصرين: أحدهما، مادي وهو عبارة عن الوسيلة التي تستخدم في الإكراه وما يجب أن تحدثه في نفس المكره من أثر. والثاني معنوي وهو يكون باستعمال هذه الوسيلة للوصول إلى غرض غير مشروع.
ونعرض لهذين العنصرين بالتفصيل فيما يلي:
أولا : العنصر المادي في الإكراه :
یراد بهذ العنصر – كما ذكرنا – أن تستعمل وسيلة للإكراه تهدد المكره بخطر جسيم عليه أو على غيره بحيث تولد رهبة في نفسه، وهذا الإكراه قد يكون حسياً أو نفسياً، ونعرض لذلك فيما يلي.
الإكراه الحسي والنفسي:
يكون الإكراه حسياً إذا وقعت وسيلة الإكراه على الجسم، كالضرب والتعذيب، وهذا يندر وقوعه لاسيما في الأوساط المتحضرة.
ويكون الإكراه نفسياً إذا كان من شأن وسيلة الإكراه التهديد بإيقاع الأذى دون إيقاعه فعلاً، يستوي أن يكون الأذي المهدد به ما يصيب الجسم أو النفس أو الشرف او المال، ومثله تهديد شخص بالضرب أو القتل، أو تهديده بخطف ولده أو تهدیده بإثارة فضيحة، أو تهديده بحرق ماله، فهذا النوع من الإكراه يقوم على التهديد بإلحاق الأذى دون إيقاعه بالفعل.
والعبرة في جسامة الخطر بحالة المكره النفسية، فلو كانت وسائل الإكراه التي استعملت غير جدية، ولكنها مع ذلك أوقعت الرهبة في نفس المكره وصورت له أن خطراً جسيما يهدده، فإن هذا يكفي لإفساد الرضاء، وذلك كما إذا هدد شخص آخر بعمل من أعمال الشعوذة.
بيد أنه يلزم بطبيعة الحال أن يكون الخطر أو الأذى الذي يتهدد الشخص على قدر من الجسامة، بحيث يؤثر في المتعاقد نفسه ويجعله بين أن يتحمل الأذى أو أن يبرم التصرف، منقاداً إلى الأمر الأخير، اعتباراً بأنه أهون الشرين وأخف الضررين فتهديد الشخص العادي مثلا بالصفع على وجهه، لو أنه لم يبع منزله، قد لا يرقى إلى مرتبة الإكراه، وإن كان التهديد بذلك الأمر قد يصل إلى هذه المرتبة، لو أنه وجه إلى شخص يتميز لسبب أو آخر، بحساسية مفرطة.
ولذلك تنص الفقرة الرابعة من المادة (۱۲۷) على أن يراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه”.
والخطر قد يهدد المتعاقد في جسمه أو نفسه كخطر يقع على حياته أو سلامة أعضائه أو ألم نفسي ينزل به. أو يهدد شرفه واعتباره بين الناس أو على الثقة فيه لا سيما إذا كانت مهنته تقتضي التوفر على هذه الثقة كما في التجارة، أو يهدد ماله، أو مزروعاته بالإتلاف أو داره بالحريق. فالخطر الذي يقع على أي شيء يحرص المتعاقد على سلامته يكفي لتحقق الإكراه.
والخطر يجب أن يكون محدقاً أى وشيك الوقوع، فإذا كان الأذى المهدد المكره مما يتراخى وقوعه، فالمفروض أن تتوافر لدى المتعاقد الوسيلة في دفعه بالتجائه إلى السلطة العامة لتحميه مما يمكن أن يلم به.
على أن الأمر مع ذلك منوط بحالة المتعاقد النفسية، فقد يكون الأذي مما يقع بعد أجل بعيد، لكنه مع ذلك قد يوقع في نفس المتعاقد الرهبة ويحمله على التعاقد. فالعبرة من بوقوع الرهبة حالاً في نفس المتعاقد، لا بأن الخطر حال أو محدق.
تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها من المسائل الموضوعية:
تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس المتعاقد من الأمور الموضوعية التي يستقل بالفصل فيها قاضي الموضوع. ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك.
أما تقدیر کون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة فمما يدخل تحت رقابة محكمة النقض متى كانت تلك الأعمال مبينة في الحكم.
العنصر المعنوي في الإكراه :
يراد بهذا العنصر أن الإكراه لا يتحقق إلا إذا كان المقصود من الضغط الواقع على المتعاقد المكره هو الوصول إلى غرض غير مشروع. يستوي في ذلك أن تكون وسيلة الإكراه مشروعة أو غير مشروعة، أما إذا كان الغرض الذي يراد الوصول إليه مشروعاً فلا يتحقق الإكراه حتى لو كانت الوسيلة غير مشروعة.
ومن هنا يمكن تصور فروضاً أربعة هي:
(أ) استعمال وسيلة غير مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع:
في هذا الفرض يتحقق الإكراه. وهذا هو الفرض الذي يقع عادة، كتهديد شخص بحرق زراعته إذا لم يبرم تصرفاً معيناً، أو تهديده بقتل ولده المخطوف أو بالتشهير به إذا لم يتعهد بدفع مبلغ من المال .
(ب) -استعمال وسيلة مشروعة للوصول إلى غرض مشروع:
ومثال ذلك أن يهدد الدائن مدينه بمقاضاته أو بالتنفيذ على أمواله أو بشهر إفلاسه، حتى يحمله على دفع الدين الذي له عليه لا أكثر، أو تحرير سند به، أو تقديم رهن أو كفالة.
ويرى الفقه السائد أن الإكراه لا يتوافر في هذا الفرض لاعتبار الرهبة المتولدة عنه بحق. والقضاء مجمع على ذلك سواء في فرنسا أو في مصر.
(ج) استعمال وسيلة مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع:
ومثال هذا الفرض أن يهدد شخص آخر بالتبليغ عن جريمة ارتكبها، ليحمله على أن يعطيه مبلغاً من المال لا حق له فيه، أو أن يهدده بأن ينفذ على أمواله بمقتضی دین له، إن لم يبع له أرضاً لا علاقة لها بالدين والفقه السائد يرى أن الإكراه متوافر هنا، باعتبار أن الرهبة المتولدة عنه بغير حق، والقضاء في فرنسا ومصر مجمع عليه.
(د)-استعمال وسيلة غير مشروعة للوصول إلى غرض مشروع:
الغرض هنا يكون مشروعاً ولكن تستعمل للوصول إليه وسائل إكراه غير مشروعة. فرغم أن الوسيلة غير مشروعة إلا أن العقد لا يبطل للإكراه إذ يجوز استعمال الإكراه للوصول إلى حق لتأدية واجب أو للحصول على مصلحة مشروعة، ولكن يشترط ألا تكون هذه الوسيلة غير المشروعة جريمة يعاقب عليها القانون، كما فی حالة التهديد بالقتل أو الخطف بغية الوصول إلى حق في ذمة المكره.
وتحديد ما إذا كانت الرهبة بحق أو بغير حق، وبالتالي تحديد ما إذا كان الإكراه مشروعاً فلا يمس العقد، أو غير مشروع فيدفعه بالقابلية للإبطال يعتبر من مسائل القانون، فيخضع قاضي الموضوع في شأنها لرقابة محكمة النقض.
الشرط الثاني :
رهبة في نفس المتعاقد تحمله على التعاقد :
يجب أن تكون الرهبة التي تولدها وسيلة الإكراه هي الدافعة إلى التعاقد، بمعنی أن لولاها لامتنع المكره عن إجراء التصرف.
وشرط كون الرهبة هي الدافعة إلى التعاقد بدیهی، ولا صعوبة فيه إذ أن الإكراه يفسد الرضاء، وهو لا يعتبر كذلك إلا إذا حمل المتعاقد بالفعل على التعاقد، فإذا ثبت أن المتعاقد كان ليبرم التصرف وبنفس الشروط التي تم عليها حتى لو لم يسلط عليه سيف التهديد، فإن الإكراه لا يعتبر مفسداً لرضائه. وفي هذا يتساوى الإكراه مع التدليس والغلط.
والمعيار هنا ذاتي، فيجب النظر إلى حالة المتعاقد الشخصية الذي وقع في الإكراه، والتصرف إلى أي حد هو متأثر بالرهبة والخوف، فيدخل في ذلك عامل الجنس والسن والحالة الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه بالتفصيل الذي تناولناه فيما سلف.
الإكراه في حالة الضرورة (الإكراه بالصدفة):
يراد بذلك أن ظروفا تتهيأ مصادفة فيستغلها المتعاقد للضغط على إرادة الطرف الآخر وحمله على التعاقد. ومثل ذلك أن تشرف سفينة على الغرق فتتقدم أخرى لإنقاذها ويشترط قائد هذه الأخيرة قبل الإنقاذ التعهد بمبلغ كبير في مقابل عملية الإنقاذ، أو يتقدم شخص لإنقاذ آخر من غرق أو حريق أو قتل فيطلب منه التعهد بمبلغ باهظ في مقابل ذلك.
أو أن يطلب طبيب متخصص في نوع خطير من العمليات الجراحية أجراً فاحشاً من مريض يخشى على نفسه الهلاك إذا لم تجر له هذه العملية.
وكان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يتضمن نصا برقم (۱۷۸) يقضي بأن :
1- لا يعتبر إكراها الخوف من المطالبة بحق، ما لم يستغل الضيق الذي وقع فيه الطرف المهدد، فيبتز منه ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق”. وهذا النص يجعل الإكراه في حالة الضرورة (الإكراه بالصدفة) الذي تتناوله إكراهاً يجيز طلب إبطال العقد. إلا أن هذا النص حذف في لجنة المراجعة، ولم يكن هذا الحذف بقصد العدول عن حكمه وإنما اكتفاء بالنصوص الأخرى.
ولذلك فالرأي أنه طالما أن نصوص القانون قد خلت مما يقتضي التمييز بين إكراه يهيئه شخص أو يتهيأ مصادفة، وطالما أن الإرادة ليست حرة والغرض غير مشروع بل صدرت الإرادة تحت تأثير الضغط، فالإرادة فاسدة، سواء في ذلك أن يكون مصدر الضغط هو المتعاقد الآخر أو أجنبي أو ظروف خارجية لا يد لأحد فيها، فأثر الضغط في إرادة المتعاقد واحد في كل هذه الأحوال.
غير أن هذا القول يقتضي أن يكون المكره سيء النية، فإذا كان حسن النية لم يقصد استغلال الطرف الآخر فلا يبطل العقد.
-إثبات الإكراه :
يقع على عاتق المتعاقد المكره أي الذي يدعى حصول الإكراه إثبات الإكراه بشروطه التي ذكرناها فيما سلف. ويجوز له الإثبات بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن، ولو كان العقد الذي أبرم نتيجة الرهبة التي بعثها الإكراه مكتوباً، لأن الإثبات هذا ينصب على واقعة مادية وليس على التصرف القانوني.
أثر الإكراه :
إذا توافرت شروط الإكراه على النحو الذي بسطناه، أنتج الإكراه أثره. ويتمثل هذا الأثر في جعل العقد قابلاً للإبطال لمصلحة الطرف المكره.
ويثبت حق طلب الإبطال، سواء أكان الإكراه قد دفع المكره إلى قبول التعاقد ذاته، أم اقتصر على حمله على قبول شروط أقسى وأشد مما كان يقبل بها العقد من غيره قياساً.
والعقد فوق أنه قابل للإبطال لعيب شاب الإرادة، فإن الإكراه يشكل خطأ يرتب المسئولية التقصيرية قبل فاعله، وينبني على ذلك أنه بجانب الخيار الثابت للمكره في التمسك بالعقد أو إبطاله، له أن يطلب التعويض من المكره عما ناله من ضرر.
الشرط الثالث:
أن يكون الإكراه صادراً من المتعاقد الآخر أو أن يكون الأخير عالماً به أو من المفروض حتماً أن يعلم به، إذا كان صادراً من غير المتعاقدين:
يجب لإعمال الإكراه باعتباره عيباً يشوب الإرادة ويجعل العقد بالتالي قابلاً للإبطال، أن يكون متصلاً بمن يتعاقد مع المكره، ويكون الإكراه كذلك إذا كان صادراً من المتعاقد مع المكره.
وفي هذا تنص الفقرة الأولى من المادة ۱۲۷ على أن: “…. إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الأخر….الخ”.
بيد أن هذا ليس ضرورياً فيكفي أن يكون الإكراه صادراً من الغير إذا كان المتعاقد الآخر يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه (م۱۲۸). (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/323)
موقف الفقه الإسلامي من التصالح بالإكراه:
ولم يختلف الرأي في الفقه الإسلامي عما سبق، فيعتبر الإكراه بذات تعريفه وماهيته وشروطه السابقة سبباً للحكم بإبطال التصرف القانوني سواء كان عقداً أو هبة أو غيرهما، وعلى ذلك نصت مجلة الأحكام العدلية في المادة (1006) منها وتحت عنوان “الإكراه الملجئ”، على أنه: “لا يعتبر البيع الذي وقع بالإكراه ولا الشراء ولا الإيجار ولا الهبة ولا الفراغ ولا الصلح والإقرار والإبراء عن مال ولا تأجيل الدين ولا إسقاط الشفعة ملجئاً كان الإكراه أو غير ملجئ ولكن لو أجاز المكره ما ذكر بعد زوال الإكراه يعتبر.
وفي كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان وموافقاً لعرف الديار المصرية، لمحمد قدري باشا (الطبعة الثانية، المطبعة الكبرى الأميرية، سنة 1308 هـــ 1891م)، تحت عنوان (في رضا العاقدين وما يعدم الرضا) المواد التالية:
(مادة 191)
يشترط لصحة العقد الوارد على الأعيان المالية أو على منافعها تراضى العاقدين بلا إكراه ولا إجبار.
(مادة 192)
الإكراه نوعان ملجئ وغير ملجئ
فالإكراه الملجئ يعدم الرضا ويفسد الاختيار ويكون بالتهديد بإتلاف نفس أو عضواً أو بعض عضو أو بضرب مبرح يخاف منه تلف نفس أو عضو أو بإتلاف كل المال.
والإكراه الغير الملجئ يعدم الرضا أيضاً لكنه لا يفسد الاختيار ويكون بالتهديد بالحبس والقيد المديدين وبالضرب الغير المتلف على حسب أحوال الناس.
(مادة 193)
الإكراه بحبس الوالدين والأولاد وغيرهم من ذي رحم محرم أو بضربهم يعدم الرضا أيضاً.
(مادة 194)
يختلف الإكراه باختلاف أحوال الأشخاص وسنهم وضعفهم ومناصبهم وجاههم ودرجة تأثرهم وتألمهم من الحبس والضرب كثرة وقلة وشدة وضعفاً.
(مادة 195)
يشترط لاعتبار الإكراه المعدم للرضا أن يكون المكره قادراً على إيقاع ما هدد به وأن يخاف المكره وقوع ما صدر تهديده به في الحال بأن يغلب على ظنه وقوع المكره به إن لم يفعل الأمر المكره عليه فإن كان المجبر غير قادر على إيقاع ما هدد به فلا يكون الإكراه معتبراً.
(مادة 196)
إذا عقد المكره العقد في غياب المجبر ولم يرسل المجبر أحداً ليرده إليه إن لم يفعل فلا يعتبر الإكراه ويكون قد عقده طوعاً بعد.
(مادة 197)
الرضا شرط لصحة العقود التي تحتمل الفسخ فتفسد بفواته وذلك كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والهبة والصلح وتأجيل الدين والشفعة ونحوها.
فمن أكره إكراهاً معتبراً بأحد نوعي الإكراه على عقد منها فلا يصح عقده.
(مادة 198)
لا يصح أيضاً مع الإكراه إبراء الدائن مديونه ولا إبراء الكفيل بنفس أو مال.
فمن أكره إكراهاً معتبراً ملجئاً أو غير ملجئ على إبراء مديونه أو كفيل مديونه فإبراؤه غير صحيح وله مطالبة كل منهما بدينه.