عندما يتعلق الأمر بمكانة المرأة وحقوقها فلا مجال للمزايدة على الإسلام، فما من دين جاء بمثل ما جاء به الإسلام من تعاليم وتشربعات ووصايا لإنصاف المرأة كأم وزوجة وابنة وشقيقة، بل كعضو فى المجتمع لايقل أهمية فى القيمة والدور من قيمة الرجل ودوره، وبتعبير أستاذنا المرحوم الشيخ محمد الغزالى فإن الإسلام ” دلل المرأة ” .
ومع ذلك فقد رأينا فريقا من المشاكسين الجهلة، كلما رأوا فى حياة الناس آفة مرذولة ردوها إلى الإسلام، وزعموا أنها نتاج الخطاب الدينى ” الذكورى ” الذى يروج له الشيوخ من فوق المنابر وعبر القنوات الإعلامية، وآخر حملة من ذلك الافتراء الكاذب كانت مصاحبة لسلسلة قتل النساء التى شهدتها المنطقة العربية مؤخرا وراح ضحيتها شيماء جمال ونيرة جمال ( مصر) ولبنى منصور ( الإمارات ) وإيمان أرشيد ( الأردن ) .
وجد المشاكسون فى هذه الجرائم المتتالية، التى كان الجانى فيها زوجا أو خطيبا أو مشروع خطيب فاشل، فرصة للتعريض بما أسموه ” الذهنية الدينية الذكورية ” التى تحتقر المرأة، وتنظر إليها نظرة دونية، وتعطى الرجل سلطة التحكم فى خصوصياتها، وسلبها حقها فى الحرية، وفى أن يكون زمام أمرها بيدها .
هؤلاء المشاكسون جهلة حقا، وإن ادعوا أنهم مثقفون، وأنهم قرأوا لسقراط وأفلاطون وأرسطو ودانتى وشكسبير وغيرهم من عباقرة الغرب، لأنهم ـ للأسف ـ تعالوا على قراءة تراثهم العربى والإسلامى، واعتبروه من مخلفات الماضى، ومن مخلفات الغزو الصحراوى، وبالتالى تعالوا على هوية أهلهم، وعزلوا أنفسهم عن شعبهم وأمتهم، وعاشوا مخدوعين بأنهم ” نخبة “.
ولو أنهم صدقوا مع أنفسهم لأدركوا أن موجة العنف المروعة التى تجتاحنا من سنوات هى فى الحقيقة صناعة غربية، تم تصديرها إلينا مع صادرات الغرب الكثيرة، الصالح منها والطالح، وقد تسلمناها معلبة فى عبوات جذابة تخطف الأبصار، أفلاما ومسلسلات وروايات ورسوم متحركة، ولم نكتف باستهلاكها، وإنما قلدناها تقليدا أعمى، حتى نثبت لأنفسنا أننا عصريون .
وإذا قارنا بين أفلامنا ومسلسلاتنا فى بدايات السينما وبين ما ننتجه اليوم تظهر الحقيقة بيسر وسهولة، فقد كانت مشاهد العنف لا تزيد عن مشاجرات بالأيدى، وإذا تطور الشجار تستخدم الشوم، ونادرا ما يظهر فى يد أحدهم مسدس بدائي، أما الآن فقد تعلمنا كيف ننتج أفلام القتل والعنف والدم بإبداع فائق وبأعلى تقنية، وكيف نكرس لجرائم القتل والبلطجة والمخدرات حتى أصبحت شيئا طبيعيا فى حياتنا، وأصبح القتل يقع لأهون الأسباب، فيقتل الرجل أمه وأباه، وأخته وأخاه، وزوجته وأولاده، وتقتل الزوجة زوجها وأولادها .
لاعلاقة للإسلام بهذا الواقع البئيس، البعيد كل البعد عن كل قيمة إنسانية راقية، وإذا أردتم أن تعرفوا السر وراء ما وصلنا إليه فاسألوا من عمد إلى تخفيف الجرعة الدينية، وجعل مادة الدين هامشية فى المدارس، وكثف من أفلام ومسلسلات اللصوصية والنصب والقتل والبلطجة، اسألوا ” عبده موتة ” وقلب الأسد ” و ” إبراهيم الأبيض و” المرأة والساطور” و” الغول” و” أولاد رزق “، وما شابه ذلك .
اسألوا من جعل البلطجى القاتل بطلا محبوبا مسيطرا فى الأفلام والمسلسلات، وقدمه قدوة للشباب الطامحين المتطلعين لتلك البطولة، والذين يفاجئوننا بين الحين والحين بإجرام أبشع مما نتخيل أو نرى فى أى عمل شاهدناه على الإطلاق .
وما يقال عن فنون العنف الفاحش يقال عن فنون إفساد الذوق العام بغناء مبتذل، هابط الكلمات والألحان، ليس فيه شيء من الفن والإبداع، وإنما هو أراجيز وأهازيج سطحية لإشاعة القيم الوضيعة فى المجتمع .
لم يبق لنا إلا الدين يعصمنا من السقوط، كل ماحولنا صار مغلوطا ومشوها، وباعثا على الإحباط، الدين وحده يرفعنا إلى القيم السامية، ويردنا إلى أصولنا الطيبة، ويعيد للمرأة مكانتها ويحفظ للرجل قدره وشرفه، ويعلمنا أن الحب عطاء ومودة ورحمة، والحياة الزوجية ليست استحواذا أو امتلاكا وقهرا، وإنما معاشرة بالمعروف أو تسريح بإحسان، وإذا وصل الطرفان إلى الانفصال فيجب أن يكون الطلاق بالحسنى، محاطا بالتقوى، حتى يغنى الله كلا من سعته، وتحصل المرأة على حقوقها كاملة، ولا تترك كالمعلقة، وإنما تشق لنفسها طريقا آخر فى الحياة، قد يكون أكثر توفيقا وسدادا .
وقد فصل القرآن الكريم فى كثير من آياته مفاهيم المساواة بين المرأة والرجل، وإقرار حقوق كل منهما ومسئولياته والتزاماته، وإنصاف الزوجة، وتعظيم الأم، وتكريم الابنة، وخصص سورة كاملة للحديث عن ” النساء ” وسورة كاملة للحديث عن ” الطلاق ” .
هل رأيت قبل القرآن الكريم كتابا يقرن بين توحيد الله بالعباده وبين الإحسان إلى الوالدين، والتركيز على تضحيات الأم التى حملت وهنا على وهن، ثم الأمر الإلهى بالشكر لله وللوالدين ؟!
وفى حجة الوداع، حين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع التشريعات الكبرى لإرساء عقيدة التوحيد والمساواة بين الناس وتجريم الثأر والقتل والربا والنسيء والاعتداء على الأموال والأعراض جاء صوته قويا حاسما : ” إن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حقا “، ” استوصوا بالنساء خيرا “، ” اتقوا الله فى النساء “.
وفى آخر خطبة له من على منبره صلى الله عليه وسلم ، وهو فى غمرة المرض يودع المسلمين استعدادا للقاء ربه، جاء صوته قويا حاسما مرة أخرى : ” أيها الناس، اتقوا الله فى النساء، اتقوا الله فى النساء، أوصيكم بالنساء خيرا “.