أمريكا تتغير ..والعرب أيضا!
لا يمكن انكار ان زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الحالية للمنطقة قد القت باحجار كبيرة وحركت كثيرا من المياة المطلوب تحريكها عربيا على الأقل في وقت شديد الحرج وأوضاع بالغة الحساسية وحسابات دولية ليست مرتبكة فقط بل ومزعجة في أحيان كثيرة.
التطورات المتسارعة والمفاجآت أجبرت حتى القوى الكبرى على ان تعيد حساباتها وتتراجع عن مواقف وسياسات عنترية اومتشددة او كانت تغض الطرف عن بعضها.ولم تجد تلك القوى حرجا امام ضغط المصالح الحيوية ان تعيد النظر في سياسات وتوجهات حادة قد أعلنتها في قضايا كثيرة لم تجد أي حرج في ان تعمل حسابات العقل والمنطق ونعترف ولو ضمنيا بحقوق الاخرين في الدفاع عن مصالحهم أيضا واتخاذ مواقف وطنية تفرضها ضرورة اللحظة التاريخية الراهنة وتداعيات الاحداث الجسام والمخاطر المنتظرة والتي قد تترك اثارا عميقة لسنوات وسنوات على أوضاع البلاد والعباد..
الحركة في المنطقة العربية وتفاعلاتها الحيوية مع الاحداث العالمية والرغبة الجادة والتوجهات الجديدة للخروج من المأزق العربي الراهن والحد من الاثار السلبية الناجمة عن الازمات العالمية المتصاعدة لها دلالاتها وقوتها أيضا خاصة اذا ما اضفنا اليها الاحتجاجات سواء الصاخبة او حتى الصامتة على النظام العالمي القائم وضرورة تغييره او تعديله بعد امعانه في تجاهل معاناة الكثير من الشعوب والتلاعب بحقوقها المشروعة وارتفاع نبرة العنصرية وعلو صوت اليمين المتطرف وتحكمه في الكثير من التوجهات السياسية للدول الكبرى بلا استثناء ومحاولة فرض نماذج من السلوك والاخلاقيات المرفوضة والممجوجة وقوة الفطرة الطبيعية للبشر.
كل هذه المتغيرات وغيرها مما يلوح في الأفق الخاص بالمنطقة العربية وقضاياها وحقها في التنمية والاستقرار وتوفير الحياة الكريمة لشعوبها والحفاظ على كرامتها الوطنية والدفاع عنها بكل السبل..اعطى زخما وطبيعة خاصة وجديدة لاتصالات القوى الكبرى وتوجهاتها نحو المنطقة وتغيير نظرتها والتعامل بقدر من الجدية والحكمة مع قضاياها الرئيسية وبطرق مختلفة عن ذي قبل.
أشياء كثيرة يتم استدعاؤها والمنطقة تستعد لاستقبال اول زيارة لتاسع رئيس امريكى يزور المنطقة العربية في ظروف بالغة الحساسية(ثمانية رؤساء أمريكيين زاروها وهم: فرانكلين روزفلت ودوايت أيزنهاور وريتشارد نيكسون وجيمى كارتر وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب) زيارة التاسع مختلفة تماما عن زيارة أي رئيس سابق للمنطقة سواء منذ أيام روزفلت لمصر في العام1943 (روزفلت زار مصر 3 مرات في عامي 1943 و1945قبل ان تضع الحرب العالمية اوزارها)او في آخر زيارة للرئيس السابق ترامب للسعودية).
أمريكا تغيرت تماما ليست هي أمريكا..الزيارات الأولى كانت أمريكا متطلعة قوتها في مرحلة البزوغ والشروق وتعمل على الامساك بكثير من الخيوط في لعبة الأمم وحركة الاحداث في مواجهة القطب الروسي..كانت أمريكا تتحرك ومعها في الركاب قادة كبار على الخريطة الدولية فخلال زيارة روزفلت للقاهرة عام 1943عقد مؤتمر القاهرة الاول بمشاركة الزعيم البريطاني ونستون تشرشل والزعيم الصيني شيانج كاي-شيك.
وفي الزيارة الثانية 27 نوفمبر من نفس العام عقد روزفلت مؤتمر القاهرة الثاني بمشاركة تشرشل والرئيس التركي اينونو.
وتمت الزيارة الثالثة بين 13 و15 فبراير 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.وخلالها بدأت العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والسعودية باجتماع عقده روزفلت على ظهر سفينة حربية في قناة السويس مع الملك عبد العزيز ال سعود.
وخلال الزيارة عقد روزفلت اجتماعا مع الملك فاروق الاول ملك مصر والسودان في منطقة البحيرات المرة كما عقد روزفلت اجتماعا في الاسكندرية مع هيلا سيلاسي امبراطور اثيوبيا.
أمريكا 2022 مختلفة تماما صحيح انها قوى عظمى لكن نجمها يتجه نحو الغروب او الافول بحسب تقديرات عدد من المراقبين والمحللين فالعالم يتجه الان نحو نظام جديد لايعترف بالاحادية القطبية وتتشكل قوة سياسية ومن قبلها اقتصادية خاصة في الشرق وشرق اسيا تحديدا الصين وروسيا ومعهما الهند وربما تحالفات إقليمية أخرى تهدد بقوة عرش الولايات المتحدة.
أمريكا الان لاتملك كل مفاتيح السيطرة على الغرب هناك اجنحة تمرد حقيقية رافضة وقبيل حرب أوكرانيا كانت أصوات أوروبية كثيرة ضد الناتو وتطالب بجيش أوروبي وكان على وشك التفكك كالاتحاد الأوروبي.. أمريكا الان تناضل شبه منفردة تحاول بناء تحالفات جديدة في مواجهة روسيا وربما ايران..التي تغيرت المواقف منها مؤخرا والسياسة تجاهها بعد قيام إسرائيل والتوجه نحو الاعتماد عليها كلاعب رئيسي بسياسات المنطقة وفيها أيضا.. فقد كانت السياسة الامريكية تعتمد على ايران كحليف وشريك استراتيجي أيام الشاه ويكفي الإشارة الى ان أربعة من الرؤساء السابقين زاروها وهم روزفلت وايزنهاور ونيكسون وكارتر في العام 1978ودعموها بالأسلحة المتطورة اف 14 و15لمواجهة المد الشيوعي آنذاك!!
أمريكا تغيرت حتى عن اخر زيارة لترامب والتي حظي فيها بترحيب غير مسبوق وفاز بصفقات غير مسبوقة تجاوزت 600 مليار دولار دفعة واحدة..أمريكا بايدن شيئ آخر..انها أمريكا المتراجعة عالميا بعد انسحاب مخز من أفغانستان والعراق ومواجهة هزيلة مع روسيا سواء في بلاد الشام وسوريا وليبيا..وانحياز مخز لإسرائيل ضد الحقوق العربية ومساندة سافرة لإسرائيل تجاوزت كل الحدود ومحاولات لفرض تطبيع مجاني مع قوات الاحتلال وصمت على جرائم اسرئيل بل ومساندة دائمة للمتطرفين الصهاينة ومحاولة ارضائهم باي ثمن وليذهب الفلسطينيون ومعهم العرب للجحيم.
بعد متغيرات الحرب في أوكرانيا ظهرت أمريكا أخرى اكثر تراجعا شهدنا حالة قلقة موقف متغير بعد اهمال شديد وتأخير في ترتيب الأوليات الى درجة شبه هامشية ثم تعود وتعدل مواقفها وفقا لمصالحها التي باتت على المحك بعد المواقف العربية الأخيرة وليس السعودية فقط. ويضطر بايدن تحت ضغوط وشد وجذب الى ان يكتب مقالا في الواشنطن بوست تحت عنوان لماذا اذهب الى السعودية؟ يحاول الإجابة على الانتقادات الحادة والتغيير الكبير في موقف ادارته من السعودية والمنطقة.
مقال كنا ننتظر ان يقابله مقالات أخرى على الجانب العربي تقول وعلى المنوال نفسه:لهذا نستقبل بايدن!
العرب أيضا لم يعودوا كما كانوا ينتظرون ويتفرجون والقوى الكبرى والاخرون يقررون! الان هناك صحوة عربية وانتفاضة وعي حقيقية وادراك مستوعب للمتغيرات العالمية والمصالح الحيوية للمنطقة مجتمعة وليس دولة واحدة في مواجهة التأثيرات المتصاعدة للاحداث الدولية ولعل التحركات التي شهدتها الدبلوماسية المصرية مؤخراعلى مستوى القمة للرئيس عبد الفتاح السيسي اكبر دليل وكذا اللقاءات والزيارات للقادة العرب للقاهرة وزيارة السيسي لبعض العواصم العربية والقمم الثلاثية والرباعية وغيرها لبناء موقف عربي واضح وثابت للحفاظ على الحقوق العربية ورفض التطبيع المجاني ومحاولات التسلل الصهيوني مع استمرار الاحتلال للأراضي العربية وتدنيس المقدسات الدينية. بات هناك إصرار على حماية المصالح الحقيقية ودفع خطط البناء والتنمية للشعوب ولعل اصدق مؤشر على التغير المهم على ساحة العرب عودة الحديث بقوة عن الوحدة والتعاون والعمل العربي المشترك ووضع حد لحالة الانقسام والتشرذم التي لم يستفد منها احد سوى أعداء المنطقة حتى وان تظاهروا بثوب الحلفاء والأصدقاء فقد فضحتهم الحرب الروسية الأوكرانية وكشفت عن ساقيهم وكل عوراتهم وسوءاتهم البغيضة والتي لم يتورعوا عن الاعتراف بها بكل صفاقة.
نعم نحن قادرون.. والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com