إن جرائم الوظيفة العامَّة هي من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة؛ لما تشكِّله من اعتداء على مصلحة الفرد والجماعة التي لا تكون قائمة إلا بالحفاظ على السَّكينة العامة وانتظام سير العمل، والحفاظ على الأموال العامة المخصصة للمصالح.
إن العمل الذي يقوم به الوسيطُ في جريمة الرشوة لا يقل خطورةً عن عمل الراشي والمرتشي في إحداث النتيجة التي يسعى الشرعُ إلى محاربتها، وهي “الإتجار بالوظيفة العامة”؛ لأنه في كثير من الأحوال قد يتردد صاحب الحاجة قبل أن يجرؤ على تقديم الرشوة إلى الموظف خشيةَ أن يرفضها وينكشف أمره ويعاقب، أو لا يجرؤ على أخذ أو طلب أو قبول الوعد، ولكن عندما يوجد الوَسيط فإنه يسهِّل العطية ويرفع الخشيةَ من قلب الراشي والمرتشي؛ إذ لن يظهر أيٌّ منهما في مواجهة الآخر. نص الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات التى عددت صور الرشوة على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة و جعله بالنسبة إلى الموظف و من فى حكمه أسوة بإمتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة و قد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد بحيث يتسع مدلوله لإستيعاب كل عيب يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف و كل تصرف و سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال و يعد من واجبات أدائها على الوجه السوى الذى يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم و قد إستهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين و اللوائح و والتعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل إنحراف عن واجب من تلك الواجبات أو إمتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع فى النص فإذا تقاضى الموظف جعلاً عن هذا الإخلال كان فعله إرتشاء و ليس من الضرورى فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخله فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون لها إتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة و أن يكون الراشى قد أتجر معه على هذا الأساس ، كما لا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو أو الذى عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به أو يكون له نصيب من الإختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة .
1) إن نية الإضرار بالمصالح القومية ليست شرطاً فى جريمة التخابر مع دولة أجنبية المنصوص عنها فى المادة 78 مكرراً أ من قانون رقم 40 لسنة 1940 .
2) يشترط لتطبيق المادة 80 من القانون رقم40 لسنة 1940 المتعلقة بجناية تسليم سر من أسرار الدفاع عن البلاد إلى دولة أجنبية أو الحصول على السر بهذا القصد توافر شرطين أساسيين أولهما أن يكون الشئ ذا طبيعة سرية و ثانيهما أن يكون متعلقاً بالدفاع عن البلاد و تقدير ذلك موكول إلى محكمة الموضوع فى كلا الأمرين و لهما فى سبيل ذلك أن تستعين بمن ترى الإستعانة به كما أن لها أن تأخذ برأيه أو لا تأخذ به دون معقب عليها ما دامت المحكمة أبانت فى حكمها الأسانيد التى إستندت إليها فى إستخلاص النتيجة التى إنتهت إليها فى طبيعة السر و فى علاقته بالدفاع عن البلاد و كان إستخلاصها لهذه النتيجة إستخلاصاً سائغاً يؤدى إليها .
3) يعاقب القانون على مجرد الحصول على أسرار الدفاع بقصد تسليمها و على تسليمها لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها و لو لم تكن تلك الدولة الأجنبية فى حالة حرب مع مصر و كل ما إشترطه النص أن تكون مصر نفسها فى حالة حرب تباشرها قواتها النظامية .
4) إن مفهوم نص المادة 80 أن السر قد يكون مادياً و قد يكون معنوياً و أن مسئولية ناقل السر قائمة إذا ما حصل على سر معنوى و أبلغه إلى دولة أجنبية أو لمن يعمل لمصلحتها كما تكون قائمة إذا كان قد حصل عل سر مادى و سلمه .
5) إن المادة 80 لم تفرق فى إستحقاق العقاب بين من حصل على السر و من توسط فى توصيله إلى الدولة الأجنبية أو من يعمل لمصلحتها و جاء نصها عاماً حين ذكرت تسليم سر من أسرار الدفاع عن البلاد بأية صورة و على أى وجه و بأية وسيلة لدولة أجنبية أو لأحد مأموريها أو لشخص آخر يعمل لمصلحتها .
6) إن المادة 80 قصدت إلى التعميم و الإطلاق يدل عل ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون إذ جاء بها ” أن المهم فى أمر هذه الجريمة هو الغرض الذى يرمى إليه الجانى فغير ذى بال الصورة التى يجرى بها تحقيق هذا الغرض أو الوسائل التى تستعمل فى ذلك . كما أنه ليس من المهم أن يكون السر قد علم بأكمله فإن عبارة ” بأى وجه من الوجوه ” يراد بها أن تطبق العقوبة و لو لم يفش من السر إلا بعضه و كذلك لو كان السر أفشى على وجه خاطئ أو ناقص ” .
7) إن سكوت السلطات عن المتهمين فترة زمنية لا يعنى فى شئ أن الأسرار التى أفشوها لا تتعلق بالدفاع عن البلاد .
8) إن ترامى أسرار الدفاع إلى طائفة من الناس لا يرفع عنها صفة السرية و لا يهدر ما يجب لها من الحفظ و الكتمان .
9) إنه و إن كان الأصل فى فقه القانون الدولى أن الحرب بمعناها العام هى الصراع المسلح بين دولتين إلا أن للأمر الواقع أثره على تحديد هذا المعنى فى الحالة القائمة بين مصر و إسرائيل و هى حالة لها كل مظاهر الحرب و مقوماتها .
10) القانون الجنائى قانون جزائى له نظام قانونى مستقل عن غيره من النظم القانونية الأخرى و له أهدافه الذاتية إذ يرمى من وراء العقاب إلى الدفاع عن أمن الدولة و حماية المصالح الجوهرية فيها و على المحكمة عند تطبيقه على جريمة منصوص عليها فيه
و توافرت أركانها و شروطها أن تتقيد بإرادة الشارع فى هذا القانون الداخلى و مراعاة أحكامه التى خاطب بها المشرع القاضى الجنائى فهى الأولى فى الإعتبار بغض النظر عما يفرضه القانون الدولى من قواعد أو مبادىء يخاطب بها الدول الأعضاء فى الجماعة الدولية .
11) للمحكمة الجنائية فى تحديد معنى الحرب و زمن الحرب أن تهتدى بقصد المشرع الجنائى تحقيقاً للهدف الذى هدف إليه و هو حماية المصالح الجوهرية للجماعة متى كان ذلك مستنداً إلى أساس من الواقع الذى رأته فى الدعوى و أقامت الدليل عليه .
12) إذا حصل الحكم أن الحرب بين مصر و إسرائيل قائمة فعلاً و إستند فى ذلك إلى إتساع العمليات الحربية بين مصر و الدول العربية من ناحية و إسرائيل من ناحية أخرى
و من إمتداد زمن هذه العمليات و من تدخل الأمم المتحدة و عقد الهدنة التى لا تكون إلا بين متحاربين و إصدار مصر التشريعات المؤسسة على قيام الحرب كإنشاء مجلس الغنائم و من إعتراف بعض الدول بإسرائيل كدولة فإن الحكم يكون قد إستند فى القول بقيام حالة الحرب بين مصر و إسرائيل إلى الواقع الذى رآه و للأسانيد و الإعتبارات الصحيحة التى ذكرها .
13) الهدنة لا تجىء إلا فى أثناء حرب قائمة فعلاً و هى إتفاق بين متحاربين على وقف القتال مع تقدير إستمرار حالة الحرب بينهم مهما طالت فترة الحرب و لا تتأثر بالهدنة حقوق و واجبات الفريقين المتحاربين فيما بينهما و لا بين المتحاربين و بين المحايدين أما الحرب فلا تنتهى إلا بإنتهاء النزاع بين الفريقين المتصارعين أو بإبرام صلح بينهما يحسم أسباب هذا النزاع نهائياً و إذن فلا يمس ما إستدل الحكم به على قيام حالة الحرب بين مصر و إسرائيل ما إعترض به المتهمان من عقد إتفاقية الهدنة التى توقف بها القتال أو أن دولة ” بريطانيا ” التى سلمت الأسرار إلى عملائها لم تكن تحارب مصر حين كان المتهمان يباشران نشاطهما .
14) إذا قرر الحكم بالنسبة للمتهم الرابع أنه كان يعلم بأن المتهمين الأول و الثانى إنما يتسلمان منه فى زمن حرب أسرار الدفاع عن البلاد لحساب دولة “بريطانيا” و أن هذا العمل فى ذاته يكشف عن قصد ذينك المتهمين الأخيرين من الإضرار بمركز مصر الحربى
و أن المستندات التى تعامل بها المتهم الرابع مع المتهمين الأول و الثانى ناطقة فى إثبات قيام المخابرة بينهما و بين دولتهما بما إشتملت عليه من تعليق على المعلومات المسلمة لتلك الدولة أو توجيه نحو إستيفاء بعض جوانبها . كما قرر الحكم بالنسبة للمتهم السابع أنه كان يعلم بتخابر المتهم الأول و هو من مأمورى الدولة الأجنبية التى يعمل لمصلحتها بما يدل عليه من تلقيه التعليمات و الإستيضاحات فى شأن ما يقدمه من معلومات و أن تبيلغ هذه الأسرار ينطوى بطبيعته على الإضرار بمركز مصر الحربى فإن هذا التقرير يكفى فى توافر القصد الجنائى لدى كل من المتهمين الرابع و السابع فى جريمة الإشتراك فى جناية التخابر المنصوص عليها فى المادة 78 مكررا ” أ ” التى دانتهما بها المحكمة .
15) إذا قرر الحكم أنه متى ثبت فى حق المتهم عبثه بالأوراق المنوط به حفظها بسبب وظيفته بأن إنتزعها من مكانها فإن ذلك يثبت عليه إخلاله بواجبات هذه الوظيفة و متى كان مأجورا لفعل ذلك من المخابرات البريطانية بما يقبله و يحصل عليه من مرتب شهرى فرضته له يكون مرتشياً فإن الحكم يكون صحيحاً فى القانون خالياً من عيب القصور فى التدليل على الجريمة التى دان المتهم بها .
16) إذا أثبت الحكم على المتهمين أنهما كان يضطلعان بنقل معلومات و بيانات هى بطبيعتها و فى الظروف التى أبلغت فيها من أسرار الدفاع الحقيقية لا الحكمية فإن الإستناد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر فى 12 يوليه سنة 1951 الذى بين طائفة من الأسرار الحكمية المشار إليها فى المادة 85 من قانون العقوبات لا يكون له محل .