أخيرا تم الإعلان رسميا في اسطنبول برعاية تركيا والأمم المتحدة عن اتفاق السماح بتصدير الحبوب الأوكرانية بالترافق مع إزالة القيود التي تعرقل تصدير الحبوب الروسية. وانخفضت أسعار القمح في بورصة الحبوب الأمريكية لتدور اليوم حول مستوى 7,64 دولار للبوشل (الطن يساوي 36,74 بوشل) بما يعني أن سعر الطن أصبح يدور حول مستوى 280 دولار. وقد تراجعت أسعار القمح من أعلى ذروة لها في منتصف مايو عندما تجاوزت 470 دولار للطن، إلى المستوى الراهن المشار إليه أعلاه، وسوف تواصل التراجع على الأرجح إذا تم تنفيذ اتفاق اسطنبول بلا عراقيل.
في الأربعة أشهر الماضية وصلت الأسعار لمستويات قياسية واستفاد منها من قام بالتصدير من المصدرين الرئيسيين وهم الولايات المتحدة ( حجم صادراتها 26 مليون طن سنويا)، وكندا (26)، وفرنسا (20)، واستراليا (10)، والأرجنتين (10)، وألمانيا (9)، وكازاخستان (5)، وبولندا (4,5). بينما سترتفع مدفوعات الدول التي عقدت اتفاقيات استيراد خلال ذروة ارتفاع الأسعار. وكنت قد أشرت على هذه الصفحة في شهر مارس الماضي إلى أن الأسعار ستنخفض بقوة عندما تسكت المدافع أو يتم تسهيل التصدير، وأن الإنتاج المحلي مع رصيد المخزون يمكنهما الوفاء باحتياجات مصر حتى نهاية العام الحالي تقريبا، وبالتالي كان المنطقي أن يكون هناك انتظار لحين تراجع الأسعار.
وفي ظل اتفاق اسطنبول سيكون هناك نحو 38 مليون طن من القمح جاهزة للتصدير من روسيا التي تتصدر دول العالم في تصدير القمح، وسيكون مجموع الحبوب الروسية الجاهزة للتصدير بما فيها القمح نحو 50 مليون طن وفقا لتصريحات الرئاسة الروسية في أكثر من مناسبة. أما أوكرانيا التي كانت تصدر نحو 18 مليون طن من القمح سنويا فإن حجم صادراتها سينخفض لأن إنتاج جمهوريتي لوجانسك ودونتيسك المنفصلتين عنها سيتم تصديره باسم الجمهوريتين أو عن طريق روسيا، لكن المجمل في النهاية لن ينخفض أيا كان العَلم الذي سيتم التصدير تحته.
وحتى لا تتعرض مصر في أي ظرف لأزمة في إمدادات الحبوب فإن عليها أن تعطي أولوية لإنتاج الحبوب محليا بإعطاء من يزرعون القمح أسعارا تعادل العائد من المحاصيل البديلة التي تزرع في نفس الفترة التي تتم زراعة القمح فيها بما يشجعهم على زراعته. وتشير بيانات منظمة الأغذية الزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أنه إذا اعتبرنا الفترة من عام 2004-2006 هي سنة الأساس= 100، فإن الرقم القياسي لعدد السكان في مصر قد بلغ 127 عام 2016. وفي العام نفسه بلغ الرقم القياسي لإنتاج الحبوب 108، والجذور والدرنات 177، والخضر والفاكهة 130 بناء على نفس سنة الأساس. أي أن الحبوب الأكثر أهمية لحياة الشعب قد زاد الإنتاج منها بنسبة متدنية للغاية بالمقارنة مع نسبة زيادة السكان مما عمق الفجوة الغذائية بالنسبة للحبوب وهي السلعة الغذائية الاستراتيجية الأولى. كما أن الرقم القياسي لإنتاج الحبوب يقل كثيرا عن نظيره بالنسبة للخضر والفاكهة والجذور والدرنات رغم وجود فائض منهم يتم تصدير جزء منه ويتلف جزء آخر في ذروة مواسم الإنتاج عندما يكون أكبر من احتياجات السوق ومن طاقة ثلاجات الحفظ ومن القدرة على التصدير أو تمتعه بالمواصفات اللازمة لذلك، وهو ما يعكس خللا في الأولويات يمكن أن تعالجه الدورة الزراعية المرنة، أو سياسة الحوافز لزيادة إنتاج القمح والحبوب عموما.
والآن بعد أن بدأت أسعار القمح في الانخفاض الكبير في الأسواق الدولية، هل ستعود أسعار الخبز والدقيق ومنتجات القمح عموما لسابق عهدها قبل الحرب، أم أن ما يرتفع سعره لا يتراجع حتى لو تراجعت الأسعار عالميا؟! الأمر يحتاج لتدخل حكومي لإقامة العدل وضبط الأسواق.