مشكلة غلاء الأسعار من المشكلات التي تواجه الشعوب والأفراد , وقد يكون لها أسبابها الطبيعية والمنطقية , فزيادة سعر المواد الخام وزيادة أسعار تكلفة الأشياء وتصنيعها ونقلها قد يكون سبباً منطقيا لارتفاع الأسعار , لكن إذا كان هذا الارتفاع غير منطقي وغير طبيعي
فإن له أسبابه غير المنطقية وغير الطبيعية , فقد يكون حب الترف والحرص عليه من أهم أسباب هذا الغلاء , ومن هنا فقد حذرنا الإسلام تحذيراً شديداً من الترف والحرص عليه لأن الترف سبب لفساد الأمم ومن ثم هزيمتها وسقوطها، بل وأشد من ذلك من الركون إلى الدنيا ورغبتها عن الآخرة.
شهدت الآونة الأخيرة قفزات متتالية في أسعار معظم السلع والمنتجات المعروضة في أسواق الدولة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالسلع الاستهلاكية اليومية، المنتجات الغذائية.
بالإضافة إلى مواد البناء، الرسوم التجارية، الخدمات الرئيسية، أسعار المحروقات، ما قد يستدعى سرعة التدخل من قبل المسؤولين قبل أن تزداد الأمور تعقيدا وقبل أن تصبح الإمارات طاردة للمستثمرين الأجانب وليست جاذبة لهم.
إن الشريعة الإسلامية أولت التجارة والتُجار عناية كبيرة، فبينت ضوابط وأحكام البيع والشراء، وأباحت الربح الحلال، وجعلت السعي في الأرض وطلب المال الحلال مع النية الصالحة عملا صالحا، وحذرت من التعسف والجور والظلم والجشع والأنانية واستغلال حاجات الناس،
وإن من الابتلاء ظهور الغلاء وارتفاع الأسعار؛ لما له من آثار سيئة تلحق الفرد والمجتمع، ونعلم أن هذا الغلاء ليس عندنا فقط بل هو عام في الدول وخاصة الدول المعتمدة على غيرها في المنتجات، ولهذا الغلاء أسبابه العالمية والمحلية، ولسنا في مقام تحليل لهذه الأسباب؛ وإنما نريد الحديث حول التوجيهات الشرعية في مثل هذه الغلاء.
ولقد ورد الترف في القرآن في مورد الذم والاقتران بالكفر والعصيان , قال تعالى : ” فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) سورة هود
وقال : وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) سورة المؤمنون .
وقال : ” وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) سورة سبأ.
الحقيقة التي يعلمها الجميع أيضا، بعيدا عن التصريحات الرسمية والبرلمانية، أن الأسعار قد ارتفعت بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية إثر زيادة أسعار الوقود والكهرباء، وأن الرأي العام خائف ومضطرب من الدخول في حالة جديدة من انفلات الأسعار مثل تلك التي صاحبت رفع سعر الوقود العام الماضي. ولكن مع تقديري للجهود التي تبذلها الأجهزة التنفيذية، فإنني أخشى أن تكون نتيجتها متواضعة للغاية أو مؤقتة لأن الأدوات التي تستخدمها الحكومة ليست مناسبة للتعامل بشكل جدى وطويل المدى مع التضخم المرتقب.
أن تتعامل الدولة مع قضية تحسين الخدمات والمرافق العامة باعتبارها ليست فقط ضرورة للتنمية البشرية وإنما أيضا وسيلة أكيدة لحماية الناس من فوضى الغلاء. فالأسعار ارتفعت بالفعل وسوف ترتفع، ولكن توفير علاج معقول في المستشفيات والوحدات الصحية العامة يحمى الناس من استغلال الأطباء في المناطق المحرومة من الخدمات الصحية، وتحسين مستوى التعليم ولو قليلا يجعل من الممكن توفير ولو جانبا من تكاليف الدروس الخصوصية، وتوفير المواصلات العامة بأسعار معقولة يحد من استغلال سائقي المركبات الخاصة (وهذا للأسف عكس ما فعلته الحكومة حينما رفعت أسعار المترو بأكثر من ثلاثة أضعاف قبل زيادة أسعار الوقود بأسبوعين وهو ما وضع الجمهور تحت رحمة سائقي التو كتوك والسرفيس).
هناك طفرة غير مبررة في الأسعار المحلية، ليس مقارنة فقط بالدول المجاورة ، بل وبما لا يتناسب مع ما تجده جميع الجهات والقطاعات الوطنية من دعم حكومي وما نستهدفه في رؤيتنا الاستراتيجية من تحقيق تنمية مستدامة وجودة في الحياة لجميع الطبقات والشرائح.
عندما تجد هذا الارتفاع في مستوى الأسعار، يمتد ليشمل كثير من المستهلكات اليومية الضرورية رغم النمو الاقتصادي والازدهار الذي نعيشه وطنياً، نتساءل عن طبيعة ومستوى استشعار المسؤولية المناطة للجهات الرسمية المكلفة بمراقبة السوق والمعنية بمتابعة ذلك الانتهاك لحقوق المستهلك!
وما الدور الرسمي المسؤول الذي تقوم به لضبط الأسعار ومراقبة مجريات السوق ومستحدثاته المتغيرة، وهل يعلم مسؤولوها المعنيون بحجم الجنوح الذي طال كثير من مستهلكاتنا اليومية الضرورية من الغذاء إلى الدواء إلى العقار إلى النقل، وهل يتابعون شكاوى الجمهور ومناداتهم المستمرة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عن تذمرهم ومعاناتهم من نسبة ارتفاع الأسعار غير المنطقية، وهل يطلعون ويرصدون ما يناقشه الإعلام من قضايا يومية تمس مسؤولياتهم، حول إشكاليات ارتفاع الأسعار وتأثيرها السلبي في كل مكان؟!
هناك وزارات ومؤسسات مسؤولة عن مراقبة وضبط الأسعار في السوق المحلي ، وهناك هيئات وطنية وجهات رسمية مكلفة بضبط مستوى جودة المبيعات والمنتجات بمختلف أنواعها، كما أن هناك لجانا وقطاعات ومجالس مسؤولة عن حماية المستهلك من جشع التجار المبالغ فيه، بل ومن استغلالهم المكشوف لمختلف المؤثرات أو العوامل التي قد تكون مؤثرة اقتصادياً في دول أخرى بعيدة، فيفرضونها على المستوى المحلي رغم ما يجدونه من دعم وطني.
مع مراقبة مستوى الغلاء الشائع في مختلف متطلباتنا اليومية، ومع متابعة استياء المستهلكين العام من ذلك الارتفاع الكبير في مستوى الأسعار الذي قد يصل لضعف السعر السابق؛ يظهر أن هناك احتكاراً لبعض السلع الضرورية من قبل بعض التجار، كما يتضح أن هناك ضعفا في وجود المنافسة الشريفة لصالح المستهلك، ويتبين أن هناك تراجعا في أداء الجهات المعنية بالمراقبة والمساءلة.
تحقيق التنمية المستدامة بأهدافها المقصودة وبلورة رؤيتنا الاستراتيجية؛ يتطلب مشاركة فاعلة من جميع القطاعات في تنفيذ متطلباتها الوطنية، بتضمين أهدافها وآليات تنفيذها عبر سياسات مؤسسية توضع خططها وترسم معالمها ضمن برنامج مؤسسي لكل قطاع مسؤول،
وذلك بدوره يتطلب المتابعة والتقييم لمستوى الأداء الفعلي وليس النظري، في ضوء النتائج الملموسة والحقائق الواقعة من الميدان العملي،
بل وبمساندة إجراءات علمية تتضمن استطلاعات مستمرة لرصد مدى رضا المستهلكين أو المستفيدين جميعهم عن مختلف الخدمات المقدمة، والعمل على تلمس الثغرات الموجودة ومواطن الإخفاقات ومعالجتها، لتحسين مستوى العطاء والارتقاء بالخدمات بما يناسب تطلعاتنا الوطنية، وبمستوى ما تجده جميع القطاعات من دعم حكومي في ميزانياتها وما تتطلبه معايير الجودة المستهدفة من مستوى إنجاز يخدم ما نسعى إليه في متطلبات ومعايير جودة الحياة والتنمية المستدامة الشاملة لمعالجة مختلف ما نواجهه من تحديات وتذليل العراقيل التي تعيق تحقيق أهدافنا المأمولة.
يعاني المواطن المصري البسيط من غلاء الأسعار وكذلك جشع التجار. وهذا الغلاء لا تعاني منه مصر فقط لكن تعاني منه معظم الدول النامية وبلدان العالم الثالث.
واصبح اليوم عمل الأفراد غير كافي لتوفير حياة كريمة لهم. لان ارتفاع الأسعار يلتهم كل هذا الجهد المبذول. وتختلف الأنظمة الاقتصادية من دولة لأخرى لمواجهة الغلاء. فهناك دول تطبق النظم الاشتراكية، ودولة أخرى تطبق الرأسمالية. وتختلف السياسات لمواجهة الأسعار طبقًا للنظم المطبقة في هذه الدول. ولكننا نجد ان المواطن البسيط أو اكثر شخص يعاني من مشكلة غلاء الأسعار على كافة أنواع الأنظمة الاقتصادية التي تطبقها الدولة.
هناك عدة محاور يجب ان نعمل عليها لحل مشكلة غلاء الأسعار ومنها ما يلي : دور الدولة هكذا يجب ان تقوم الدولة بعمل بورصة مخصصة للأسعار. وذلك لتحديد أسعار السلع، ويتم محاسبة كل من يخالف هذه الأسعار. وتقوم الدولة بتحديد نسبة الربح التي سوف يحصل عليها التاجر لكل سلعة. فمثلاً وضع 20% ربح للملابس، و25% للسلع الغذائية.
وهذا الموضوع مطبق فعلياً في إنجلترا واليابان. هكذا تقوم الحكومة بعمل منافذ بيع لتوزيع السلع الغذائية الأساسية مثل الأرز واللحوم والدجاج. وتقوم الدولة بعرض هذه السلع بأسعار منخفضة. هكذا يجب ان تعمل الدولة على رفع معدلات الإنتاج، وذلك لتوفير السلع للمواطنين. وضع قوانين صارمة لضبط الأسعار.
يجب ان تتدخل الحكومة لضبط الأسعار، وعمل معارض للسلع بسعر مخفض. بالنسبة للمواطنين هكذا يجب على المواطنين بعمل ترشد استهلاك العديد من السلع، لكي تنخفض سعرها. كذلك يجب ان يتخلى المواطنون عن السلع المبالغ في اسعارها. وعمل حملات مقاطعة لبعض السلع مثل حملة”خليها تصدي” التي قام بها الافراد لمواجهة غلاء اسعار السيارات في مصر في الاونة الاخيرة. هكذا يجب ان يقوم المجتمع المدني بتفعيل دور الجمعيات الاستهلاكية.
كما حدث في السبعينات من القرن الماضي، في اثناء حكم الرئيس السادات. حيث كانت المجمعات الاستهلاكية هي المنفذ الاساسي لبيع السلع الاستهلاكية للمواطنين. هكذا تفعيل دور جمعية حماية المستهلك، حيث ان هذه الجمعية مقامة بالفعل.
لكن دورها غير مفعل على الاطلاق، وغير مؤثر على التجار وجشعهم. تفعيل دور الغرف التجارية، والتي من الادوار الاساسية التي تقوم بها هي المراقبة على المجتمع المدني، وتوفير احتياجاته. هكذا يجب ان يتمتع المواطن المصري بنوع من الايجابية، للوقوف امام زيادة الاسعار وجشع التجار. كذلك يجب على المواطن ان يقدم الشكاوى في حال تعرض لاي استغلال من اي تاجر.