ابتلينا منذ سنوات بتيار علمانى متطرف، يتلاعب بآيات الكتاب الحكيم، ويشكك فى السنة المطهرة، ويتهم الصحابة والقادة التاريخيين لأمتنا بأبشع التهم، ويحقر التراث ويعمل على طمسه، ليقطع حاضر الأمة عن ماضيها حتى يسهل اجتثاثها، بعضهم يفعل ذلك رغبة فى الشهرة، ليحظى بالصيت وبالجوائز والمناصب والمال والنفوذ، وبعضهم يفعله تنفيذا لأجندات ومخططات أجنبية، تسعى لمحو هويتنا وتشويه عقيدتنا، أو تغييرهما .
ونحن نقف بالمرصاد لهذا التيار مع علمائنا وأساتذتنا وزملائنا فى معسكر الوعى الدينى والوطنى، نواجهه على قدر استطاعتنا بالكلمة والموعظة الحسنة، نكشف ألاعيبه وندحض أباطيله، ونواجه الحجة بالحجة، لنبين مخاطره على الوطن والمجتمع .
ثم ابتلينا فى السنوات الأخيرة بمجموعة من الشيوخ الذين يتسابقون على النجومية والظهور الإعلامى، فيقعون فى فخاخ غير لائقة بهم، ويتورطون فى أقوال عجيبة، أقل مايقال فيها أنها متسرعة وغير دقيقة، تنزع إلى التعميم الذى يجافى طبيعة العلم وأهله، الأمر الذى أربك الناس، ووضعهم بين نارين : إما أن يهملوا كلام هؤلاء الشيوخ ولا يأخذوه على محمل الجد، ويعتبروه مجرد لغو إعلامى ضمن اللغو الكثير الذى تعج به الشاشات ولا يكترث به أحد، وإما أن يعيشوا فى هم وغم، ويدمروا أنفسهم وأزواجهم وأولادهم بعد الذى يقوله علماء الشاشات والفضائيات من فتاوى وآراء فجة غير مسئولة .
سأضرب مثالين اثنين لعالمين جليلين، لهما عندى كل حب واحترام، لكن حبى للحق والدين والوطن أكبر .
فى إطار الحوار المفتوح حول تعديلات قانون الأحوال الشحصية وقائمة المنقولات الزوجية اندفع الشيخ أحمد كريمة فى لقاء تليفزيونى إلى القول : ” سأفجر مفاجأة : إذا لم يكتب للمرأة قائمة منقولات تقر بأن مافى بيت الزوجية ملك للزوجة وقع عقد الزواج باطلا وتبقى العلاقة بين الزوجين زنى ” .
هكذا قولا واحدا مرعبا ” تبقى العلاقة زنى !! ” .
كان الشيخ يدافع عن لزومية كتابة قائمة المنقولات لضمان حق الزوجة، وهذا مفهوم ومقبول، وقد قال فى ذلك كلاما كثيرا ملخصه أن المرأة فى الشريعة لاتزف إلى زوجها إلا إذا أخذت صداقا، وإلا كان العقد باطلا، وأن الفتاة عندنا فى عرف المصريين لاتحصل على مهر، لأن المال الذى يدفع لأبيها كمقدم مهر يضيف إليه أبوها من ماله الخاص ليشترى به جهاز العروسين، يستمتع به الزوج فى بيته، لكن الزوجة لم تحصل على صداق تنتفع به، لذلك فإن قائمة المنقولات تعد وثيقة رسمية للإقرار بأن ما فى منزل الزوجية ملك للزوجة، كبديل عن الصداق، وهوما يجعل العقد مشروعا والزواج حلالا .
ولا مانع من أن يدافع الشيخ كريمة عن قائمة المنقولات، وأن يتحمس لحقوق المرأة وصداقها، لكن الخطر كل الخطر أن يجعل من دفاعه وحماسه مقدمة يصل بعدها إلى نتيجة متسرعة خاطئة مفادها ” إذا لم يكتب للمرأة قائمة وقع الزواج باطلا وكانت العلاقة زنى “، متصورا أنه جاء بالحق واليقين، وأن اجنهاده هو القول الفصل، مهدرا بذلك اجتهادات أخرى واعتبارات كثيرة مخالفة له، وربما تكون الأصح من اجتهاده، دون أن تنتقص من قدره ومن علمه .
والمثال الثانى للدكتور مبروك عطية الذى أفتى فى إحدى حلقات برنامج الإعلامى شريف عامر بأن ” ثلاثة أرباع سكان مصر جايين من زيجات حرام “، وأن ” الغنى شرط للزواج، والإسلام يعطى الحق لأى شخص غير قادر على الإنفاق ألا يتزوج أوينجب أطفالا، فإذا لم يكن المرء قادرا على فتح بيت وإطعام أهله وإخراج الزكاة فلا زواج له “، وأن ” تعاطى الأدوية من أجل الإنجاب حرام “.
وقد أشعلت هذه التصريحات الصادمة أزمة عنيفة، وتناقلتها وسائل الإعلام، وتم التحقيق بسببها مع الإعلامى شريف عامر، ومن العجيب أن الشيخ أحمد كريمة رد على الدكتور مبروك بأن كلامه يفتقد إلى الدقة، وأنه لا توجد آية فى القرآن الكريم عن المقدرة على النفقة، بل قال الله تعالى : ” إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله “، وقد زوج الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا بما يحفظ من القرآن، لأنه لا يملك حتى خاتما من حدبد كنفقة، كما أن بيوت النبى والصحابة كانت خالية من متع الحياة الدنيا، وسيدنا موسى عمل عند العبد الصالح 10 سنوات مقابل أن يتزوج ابنته .
وعندما خرج الدكتور مبروك على قناته الرسمية يرد على منتقديه أصر على أن ” المصريين جاءوا من زواج حرام ” ثم استدرك : ” لكنهم ليسوا أولاد حرام !! “، ثم جاءت زلته الثانية فى حق السيد المسيح عليه السلام، وهى زلة غير لائقة وغير مقبولة .
ونحن لسنا فى قامة الشيخ كريمة ولا الدكتور مبروك العلمية، وقد كنا ننتظر من الأزهر الشريف أن يفند أخطاءهما، ويتخذ من التدابير مايمنع الفتاوى التى تصدر على الهواء، وتفتن الناس فى دينهم ودنياهم .
يقينا .. المهر شرط لصحة الزواج، لكن قائمة المنقولات ليست شرطا، وأمرها متروك للعرف، من شاء كتبها ومن لم يشأ لا يكتبها، وقد تعارف المصريون على أن تتشارك أسرتا العروسين فى تجهيز بيت الزوجية، وأن تعد الشبكة مهرا أو جزءا من المهر، وتكون حقا خالصا للمرأة، تنتفع به وحدها، وهذا اجتهاد من حقك أن تقبله أو ترفضه، لكن فى كل الأحوال لايصح ولا يليق بك، مهما علا كعبك فى العلم أن تصم العلاقة الزوجية المقدسة بالزنى، أو تتهم المصريين بأنهم جاءوا من زيجات حرام .