شكل التكرار الدوري لقرارات حظر النشر في اﻷعوام اﻷخيرة ظاهرة ملحوظة إلى الحد الذي أصبح معه من المتوقع مسبقا عند إحالة إحدى القضايا المثيرة لاهتمام الرأي العام أن قرارا بحظر النشر فيها سيصدر في وقت قصير وهو توقع غالبا ما صدقه الواقع. في سياق عام تزايدت فيه انتهاكات حقوق اﻹنسان بمعدل كبير يمكن لهذه الظاهرة أن تمر دون أن تحظى بالاهتمام الكافي. ويغلب على فهم حظر النشر ربطه بحرية الصحافة والإعلام على سبيل الحصر. وحتى في هذه الحالة فإن حرية الصحافة واﻹعلام تناقش معظم الوقت بمعزل عن علاقتها الوثيقة بالحق في المعرفة. وبصفة عامة فإنه في حين أن أغلب الحقوق والحريات المختلفة المنطوية تحت العنوان الواسع لحرية التعبير تحظى بمساحة ما من النقاش العام في ظل الانتهاكات المتوالية لها فإن الحق في المعرفة يكاد يغيب بشكل كامل عن هذا النقاش.
ينبع الدافع للعمل على هذه الدراسة أولا من الشعور بالحاجة إلى التعامل مع حظر النشر وتنظيمه بشكل منهجي مع اﻷخذ في الاعتبار أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في إطار العلاقة الحيوية بين حرية النشر في عمومها وبين الحق في المعرفة. وثانيا من الشعور بحاجة ملحة للتأصيل للحق في المعرفة من خلال مسار لا يعتمد فحسب على إقراره في العهود والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اﻹنسان أو حتى في الدستور المصري، وذلك في مواجهة الحالة السائدة من التنصل من التزامات الدولة تجاه هذه المصادر دون التفات إلى حقيقة أن أي منها لا ينبع من فراغ وإنما يعكس مصالح أساسية للمجتمع وأفراده وللدولة ومواطنيها.
يتكرر في أدبيات حقوق اﻹنسان كثيرا الحديث عن “المجتمع الديموقراطي”. بصفة خاصة عند التعرض لما يمكن فرضه من قيود على حق من الحقوق بشكل استثنائي. في هذه الحالة يشترط في القيد أن يكون مبرره مقبولا في “مجتمع ديموقراطي.” ولكن ما المقصود بالمجتمع الديموقراطي هنا؟ وهل الديموقراطية هدف في ذاتها بحيث يُتصور أن كل مجتمع هو بالضرورة يسعى للاتصاف بها؟
الحقيقة أن الديموقراطية ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي إطار يضمن تحقق أهداف أكثر التصاقا بكل إنسان. فالديموقراطية يفترض أن تكون المنظومة التي يمكن من خلالها أن يشارك كل شخص بشكل فعال في تحديد قواعد اﻹدارة اليومية لشئون مجتمعه بما يسمح له بالدفاع عن حقوقه ومصالحه. وفي أدبيات حقوق اﻹنسان يُعرف المجتمع الديموقراطي بأنه ذلك الذي يحترم حقوق وحريات أفراده. ويفترض هذا التعريف أن الجميع يدركون أن حياة البشر لا تستقيم دون حماية حقوقهم.
فلا يمكن تصور أن تكون حياة أحدنا محتملة إن كان حقه في الحياة مهددا بشكل دائم، أو أن حقه في اﻷمن على نفسه وعلى أسرته إلخ لا يوجد ضامن له. كما يفترض هذا التعريف أن الجميع يدركون أن الحقوق جميعها مرتبطة ببعضها البعض، فلا يمكن أن يتحقق أحدها دون تحقق اﻵخر. لا يمكنك أن تأمن على حياتك إن لم يكن ثمة ضامن لحقك في الغذاء والكساء والمأوى، وهذه لا تتحقق بشكل مستدام للغالبية العظمى من البشر إن لم يكن حق كل منهم في العمل مضمونا. ويمكننا إن نتتبع مثل هذه العلاقات بين كافة الحقوق الواردة في العهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
في هذه السلسلة المترابطة من الحقوق ليس ثمة هرمية أو تدرج ومن العبث تقسيمها إلى مجموعة من الحقوق اﻷساسية في مقابل مجموعة أخرى من الحقوق الثانوية. فغياب أي حلقة في السلسلة يكسرها ومن ثم تصبح في مجملها بلا قيمة. فإذا وفر مجتمع ما ﻷفراده حقوقهم في الغذاء والكساء والعلاج عند المرض وحرمهم في الوقت نفسه من حقهم في حرية الرأي والتعبير أو في المشاركة السياسية في إدارة مجتمعهم، لم يكن ثمة أي ضامن لاستدامة تمتعهم بالمجموعة اﻷولى من الحقوق، التي يمكن أن تنتزع منهم في أي وقت، دون أن يكون لديهم القدرة على الدفاع عنها. فعندما تغيب حرية التعبير، يكون على المرء أن يشهد حقوقه وهي تنتزع منه في صمت.
وعندما لا يكون بإمكانه المشاركة السياسية، فإن حكامه لن يكونوا ملزمين بأخذ آثار ما يختارونه من سياسات على حياته في اعتبارهم. ومن هذا المنطلق تجعل المادة 5 في الدستور المصري من “احترام حقوق اﻹنسان وحرياته” أحد مقومات النظام السياسي. في عالم تدير شؤون بلدانه دول جميعها مركزية، بقدر أو بآخر، تتم الممارسات التي تشكل إطار الحياة اليومية للناس، وتُتخذ القرارات التي تحدد مصائرهم، في أروقة مؤسسات الدولة. ولا يمكن ﻷي منا أن يأمل في الدفاع عن حقوقه ومصالحه إن لم تُتح له سبل التأثير في العمل اليومي لهذه المؤسسات. ومن العبث تخيل أن نأمل في ذلك إن لم يكن متاحا لنا معرفة شيء عن هذا العمل.
على جانب آخر تتصف الدولة في مجتمع ديموقراطي بأنها دولة قانون. والمقصود بذلك أنها دولة تنظم أمورها قوانين معلنة ومعروفة للكافة. وفي حين تتولى السلطة التشريعية (ممثلة عادة في مجلس نيابي منتخب) مهمة تشريع القوانين فإن السلطة القضائية هي الموكلة بإنفاذها. وبخلاف كونها مخاطبة بالقوانين وملزمة باحترامها تؤدي السلطة التنفيذية من خلال بعض مؤسساتها (المؤسسة اﻷمنية على وجه التحديد) دورا مساعدا للسلطة القضائية في إنفاذ القانون.
وهذا يعني أن القانون كفاعل حي في الحياة اليومية للناس يتمثل قبل أي شيء آخر في ممارسات السلطة القضائية قبل وبعد غيرها. فقد يخرق الأفراد القانون عمدا أو سهوا أو جهلا وقد تسيء السلطة التنفيذية استخدامه وربما تنتج السلطة التشريعية نفسها قوانين معيبة تخالف الدستور ولكن تبقى السلطة القضائية في النهاية هي وحدها الموكلة بفرض وجود القانون في الواقع المعاش من خلال تعامل ممثليها مع ذلك كله سواء في تناولهم وتحقيقهم فيه أو في أحكامهم النهائية بخصوصه.
من ثم فإن السلطة القضائية موكلة بدور محوري في تحقيق اتصاف مجتمع ما بأنه ديموقراطي (يحترم الحقوق والحريات وتنظم شؤونه القوانين). وممارسات السلطة القضائية هي بالضرورة المرآة الحقيقية التي تعكس إلى أي مدى يمكن أن نصف مجتمعا ما بأنه ديموقراطي. ولا يمكن لهذا أن يتحقق إن لم تكن هذه الممارسات علنية وشفافة. فكل ممارسة للسلطة القضائية تحاط بالسرية والكتمان هي تغييب للوجود الفاعل للقانون في حياة المجتمع. فبالنسبة لرجل الشارع لا يتمثل القانون في نصوصه ذات اللغة الفنية الصعبة التي تطويها مجلدات يستعصي عليه فك شفراتها؛ وإنما يتمثل القانون في الطريقة التي يقوم ممثلو السلطة القضائية بتطبيقه بها بصفة يومية.
مفهوم حظر النشر
حظر النشر هو باﻷساس فعل استثنائي وظرفي. والمقصود أنه يؤدي إلى تجريم أفعال هي من حيث القاعدة مباحة؛ وبالتالي فهو “استثناء” على هذه القاعدة. وهي يقوم بذلك نتيجة لظروف محيطة باﻷفعال التي يحظرها؛ وبالتالي فهو لا يتعلق بهذه اﻷفعال في ذاتها. وينبغي أن يكون هذان العاملان حاضرين في أي محاولة لتعريف حظر النشر أو لتقييم تطبيقه العملي سواء من خلال القوانين المنظمة له أو من خلال ممارسته بواسطة السلطة التي تمنحها هذه القوانين لممثلي السلطة القضائية.
أولا: الطبيعة الاستثنائية لحظر النشر
الحاجة إلى تبرير حظر النشر بضرورة تفرضه: حظر النشر ليس فعلا اعتياديا تقود إليه مسببات تتكرر بصفة مستمرة في الواقع اليومي وإنما هو وضع تفرضه الضرورة نتيجة أسباب خاصة تطرأ على الواقع ولا تنتمي إلى مساره المعتاد. وعلى عكس القاعدة التي يفترض أنها مبررة بذاتها أو أنها ناتجة عن الأوضاع المعتادة والمتعارف عليها فإن كل استثناء عليه أن يثبت ضرورته. وبالتالي ينبغي أن تفرض القوانين المنظمة لحظر النشر على من يمارسه تقديم تبريرات تفصيلية له تثبت كونه ضروريا وهذا يعني بصفة خاصة إثبات استحالة وجود بديل غير استثنائي له يحقق الضرورة الموجبة له.
حظر النشر رخصة ولا يجوز اعتباره حقا: ينبغي ألا ينظر إلى حظر النشر على أنه “حق.” فأي استثناء لا يمكن له أن يكون حقا. وإنما هو رخصة تستخدم اضطرارا. وفي حين أن اﻷصل في الحقوق هو إطلاقها فإن الأصل في كل رخصة هو تقييدها. وهذا يتحقق بأن تكون مشروطة أولا وأن تكون محدودة النطاق ثانيا. وثالثا تستدعي طبيعة الرخصة ألا تكون تقديرية. ففي حين أن صاحب الحق له تقدير متى وكيف يمارس حقه فإن الرخصة تمنح استثناءً ولا يحق لمن يمارسها أن يقدر هو نفسه متى وكيف يستخدمها.
محدودية وحصرية نطاق حظر النشر: من طبيعة أي استثناء أن يكون نادرا في تكراره ومحدودا في نطاقه قياسا إلى القاعدة. ومن ثم فينبغي على القوانين المنظمة لحظر النشر كاستثناء على القاعدة إذا عددت حالات الضرورة التي توجبه أن تفصلها على وجه الحصر وأن تلتزم بأن تكون هذه الحالات تفصيلية وليست عامة. وهذا يؤدي إلى ضرورة تجنب اﻹبهام في نصوص القانون التي تعدد هذه الحالات، فكل إبهام هو تعميم وتكرار بقدر التفسيرات المتاحة له. ولا يجوز للقوانين المنظمة لحظر النشر أن تفرضه على مجالات عمل بأكملها أو على أصناف من الممارسات في عمومها ﻷنها بذلك تنقل الاستثنائية إلى هذه المجالات والممارسات دون أن يكون ذلك من طبيعتها هي نفسها.
وعلى جانب آخر ينبغي أن تنص القوانين المنظمة لحظر النشر صراحة على حدود تطبيقه التي تتحقق من خلالها الضرورة الموجبة له حصرا دون أن يمتد هذا التطبيق إلى ما لا توجبه الضرورة. فلا يتصور بأي حال أن تكون كافة المعلومات المتعلقة بقضية ينظرها القضاء مما توجب الضرورة حظر نشرها. وهذا يعني أنه لا يجوز للقانون أن يبيح حظر النشر حول أي قضية بإطلاق، وإنما يحدد ما يجوز حظر نشره استثناءً أو يفرض على قرارات حظر النشر الصادرة أن تحدد ذلك وفق مقتضيات الواقع مع حظر أن يكون أي قرار بحظر النشر شموليا لقضية أو لموضوعها أو ما شابه ذلك.
رفع الضرر الناتج عن حظر النشر: حظر النشر هو استثناء على حق. وهذا يعني أنه يترتب عليه ضرر يطول أصحاب هذا الحق. وبالتالي لا يجوز أن يحرم أصحاب الحق المتضررين من تقييده من الحق في معارضة اﻹجراء الذي ترتب عليه هذا الضرر أو المطالبة بتعويضهم عن هذا الضرر. وبصفة خاصة لا يجوز مطلقا ألا يكون ثمة سبيل لمعارضة ووقف تنفيذ وإلغاء أي ممارسة استثنائية من شأنها تقييد حق مما يترتب عليه الإضرار بمصالح أصحاب هذا الحق.
أن القوانين المؤقتة يبطل العمل بها بانقضاء المدة الزمنية المحددة لها دون حاجة لصدور قانون بإلغائها، الأمر الذي لا يحول دون السير في الدعوى حال ارتكابها في فترة سريان القانون والقضاء بالعقوبة المقررة لها، أما القوانين الاستثنائية التي تصدر في حالات الطوارئ ولا يكون منصوصاً فيها على مدة معينة لسريانها فإنها لا تدخل في حكم هذا النص لأن إبطال العمل بها يقتضي صدور قانون بإلغائها.
لذا يجب أن نعلم أن عملية خرق حظر التجوال والانتقال بالطرق العامة خلال ساعات الحظر دون مبرر بمثابة جريمة تجيز الضبط والتفتيش إعمالاَ للمادتين 34، 36 من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيزان لمأمور الضبط القضائي، ولأى فرد من أفراد السلطة المنفذة لأمر الضبط، أن يقبض على المتهم فى أحوال التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها وفقاً للقانون إذا وجدت دلائل كافية على اتهامه، وقد خولته المادة 46 من ذات القانون تفتيش المتهم فى الحالات التى يجوز فيها القبض أو الغرض منه، وأياً ما كان سبب القبض.
ومن ثم يكون تفتيش المتهم بخرق حظر التجوال مشروعاَ، وما يسفر عنه من ضبط ممنوعات بحوزته صحيحاً ومنتجاً لكافة آثاره القانونية.
يجب علي السادة الذين تم القبض عليهم أثناء فترة الحظر منذ يوم ٢٢ / ٣ / ٢٠٢٠م أن يبادروا بالتوجه إلي قسم الشرطة والاستعلام عن رقم المحضر ، ثم المتابعة بالمحكمة لعدم صدور أحكام غيابيه عليهم. لمخالفتهم قرار رئيس مجلس الوزراء بحظر الانتقال والتحرك على جميع الطرق خلال الفترة المقررة.
مع العلم أن تلك الأحكام التي تصدر في هذا الشأن لا يسرى عليها إجراءات الطعن المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية وإنما يتم التصديق عليها أمام الحاكم العسكري ، وبالتالي يتم التظلم منها أمام الحاكم العسكري لأن تلك الأحكام تندرج تحت مسمى جنح أمن دولة طوارئ.
وبعد التصديق على الحكم يكون للمحكوم عليه الطعن بالنقض في الأحكام العسكرية، ويكون خلال 60 يوماً من تاريخ إعلان الحكم المصدق عليه للمتهم.
نهيب بالجميع الالتزام بالقانون، وإتخاذ كافة التدابير الإحترازية اللازمة للمحافظة علي سلامة المجتمع، وتخفيف الإغلاق بشكل تدريجي ورفع القيود علي التجارة والحركة ، والتعايش مع الفيروس وحماية أنفسنا، حفظ الله مصر وشعبها والعالم من كل سوء.