بايدن وبوتين حريصان على عدم تجاوز “الخطوط الحمراء الحقيقية”
التجاهل وعدم التعامل بمنطق “واحدة بواحدة” يسهم في منع التصعيد!
لا أمريكا ولا روسيا ولا أوكرانيا .. يمكنها إنهاء الحرب بشروطها ..!!
غياب الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو منذ البداية..يعقد الموقف
هل الحل في الاستفتاء أم في حرب كبرى طويلة ضمن عالم يموج بالفوضى؟
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
يحذر المراقبون من إمكان خروج الحرب في أوكرانيا عن السيطرة وينذرون من احتمال تصعيد الأمور لتصل إلى حد استخدام أسلحة الدمار الشامل، او الأسلحة النووية، خصوصًا بعد ضم المناطق التي أجريت فيها الاستفتاءات، حيث يمكن أن تعتبرها روسيا جزءًا من أراضيها، وبالتالي ترد على أي هجوم عليها باستخدام الأسلحة النووية. وعلى أي الأحوال، فإن هناك قواعد غير معلنة وخطوطًا حمراء، يحرص كل من الرئيسين بايدن وبوتين على عدم تجاوزها.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر في الأسبوع الماضي، بأول تعبئة لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية، محذرا دول الغرب من أنها إذا واصلت ما أسماه “ابتزازها النووي” فإن موسكو سترد بما تمتلكه ترسانتها الضخمة من قوة!
وقال بوتين في خطاب متلفز للأمة “إذا تعرضت وحدة أراضي بلادنا للتهديد، فسنستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية شعبنا، وهذه ليست خدعة”، مضيفا أن لدى روسيا “الكثير من الأسلحة للرد”.
كذلك، قال وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، إن التعبئة الجزئية سيتم بموجبها استدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط وستطبق على من لديهم خبرة عسكرية سابقة.
وذكر تحليل، كتبه بافيل بولوتيوك لوكالة رويترز، أن التعبئة الجزئية لبوتين أدت إلى تصعيد الصراع على أوكرانيا بشكل كبير وتأتي في الوقت الذي تواجه فيه روسيا هجومًا أوكرانيًا مضادًا أجبر القوات الروسية على التراجع وتسليم بعض الأراضي المحتلة.
واتهم بوتين مسئولين رفيعي المستوى من دول الناتو الكبرى بالإدلاء بتصريحات حول “إمكانية وجواز استخدام أسلحة الدمار الشامل (الأسلحة النووية) ضد روسيا”.
وأعاد بوتين التأكيد على أن هدفه كان “تحرير” منطقة دونباس، قلب المنطقة الصناعية بشرق أوكرانيا، وأن معظم الناس في المنطقة لا يريدون العودة إلى ما أسماه “نير” أوكرانيا.
وفي خطوة تبدو منسقة، أعلنت الشخصيات الموالية لروسيا إجراء الاستفتاءات، التي يفترض أنها انتهت الليلة الماضية، بمقاطعات لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا، والتي تمثل حوالي 15 ٪ من الأراضي الأوكرانية، أو منطقة بحجم المجر.
وتعتبر روسيا بالفعل لوهانسك ودونيتسك، وهما تشكلان معًا منطقة دونباس التي احتلتها موسكو جزئيًا عام 2014، دولتين مستقلتين. بينما تعتبر أوكرانيا والغرب جميع أجزاء أوكرانيا، التي تحتلها القوات الروسية، محتلة بشكل غير قانوني.
ورغم الحديث الدائر عن تجاوز روسيا الخطوط الحمراء للغرب بسلوكها في الحرب وعن تجاوز الغرب للخطوط الحمراء لروسيا بمساعداته العسكرية لأوكرانيا، فإن الخطوط الحمراء الحقيقية لم يتم اختراقها بعد. في بداية الحرب، وضع كلا الجانبين مجموعة من القواعد غير المعلنة ولكنها مع ذلك حقيقية.
هذه القواعد، بحسب رويترز، تشمل قبول روسيا تسليم الحلفاء الأسلحة الثقيلة والدعم الاستخباراتي لأوكرانيا، ولكن ليس استخدام القوات الغربية. كما تشمل قبول الدول الغربية على مضض الحرب التقليدية الروسية داخل حدود أوكرانيا، طالما أن الصراع لا يؤدي إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل. حتى الآن، استمرت هذه القواعد غير المعلنة في العمل، مما يدل على أنه لا بايدن ولا بوتين يريد حربًا أوسع.
لكن مايكل كيميج وليانا فيكس، في تحليل لهما على موقع الفورين أفيرز، يقولان: “المؤكد أن حربا أوسع ممكنة الحدوث، فلا توجد آلية دولية تسيطر على الصراع. الأمم المتحدة لا تزال هامشية، والاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب واحد. الولايات المتحدة ليست في وضع يمكنها من إنهاء الحرب بشروطها، ولا روسيا ولا أوكرانيا.
لقد انهارت المحادثات بين كييف وموسكو، ورغم الجهود المستمرة، لم تكن هناك دبلوماسية أمريكية روسية منذ 24 فبراير، عندما اندلعت الحرب. يضاف إلى ذلك حجم الصراع وتعقيده، وعدد البلدان المشاركة فيه، والتقنيات الجديدة المستخدمة، مما يجعل المزيج سامًا.”
وبالتالي، فإن الرغبة المشتركة لبوتين وبايدن في تجنب حرب أوسع لا تضمن عدم خروج الحرب عن السيطرة. يمكن للصراع أن يتصاعد حتى لو لم يتخذ أي من الطرفين قرارًا متعمدًا بالتصعيد أو استخدام الأسلحة النووية. في الواقع، قد يكون التصعيد العرضي مخيفًا أكثر من التصعيد المتعمد، الذي يحمل بداخله إمكانية خفضه.
ورغم أن واشنطن تزود أوكرانيا بكميات هائلة من المعدات، فقد شدد بايدن على التمييز بين الدفاع عن النفس الأوكراني، الذي تلتزم به واشنطن بشكل لا لبس فيه، وعدم توجيه ضربات أوكرانية على أراضي روسيا نفسها. يتم ضبط الدعم العسكري لأوكرانيا على هذا المنوال. يريد بايدن أن تفوز أوكرانيا بشروطها وعلى أراضيها. والواضح أنه لا يريد أن تصبح هذه حربًا إقليمية، وقد استخدم مقال رأي في نيويورك تايمز لإيصال هذه الأهداف إلى موسكو.
ويشير تحليل الفورين أفيرز إلى أن “بعض غموض بوتين الخطابي ينطوي على التفاخر. لكن الرئيس الروسي لا يستطيع تحمل حرب أوسع. ورغم أن روسيا لديها المال لمواصلة سياستها لتغيير النظام في أوكرانيا، فإن الجيش الروسي يعاني من نقص كبير في القوى البشرية نتيجة لخطة الحرب الأولية المدمرة لبوتين. وأي صراع إضافي، خاصة ضد قوات الناتو المجهزة تجهيزًا جيدًا، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم هذه المشاكل. إذن، من الناحية النظرية، يمكن أن يلتقي بوتين وبايدن في منتصف الطريق. ومن نفس الرؤية المتعلقة بعدم الرغبة في اندلاع حريق أكبر، فإن لديهما حوافز للالتزام بقواعد الحرب غير المعلنة.”
هناك نقطة أخرى، وهي أن الحرب في أوكرانيا عرضة للحوادث، لكن المخاوف تتركز على الجانب الروسي. قد تكون القواعد غير المرئية للحرب واضحة تمامًا لبوتين ولكنها أقل وضوحًا لضباطه القياديين، الذين يتعامل العديد منهم مع إحباط النكسات في ساحة المعركة، ومشاكل المعدات، والقوى البشرية غير الكافية، والجيش الأوكراني الذي قاتل بمهارة وتصميم.
قد تشجع مغامرات القادة الروس توجيه ضربة جوية أو صاروخية خارج أوكرانيا، لوقف مرور الأسلحة إليها. سيكون هذا، بالطبع، هجومًا روسيًا على دولة عضو في الناتو، ولكن ليس لأن الكرملين اتخذ خيارًا محفوفًا بالمخاطر. الخطر، بالطبع، هو أن تفسر واشنطن مثل هذا الهجوم على أنه تصعيد بتوجيه من الكرملين.
كما يمكن للجيش الأوكراني أن يخطئ في الحسابات ويضرب هدفًا مدنيًا رئيسيًا داخل روسيا. ويمكن أن يستخدم الكرملين هجومًا أوكرانيًا، لا سيما مع الأسلحة الموردة من الخارج، كذريعة للرد على الإمدادات العسكرية للحلفاء القريبة جدًا من أراضي الناتو أو حتى على هذه الأراضي. إن وقف القتال وحده قد لا يكون كافياً لحل الأزمة، في ظل غياب الاتصالات رفيعة المستوى بين موسكو وواشنطن.
ويقول مايكل كيميج وليانا فيكس: “رغم هذه المخاطر، فإن الصبر والهدوء المدروسين يمكن أن يمنعا الصراع في أوكرانيا من الخروج عن نطاق السيطرة. في حالة وقوع حادث، كعمل حربي روسي ضد بلد خارج أوكرانيا مثلًا، وإن لم يأمر به بوتين، سيكون من المهم لواشنطن وحلفائها مراجعة الوضع بدقة. يجب معايرة رد الولايات المتحدة بمنطق متزن، وليس بالضرورة بمنطق “واحدة بواحدة”. خلاف ذلك، قد يكون من المستحيل على أي من الجانبين وقف دورة التصعيد غير الضرورية.
يجب على واشنطن تذكير نفسها وحلفائها مرارًا وتكرارًا بمخاطر التصعيد غير المرغوب فيه وضرورة رؤية الاستفزازات الخطابية الروسية على حقيقتها. أفضل رد على التصعيد الذي يهواه بوتين، هو تجاهله. يجب أن يكون الشيء نفسه صحيحًا بالنسبة لتهديدات بوتين النووية. لا داعي دائمًا لمقاومة القبح اللفظي. يمكن أيضًا تجاهله استراتيجيًا.
لكن، تقريرًا للواشنطن بوست يرى إلى أنه بعد ضم الأراضي، من المحتمل أن تعلن موسكو أن الهجمات الأوكرانية على تلك المناطق هي هجمات على روسيا نفسها، كما حذر محللون، مما يمكن أن يؤدي إلى تعبئة عسكرية عامة أو تصعيد خطير، مثل استخدام سلاح نووي.
كان المتحدث باسم البيت الأبيض جيك سوليفان قد صرح بأن الولايات المتحدة لن تعترف أبدا بالمطالبات الروسية بالأراضي التي سيتم ضمها، واصفا الاستفتاءات بأنها انتهاك مباشر للسيادة الأوكرانية. وقال “نرفض تصرفات روسيا بشكل قاطع”.
ويشير التدبير السريع للتصويت بأن بوتين كان هدفه تحقيق ما فشل في تحقيقه على ساحة المعركة من خلال قرار سياسي.
ويقول الكاتب روبين ديكسون، في تقريره على موقع الواشنطن بوست، إن إعلان الاستيلاء على الأراضي ذات السيادة الأوكرانية يمثل انتهاكًا صارخًا تمامًا للقانون الدولي، بينما كان يجتمع زعماء العالم في الأمم المتحدة لحضور الجمعية العامة السنوية. وهي خطوة وقحة من جانب بوتين، الذي لم يبال بإشعال أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
في روسيا، دعا المتشددون الغاضبون من النكسات في ساحة المعركة إلى تصعيد حاد، حتى أن البعض دعا إلى استخدام الأسلحة النووية لسحق المقاومة الأوكرانية.
مثل هذه الخطوة من شأنها تجاوز الخط الأحمر الساطع في الصراع الدولي. عندما سأل أحد المراسلين الرئيس بايدن، في نهاية الأسبوع الماضي، عما سيقوله لبوتين إذا كان يفكر في استخدام سلاح نووي، قال ببساطة: “لا تفعل. لا. لا. إنه سيغير وجه الحرب بشكل لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية “.
وفي تهديد مستتر بتصعيد نووي، حذر الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، وهو الآن نائب رئيس مجلس الأمن القومي في البلاد،من عواقب وخيمة إذا استمرت أوكرانيا في مهاجمة المناطق بعد أن تضمها روسيا. وقال: “إن غزو الأراضي الروسية جريمة، وتنفيذه سيدفعنا لاستخدام كل قوى الدفاع عن النفس”.
لكن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا قال في تغريدة على تويتر إن “الاستفتاءات الوهمية” لن تغير أي شيء.
وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن التصويت لن يكون له شرعية: “إنه تصعيد إضافي في حرب بوتين. وقال على تويتر “يجب على المجتمع الدولي إدانة هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، وزيادة دعمه لأوكرانيا”.
هنا يبز التساؤل: أين يكمن الحل؟ هل هو في استفتاء بوتين أم في حرب طويلة في عالم يموج بالفوضى؟
حسب تحليل الفورين أفيرز،”ليس هناك حل سحري لتجنب حرب أوسع. المحادثات والمفاوضات والدبلوماسية لن تفي بالغرض. لا يمكن تقييد بوتين إلا باستخدام القوة، الذي لا يخلو من المخاطر. تتمثل الخطوة الأولى نحو سياسة جيدة طويلة الأمد في إدراك حداثة هذه اللحظة: حرب كبرى من المحتمل أن تستمر لسنوات، وتتفاقم في قلب نظام دولي يقترب من الفوضى.”