على أيامنا وعندما كنا صغارا كانت لعبة الكراسى الموسيقية هى اللعبة الأولى فى المسابقات المدرسية وفى حفلات السمر.
واستمر انتشار هذه اللعبة بين المصريين بشكل كبير وحتى يومنا هذا. فكرة اللعبة باختصار تقوم على وضع عدد من الكراسى بحيث تكون أقل من عدد المتسابقين بكرسى واحد، فلو كان المتسابقون عشرة مثلاً يكون عدد الكراسى تسعة يتم رصها فى منتصف حلبة السباق بطريقة دائرية، ثم يقف المتسابقون العشرة بجوار الكراسى على أهبة الاستعداد.
ثم تبدأ إدارة المسابقة فى تشغيل الموسيقى.
وهنا يبدأ المتسابقون حسبما تنص قواعد اللعبة فى الركض بجوار الكراسى، وفجأة تتوقف الموسيقى حيث يكون مطلوباً من كل متسابق أن يسارع بحجز الكرسى الأقرب إليه، وبعد أن يتم حجز الكراسى التسعة سيكون على أحد المتسابقين مغادرة الحلبة حيث لا مكان له. ثم تبدأ المرحلة الثانية التى يتسابق فيها التسعة على ثمانية كراسى وهكذا وفى كل مستوى يتم تقليل المتسابقين مع سحب كرسى من الكراسى.
ثم تصل المسابقة إلى نهايتها بوجود كرسى واحد فقط واثنين من المتسابقين يتنافسان عليه.
الأصل فى تلك اللعبة المنافسة الشريفة. الوصول للقمة طموح مشروع لكل إنسان فى مجاله طالما استخدم فى السبيل لذلك الطرق المشروعة، فمن يملك العلم والكفاءة يستحق موقع القيادة.
فتكون النتيجة الطبيعية والحتمية هى فوز الشخص المجتهد الذكى اللماح المستعد دائما والذى استخدم كل ملكاته العقلية والذهنية فى الاجتهاد ليحصل لنفسه على مكان. الفائز هو الشخص الذى تسلح بالإرادة واتبع كل السبل الشريفة مع تنمية قدراته..
عدد كبير من المتسابقين يستخدمون عضلاتهم ليس فقط فى الوصول للقمة ولكن قبل ذاك فى إعاقة بقية المتسابقين بكل الطرق غير المشروعة حتى يفسح لنفسه الطريق للوصول لهذه القمة.
ويبدو أن أصول هذه اللعبة متجذرة فى الجينات الوراثية ليس فقط عند المصريين بل البشرية كلها، فتجد الصراع يبدأ منذ الطفولة.
تأمل ما يحدث عند بداية كل عام دراسى من صراع التلاميذ على كراسى الصفوف الأولى. لاحظ حرص بعض الأشقاء مثلا على التنافس للحصول على مكانة أقرب عند الأب أو الأم ولو على حساب الباقين.
تأمل فى سلوك غالبية المتنافسين فى أى جهة أو مصلحة أو شركة. ستجد أن المنافسة بينهم أبعد ما تكون عن الشرف والاجتهاد.
كل منهم يركز على كيفية محاربة منافسه بكل الطرق غير المشروعة ليزيح أكبر عدد من المتنافسين حتى يضمن لنفسه مكاناً والغالبية العظمى من العاملين المخلصين للمكان والذين أفنوا أعمارهم فيه.
صراع غير شريف يعتمد على القوة الجسمانية البحتة التى لا يحكمها أى منطق أو عدل وينحى جانبا الملكات والقدرات الفكرية للمتسابقين.
حكى لى صديق بدأ حياته عاملاً بأحد المصانع وكان صاحب شعبية ومكانة خاصة بين زملائه بأنه كان فى مكتب مدير المصنع مخولاً من زملائه بالتدخل لديه بعد أن تحول لشخص آخر بمجرد حصوله على المنصب حيث تعالى على العمال وكان فى منتهى القسوة والظلم.
نصحه لوجه الله أن ينتبه لأفعاله وتصرفاته مع العاملين فوقف بكل ثقة وترك كرسيه وجلس بجواره بعد أن كان يجلس فى مواجهته، ثم أشار للكرسى قائلاً: لن أتردد فى فعل أى شيء للحفاظ على هذا الكرسى، فقال له محذرا أن الكرسى لن يدوم وأنه عائد لا محالة للناس من جديد.
لكنه رفض وأصر على ظلم الناس ومجافاتهم، فكانت النتيجة أنه عندما عاد لمكتبه القديم بعد أن ترك موقع القيادة لم يجد حتى من يلقى عليه السلام، فاضطر لاعتزال الناس وجلس فى بيته وحيداً.
وأنهى صديقى كلامه قائلاً: لم أشمت فى الرجل بل أشفقت على حاله ولم أندهش فيما بعد عندما عرفت أنه كان فى شبابه بطلاً من أبطال لعبة الكراسى الموسيقية!