قال تعالى: ” وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين “، قصتنا اليوم عن النبي أيوب عليه الصلاة والسلام، وهو نبي من أنبياء الله، ينتهي نسبه إلى النبي إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، وقد كانت بعثته على الأرجح بين النبي موسى والنبي يوسف عليهما السلام، أمّا قصته فقد وردت في القرآن الكريم تحديدًا في سورة الأنبياء، وسورة (ص)، وإليكم نروي أهم تفاصيل قصته.. قد كان كان النبي أيوب عليه السلام غنيًّا ولديه الكثير من الأموال، وعددًا كبيرًا من الأولاد، فابتلاه الله في ماله، وأولاده، وصحته، ولكنه رغم ذلك صبر على كل ذلك صبرًا عظيمًا، وقد كان صبره مثالًا يحتذى به لكل شخص، فكافأه الله على صبره باستجابة دعواته؛ فأعاد إليه كل ما خسره، ورزقه من حيث لا يحتسب، ويقول تعالى في ذلك، وتحديدًا في سورة الأنبياء: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} (الأنبياء:83-84)، وفي سورة (ص) قوله تعالى: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب *اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب *ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب}(ص:41-43).
وهنا يحدثنا الله عن ابتلائه لعبده أيوب النبي الصابر، فقد ابتلاه بخسارة أمواله، وأولاده، ومرضه الشديد؛ إذ لم يبق بجسده مكانًا سليمًا لغرز الإبر إلا قلبه، ولم يبق له في الدنيا شيء يواسيه على حاله، سوى زوجته التي بقيت توده وتهتم به، ولم تفارقه أبدًا، وتسهر على رعايته، حتى أنها كانت تخدم الناس بالأجرة، لتطعمه، وتحضر له ما يلزمه، وبقيت ترعاه، وتهتم به حوالي ثماني عشرة سنة، وهو كان يرفض جميع الناس من قريب أو بعيد، فقط كان يقبلها هي، ولما اشتد مرضه، وطال، تضرع إلى الله تعالى بدعواته ومناجاته لله قائلًا: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}، وفي آية أخرى، قال: {رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب}، وعندها استجاب له الله أرحم الراحمين، وأمره بأن ينهض من مكانه، ويضرب الأرض برجله فقال تعالى: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}، ففعل، فأنبت الله له عينًا من الماء، وأمره أن يغتسل منها، فأزال جميع ما كان في جسده من مرضٍ وأذى، ثم أمره بضرب الأرض بمكانٍ آخر، فأنبت له عينًا أخرى، وأمره أن يشرب منها، فشرب فأزال كل ما كان في باطنه من مرضٍ وسوءٍ، وبهذا استعاد صحته كاملةً حتى بدا وكأن لم يكن به مرضٌ أبدًا، وقد عوضه الله عن أولاده الذين فقدهم فأنجبت له زوجته غيرهم عددًا، كما عوضه عن أمواله التي خسرها، فأعادها الله إليه أضعافًا مضاعفة، واستعاد غناه.
ولعل أهم درس مستفاد من قصة النبي أيوب، أنه لا ملجأ في السراء والضراء، وفيما نحب أو نكره، وفيما نقدر وما لا نقدر عليه، سوى الله، ومهما تعاظمت واشتدت خطوب الزمان وكروبه علينا، فإن لها الله كاشف ومزيل لها، وأنه من يصبر على كروب الزمان وما تشتد به من خطوب، ويدعو الله بصدقٍ وصفاء نية، لا يرده الله تعالى الرحمن الرحيم أبدًا.