في زاوية من زوايا الحياة ، حيث يُقاس الزّمن بالأنفاس المتألّمة ، تناثر عمر رُقيّة مثل أوراق الشجر في فصل الخريف ، ذبلت ابتسامتها وسلبتها الأشجان صحتًها وجمالها
دخلت رقيّة القفص الذّهبيّ، كما حلمت أن يكون، لتتفاجأ أن وعود النّور الّذي تخيّلت أنه سيضيئ أيّامها تحولّت إلى أغلال تطوّقها في مدينة الأشباح. كان زوجها كظلٍ لا يثبت، كدوّامة تيه لا يمسك شعورًا، ولا يعكس حبًا، كان حاضرًا في الوجود غائبًا عن المعنى
كلما حاولت أن تنحني أما إعصار غضبه، دمّرها غروره وتاهت تحت ركام القسوة والأصعب من كل شيء، أنها لم تكن تملك ذنبًا واضحًا كي تطلب الغفران، ولا جريمة واضحة كي تهرب منها.
كانت رقيّة راضية بحكم الله تناجي ربها في الدّجى سرّا وتدعو في سجودها بصلاح حال زوجها ومع كل دمعة، كانت تنمو في داخلها بذرة، بذرة لا تُرى، لكن لها جذور.صبر، صمت، ثمّ شكر لله في السّراء والضّراء
مرت الأيام، وكل يومٍ كان يعلّمها أن التيه ليس عدوا، بل بل بلاء يحليّه الصبر ويضمّد جراحه جبر من الله.، كل سجدة كانت ترميمًا لشروخ الروح، وكل دعاء كان نبضًا جديدًا. لم تعد تبحث عن النور في زوجها، بل في ذاتها، وفي ربها.
لكن العجيب… أن هذا التحول لم يكن عبثًا.
زوجها بدأ يشعر بظلمه لها، وانتابته مشاعر النّدم وتسللّت لقلبه الرّحمة كأن شيئًا ما تبدل فيه أيضًا، دون كلام، دون عتاب.
كأن صبرها، صلاتها، وحتى صمتها… كانت مفاتيح لصندوقٍ داخله قديم مغلق.
خرجت من دوامة التيه، لا لأن العالم تبدّل فجأة، بل لأنها أصبحت تعرف أن السلام لا يُمنح من الخارج، بل يُولد من الرضا، ويكبر في ظلال الصبر.
الجزائر