يمكن معالجة دور المصلحة في مجال الوظيفة القضائية وفق نهجين، فمن جهة أولى دراسة المصلحة من وجهة نظر الطرفين، وبالتالي ينصب التركيز على الدعوى، ومن جهة ثانية النظر إلى المصلحة من زاوية القاضي والتي تعنى بالإعلان عن نموذج لتوازن العدالة فبخصوص الدعوى القضائية، عندما تبدأ هذه الأخيرة، تظهر المصلحة في شكل شرط لصحة الدعوى حيث يتمخض للوجود في ظل قانون الأعمال وجود دعاوى جماعية
وعندما نتحدث عن المصلحة الجماعية، فإننا لا نقصد تلك التي يكون أصحابها كثيرين، حيث تنشأ عن دعوى واحدة مصالح متضادة أو متعارضة « intérêt opposés »، حيث لا يجوز والحالة هاته أن ينوب أحدهم عن غيره ممن تتعارض معه مصالحه ،بسبب عدم الملاءمة أو التنافي”incompatibilité”.
وتجد الدعوى الجماعية أصلها في الأنظمة الرومانية القديمة، وهو ما كان يعبر عنه بالدعوى الشعبية “actiopopularis”، والتي تعارض الدعوى الفردية “الخاصة” والتي لا يمكن ممارستها إلا من قبل المتضرر، حيث أن المدعي الشعبي، لا يلزمه إثبات كونه أصيب شخصيا بالفعل الغير المشروع فصفة كونه مواطن تكفي. كذلك إن القوانين الوضعية تعكس وجود مؤسسة الدعوى الجماعية، أو حماية المصالح الجماعية، ونخص بالذكر التشريع المتعلق بتدابير لحماية المستهلك عن طريق جمعيات حماية المستهلك
وتظهر أهمية الموضوع في كونه يعكس الوعي المتزايد لمصلحة كل واحد للامتثال للقواعد التي تحمي القيم والمصالح المشتركة، حيث تمكن كل مواطن من حراسة المساواة، وبالتالي سد ثغرة ضعف الوسائل العامة المتاحة، كذلك تعتبر هذه الأخيرة ضمن خانة المصطلحات التي تشمل مفهومين متناقضين، حيث تعتبر بالنسبة للبعض تجسيدا للتشدد الخطير الذي يهدد باكتظاظ المحاكم ويهدد وظيفتها. أما بالنسبة للبعض الآخر فهي مطالبة مشروعة، وأن رفضها يعبر عن حماية قضائية رديئة الجودة.
وعليه فإن الأشكال الذي يمكن إثارته في هذا الصدد هو:
إلى أي حد يمكن الحديث عن مصلحة جماعية محمية من طرف دعوى جمعيات حماية المستهلك؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية سنحاول تسليط الضوء على كل من انبثاق المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك من جهة، ثم إلى دعوى المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك من جهة اخرى وذلك وفق التقسيم التالي:
المحور الأول: انبثاق المصلحة الجماعية لجمعيات المستهلك
المحور الثاني: دعوى المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك
المحور الأول: انبثاق المصلحة الجماعية للمجتمع المدني
ليست المصلحة العامة- نفضل المصلحة الجماعية- حكرا على الدولة تحت ضغط الفردانية والدولانية، وإذا كانت الدولة هي وحدها المؤهلة لتمثيل المصلحة العامة، بل والمحتكرة لمسك هذه التمثيلية، فهذا الحكم المسبق مؤسس على أخطاء منطقية والذي كذب ألف مرة بحكم الواقع. فهي قبل كل شيء المصلحة التي تتبعها الجماعة باعتبارها مجموعة من الأفراد موحدين برابطة اجتماعية وإذا اعتبرنا ذلك فإن المجتمع المدني يقوم هو الآخر على المصلحة العامة (الجماعية) يصبح إذن من الصعب اختزال المصلحة العامة عن ذلك المنظور التقليدي الذي يكرس حصرية الدولة لها، عند مقابلتها بمصالح أفراد المجتمع المدني ،فعلى ما يبدو فالمجتمع المدني أساسا وعبر مجموعة من المصالح الجماعية يساهم في جعل المصلحة العامة نتيجة توازن وثمرة تحكمية .فهذه المطالب الجماعية للمصلحة العامة تراجعت بثلاث طرق متكاملة، نشأة إيديولوجية السوق وبروز قانون اجتماعي، وتوسع منطقة وسطى –توافقية- بين الفرد والدولة
إيديولوجية السوق : ويقصد به ظهور قانون الأعمال، مذهب جديد بدأ ينافس الدولة “حلت مصلحة السوق في ظل ذغمائية الدولة “، والذي أصبح من نفس طبيعة شكل الديمقراطية الغربية ينتشر بشكل متزايد، ويميل إلى امتصاص المفهوم التقليدي للمصلحة العامة، ويسهل التقريب بين هذه الأخيرة ومصالح الأفراد، أو التوفيق بين مصالح الأفراد والمصلحة العامة. تاريخيا فمن خلال الطابع الاقتصادي إن المجتمع المدني قد أكد لأول مرة في مواجهة الدولة وتحت أضواء الليبرالية حصرية هذا الميدان.
إنها الديمقراطية الممتدة إلى كل مواضيع القانون تحت تأثير الفكر النفعي، والمدرك للرذائل التي تميز الطبيعة البشرية، فالأفراد نظموا بسرعة مجتمع السوق والسوق يفترض وجود تنظيم، وهو الهدف من قانون السوق المبني على قانون المستهلك وقانون المنافسة بصفة خاصة
فنفوذ المنطق الاقتصادي يتطلب تحليلا يوصل إلى غاية، فليس المستساغ التفكير في مصلحة المقاولة أو مصلحة المستهلكين لأجل نشأة قانون اجتماعي حقيقي
نشأة القانون الاجتماعي: حاليا المجتمع المدني لا يدعي حصرية المصلحة العامة، مثل الليبرالية التي ارتأت إقامة حدود صارمة بين الدولة والمجال الاقتصادي، فبروز المجتمع المدني يؤكد بصفة دقيقة وجود المصلحة العامة، التي تنصهر في تعاون حقيقي بين المجتمع المدني والدولة. وكنتيجة لذلك فإنه لا ينبغي التدرع بحجة أن الدفاع عن التعبير الاجتماعي للمصلحة العامة يؤدي إلى السقوط في استبعاد الدولة، وجعل المصلحة العامة حكرا على المجتمع المدني والدليل على ذلك تجديد العلاقات بين المجتمع المدني والدولة من حيث زاوية المصلحة العامة كمجال اجتماعي لاندماج العام مع الخاص، يظهر ويأخذ صفات القانون الاجتماعي، هذا الأخير يمكن أن يتميز بثلاث سمات أساسية: فهو يعالج كميزة أولى جماعات كأنها أفراد معزولة، فبهذا المعنى فهو قانون أكثر واقعية، وهو يعني كذلك قانون عدم المساواة والذي يأخذ بالحسبان علاقات السلطة، وأخيرا فهو قانون علم الاجتماع خلافا للقانون المدني عموما الذي يعتبر أكثر فلسفة، بالإضافة إلى تقارب مصالح التعاون يبن المجتمع المدني والدولة الذي يفرضه القانون الاجتماعي فهو في الغالب يدل على مكانة ذات أهمية بالغة تربط الجماعة، وتشكل مجالا وسطاظهور مجال وسط: يرجع أصل المجتمع الليبرالي إلى قانون Chapelier ل 14 و17 يونيو 1791 الذي أصبح متجاوزا، فهذا القانون لم يعد ينظر للهيئات الوسيطة بريبة، هذه ألأخيرة أصبحت تعمل بالقانون الجماعي “الظاهرة الأكثر بروزا في عصرنا”، والذي ترجم بالاعتراف بظهور نظام جماعي، فهذه الجماعات تلعب دور تناوب بين الأفراد والدولة فبالنسبة ل E. Durkheim، “مفهوم الدولة لا يمكن المحافظة عليه إلا بين الدولة والأفراد، يقحم في سلسلة من المجموعات القانونية التي تقترب من الأفراد لجذبهم بقوة في مجال عملهم وكذلك جذبهم للحياة الاجتماعية“ ففي القدم كان يعتبر أقرب من الأفراد من أجل تلبية رغباتهم واحتياجاتهم وتحسين أوضاعهم، فالمصالح الجماعية لها ايجابيات، والتي تعتبر اليوم بمثابة متعاون مع الدولة ممثلين لانفجار المصلحة العامة. فهذه المصالح الجماعية هي تجمع مجموعات مثل الجمعيات أو النقابات كذلك أيضا تلك الخاصة بالمصالح الشخصية مثل الأسرة أو الشركة فإيديولوجية الدولة تمتد إلى المجتمع المدني من أجل أن تصبح إيديولوجية مؤسساتية، ففي الماضي كانت تشكل وسيلة لاستبعاد الدولة بغية حماية الفرد، واليوم تشكل المصلحة العامة رمز التعاون بين المجتمع المدني والدولة فهذا المجال الوسط يأخذ أحيانا ملامح “نماذج متعددة الوظائف”، لتعزيز حيوية المجتمع المدني وأحيانا أخرى نموذج “نيو اشتراكية”، والتي ما زالت من مخصصات الدولة وليست لها الاستقلالية، وحاليا في فرنسا يبدو أن هذين المفهومين يتعايشان، وهذا النظام الجماعي يساهم بطريقته في مماثلة الانقسام الكلاسيكي بين القانون العام والقانون الخاص وتقريب المصلحة العامة من المصالح الجماعية
المحور الثاني: المصلحة الجماعية لجمعيات حماية المستهلك
إن موضوع حماية المستهلك يكشف الأهمية العلمية والعملية لهذا الفاعل والتي تمس شريحة واسعة من المجتمع، رأى المشرع أنها أطراف ضعيفة واتفق الكل على ضرورة حماية مصالحها، غير أن هذه الحماية ظهرت اليوم بحلة جديدة، حيث أنها لم تعد تكرس في إطار فردي بل تعدت ذلك إلى وجود تكتلات لجمعيات حماية المستهلك ، تمثل مصالح المستهلك وتدافع عنها طبقا لأحكام القانون.
وتعتبر دول أوربا القارية Continentale تجربة ليس لها نظير فهي طريق قانوني يرمي في أفق تعزيز المصلحة الأهم للمجتمع ومثال فرنسا يبقى هاما، حيث تسمح للأشخاص المعنوية، كحالة النقابة أو الجمعية للترافع لحماية المصالح الجماعية لأفرادها، ليس فقط أمام القضاء الإداري أو المدني، ولكن أيضا أمام القضاء الزجري وذلك من خلال إمكانية تنصيبها طرفا مدنيا.
غير أنه لم يسمح لجميع الجمعيات بالترافع أمام القضاء، لأن هذه الأخيرة ستستغل هذه الإمكانية لتحقيق أغراضها الشخصية، تبعا لذلك تم حصر حق الترافع للجمعيات ذات التمثيلية حسب ما نص عليه مرسوم 1988. وبذلك ولقبول دعوى الجمعية يجب تحقق مجموعة من الشروط، حيث يلزم أن يكون محل نشاط الجمعية هو حماية المستهلك، علاوة على أنها تمنع من ممارسة أي نشاط مهني، وأخيرا أن تتوفر على شرط المنفعة العامة، وان كان من الصعب تحديد هذا الشرط الأخير، مع العلم أن مرسوم1988 وضع ثلاث معايير لتحديد هذه التمثيلية:
– مدة وجود الجمعية “سنة على الأقل”.
-أن يكون نشاطها الفعلي عاما ويهدف لحماية مصلحة المستهلك.
– تحديد عدد الأعضاء المشتركين على المستوى الوطني في “10000 على الأقل”.
وفي جميع الأحوال فان هذه الرخصة تمنح لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.
كذلك ان قانون المسطرة الجنائية الفرنسي سمح للطرف المتضرر من جراء جرم أن يرفع دعوى التعويض سواء أمام القاضي المدني المختص أو القاضي الجنائي، وذلك باعتباره طرفا مدنيا، ان مثل هذه الميزة الثانية أي الطريق المسطري الذي يرمي إلى إثارة الدعوى العمومية تلقائيا يلزم قاضي التحقيق بالنظر في القضية وينطبق ذلك على كل من الدعوى العمومية أو المدنية. والتي تخدم مزية تضمن للضحية تفادي إهمال أو حتى سوء نية النيابة العامة، هذا مع العلم أن النيابة العامة لا يمكن تنحيتها للقيام بهذا الإجراء ليظل بذلك الضحية أو المنظمة باعتبارها طرفا مدنيا مجرد طرف إضافي للمحاكمة الجنائية (المادة الأولى Iو II- 421-L) من قانون الاستهلاك .
وإذا كانت الإمكانية التشريعية لممارسة الدعوى الجماعية ربط بتحقيق مجموعة من الشروط، حيث أن النص التشريعي يلزم على الجمعية تشكيلة وأقدمية معينة فالقضاء أيضا يراقب بالمقابل كون الضرر الحاصل يدخل في خانة نشاط الجمعية المنصوص عليه في نظامها الأساسي، هذا وقد يحصل في بعض الأحيان تقييد دعوى الجمعية بإثارة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المتضرر أو بموافقة كتابية للطرف المعني لتعكس بذلك هذه الإجراءات ما يمكن تسميته “شرطة دعوى الجمعية” والتي من شأنها أن تكبح الحماس المفرط في الرغبة في الانتقام الذي يكون لأعضاء النيابة العامة
ويبقى للجمعية ممارسة جميع الحقوق المخولة للطرف المدني، هذا المبدأ يجد سنه في م 1 من مرسوم1988 التي ورد فيها ان الجمعيات المرخص لها يمكنها ممارسة جميع الحقوق المعترف بها للطرف المدني والمرتبطة بالضرر المباشر أو الغير المباشر الذي أصاب المصلحة الجماعية للمستهلكين، فحسب هذه م يجب توفر شرطين لقبول دعوى الجمعية، الأول يتمثل في ارتكاب مخالفة جنائية مثل الغش والتزوير والإشهار الكاذب..، وثانيا أن تلحق المخالفة ضررا مباشرا أو غير مباشر للمصلحة الجماعية للمستهلكين وإذا كانت المصلحة الجماعية هي تلك المشتركة بين مجموعة من المستهلكين والتي لحقها فعل ذي أثار منتشرة ، كذلك أن المصلحة الجماعية تقع بين المصلحة الفردية لكل مستهلك والمصلحة الجماعية لجموع المواطنين، إذن فالدعوى الجماعية تجد مكانها بين الدعوى الفردية للضحية والدعوى الممارسة من قبل النيابة العامة، ورغم تنوع هذه الدعاوى فان كل واحدة لا تلغي وجود الأخرى ،لأن نفس الفعل يمكن أن يمس في ذات الآن المصالح المتواجدة على المحك.
ترتيبا لذلك متى تحققت هذه الشروط يمكن للجمعية الترافع سواء في المادة الجناية أو المدنية ، وسواء بموجب طلب أصلي أو عارض ، على أن طلب الجمعية يمكن أن يكون موضوعا لثلاث محاور، فبالنسبة للأول يمكن للجمعية الترافع للحصول على التعويض عن الضرر والموجه لإصلاح الأضرار التي أصابت المصلحة الجماعية للمستهلكين ، فالتعويض عن الضرر لم يخصص للمستهلكين المصابين شخصيا ،ولكن للجمعية التي تجسد المصلحة الجماعية ،عمليا يبقي من الصعب تقييم هذا الضرر لأنه لا يشكل مجموع الأضرار الفردية، فالجمعية تسعى إلى إصلاح الأضرار التي تعرضت لها مجموعة مجردة من المستهلكين ليست تلك المعينة بشكل فردي .
كذلك يمكن أن تترافع الجمعية لطلب بطلان الأفعال غير المشروعة فادا كانت دعوى التعويض تهدف إلى إصلاح الأضرار الماضية ، فان دعوى البطلان تهدف إلى منع الأضرار المستقبلية ، و هو ما يبرر أهمية حماية المصلحة الجماعية للمستهلكين كذلك إن الجمعية تعمل على حماية المصلحة الجماعية عن طريق نشر ملخص الحكم الصادر ، وان كان المشرع قد ترك حرية كبيرة للمحكمة لقبول هذا الطلب من عدمه الذي يهدف إلى إعلام جميع المستهلكين الذين تم المس بمصلحتهم الجماعية. وأخيرا ان النص التشريعي أتى بمكسب جديد لحذف الشروط التعسفية حيث يمكن للجمعية الترافع في هذا الصدد لحماية المصلحة الجماعية
وتجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية عملت جاهدة على تقييد مختلف الإمكانيات التشريعية لفائدة الجمعية وذلك برسمها خطا فاصلا بين الدفاع عن المصلحة العامة والتي تختص في حمايتها النيابة العامة والحماية بواسطة المنظمات لمصالح المجموعات وأفرادها فحسب اجتهاد محكمة النقض: “الدعوى المدنية مفتوحة فقط للنقابات والجمعيات بشرط أن يكون الضرر المزعوم منفصلا عن الاضطرابات المتعلقة بالمصلحة العامة أو النظام العام”. ونظن أنه عمليا من الصعب إقامة هذا التميز فكيف يمكن تمييز مصالح أعضاء الجمعية عن باقي مصالح الجمهور؟.
لا يصح التقاضي إلا من ذي مصلحة وصفة في التقاضي بالإضافة إلى احترام الأجل القانوني لكل دعوى ثم شروط المقال الافتتاحي بدءً بالأهلية اللازمة لتحرير مقال الخصومة ثم تبيان أطراف الخصومة وأساسها الواقعي والقانوني في حالة وجوده ثم التعريج صوب المطالب.
لا يخفى على أحد من الممارسين هذه الشروط التي في حالة عدم توفرها قد تنهي الخصومة قبل البدء في تصفح طياتها.
بالتالي كان لزاما على المتقاضي وبالضبط الممارس أن يتوخى الحذر من كل دعوى وما يستلزمها من شروط خاصة علاوة على الشروط العامة الواجب توفرها في كل دعوى وإلا كان المآل عدم قبولها من الأساس ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بصفة الإدعاء وبتعبير أدق، من أنت حتى تدعي حقا لك أو لغيرك؟
الصفة كما عرفها الفقه (1) هي ولاية مباشرة الدعوى وهي الصفة التي يتحلى بها طالب الحق في إجراءات الخصومة يستمدها المدعي من كونه صاحب الحق أو خلفا له أو نائبه القانوني.
وبعبارة أخرى، إن صفة الإدعاء تثبت لصاحب الحق نفسه، كما هو الشأن بالنسبة للدائن الذي يحق له رفع دعواه ضد المدين عن دينه الثابت والحال، أو من له صفة الإدعاء و الذي يمكن أن يكون النائب الشرعي عن فاقد الأهلية أو ناقصها أو أحد الورثة في الحالة التي ينتصب فيها خصماً عن الباقين بصفته ممثلاً لهم أو وكيل صاحب حق ما، أو الممثل القانوني للشخص الاعتباري سواء أكان شخصا اعتباريا خاصا أو شخصا اعتباريا عاما .(2)
وفي بعض الأحيان يتم التنصيص على بعض الأشخاص التي يعطيها القانون حق الترافع و التمثيل أمام القضاء و بقوة القانون من أجل مصالح معينة و لأشخاص محددة كما هو منصوص على ذلك في الفصل 33 من قانون المسطرة المدنية.
وفي بعض الأحيان يمنح المشرع صفة الإدعاء لأشخاص بعيدين عن المذكورين في الفصل 33 كما هو الحال بالنسبة للجمعيات التي تسعى للمنفعة العامة كما هو الحال بالنسبة لحماية المستهلك وسنرى بأن المشرع تخلى عن هذا الشرط الأخير ليمنح صفة الإدعاء بدون منفعة عامة فقط إذا كان المدعي مستهلكا.
حيث إن المشرع يعطي للجمعيات التي تهتم بحماية المستهلك -حق الترافع- على مصالح المستهلك أمام القضاء و يمكنها أن تتدخل في الدعوى و إن كانت جارية أمام القضاء و يمكنها أيضاً- أي جمعيات حماية المستهلك- أن تنصب نفسها كطرفاً مدنياً أمام قاضي التحقيق، كما نصت على ذلك المادة 157 من قانون تدابير حماية المستهلك.
” يمكن للجامعة الوطنية ولجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة طبقا لأحكام المادة 154 أن ترفع دعاوى قضائية، أو أن تتدخل في دعاوى جارية، أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق، للدفاع عن مصالح المستهلك، وتمارس كل الحقوق المخولة للطرف المدني والمتعلقة بالأفعال والتصرفات التي تلحق ضررا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين.
غير أن جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة والتي يكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك، لا يمكن أن تمارس الحقوق المخولة لها بمقتضى الفقرة الأولى أعلاه إلا بعد حصولها على إذن خاص بالتقاضي من الجهة المختصة وحسب الشروط التي يحددها نص تنظيمي.”
بخصوص هذا المقتضى، أي المادة157 من القانون المحدد لتدابير حماية المستهلك كانت تعطي الحق فقط للجامعة الوطنية و لجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة الحق في الدفاع عن المستهلك نيابة عنه دون سواهم، إلى أن صدر المرسوم رقم 2.12.503 بتاريخ 11 شتنبر 2013 حيث تم التنصيص في أغلب مواده ، على حق باقي الجمعيات غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة في الترافع هي أيضاً على حقوق المستهلك شريطة التقيد بمقتضيات المرسوم المذكور وفي ما يلي بعض مواد المرسوم المذكور التي تنص على الإذن الخاص بالتقاضي تماشيا مع المادة 157 المذكورة.
المادة 3…
“يسلم الإذن الخاص بالتقاضي المذكور في المادة 157 من القانون رقم 31.08 المذكور أعلاه، لجمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل بعد أخذ رأي السلطات الحكومية الوصية على قطاع النشاط المعني بطلب الإذن الخاص بالتقاضي.”
….
المادة 35
” يجب على جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة والمشار إليها في الفقرة 2 من المادة 157 من القانون رقم 31.08 المذكور أعلاه، لكي تحصل على الإذن الخاص بالتقاضي أن تستجيب للشروط المحددة في المادة 153 من القانون رقم 31.08 المذكور أعلاه وأن تحترم الشروط التالية:
– أن تتوفر على الموارد البشرية والمادية والمالية التي تمكنها من القيام بمهام الإعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك؛
-أن تثبت عند إيداع طلب الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي، مرور سنتين على الأقل على إحداثها وذلك ابتداء من تاريخ تصريحها للسلطات؛
-أن تثبت خلال السنتين الأخيرتين، قيامها بنشاط فعلي للدفاع عن مصالح المستهلك ويتم تقييم هذا النشاط بالنظر إلى الأنشطة التي أنجزتها في مجال الإعلام والتحسيس ووضع شباك المستهلك لتوجيه ومساعدة المستهلكين؛
-أن تثبت قيامها بالتعاقد مع محام أو مكتب للمحاماة لتمثيلها أمام القضاء؛
-أن تنص أنظمتها الأساسية على قواعد الحكامة الجيدة التي تضمن لجميع أعضاء الجمعية مشاركتهم في تحديد توجهات الجمعية وأنشطتها وكذا مراقبتها.
يجب إيداع طلب الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي مقابل وصل، لدى المصلحة المعينة لهذا الغرض من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل. يجب أن يكون هذا الطلب مرفقا بالأوراق والوثائق اللازمة للتعريف بصاحب الطلب والتحقق من كون الجمعية المعنية تستجيب للشروط أعلاه.”
المادة 36
” يمنح الإذن المشار إليه في المادة 35 أعلاه، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لنفس المدة وحسب نفس الشروط.
في حالة رفض منح الإذن المذكور، يجب أن يتضمن التبليغ الموجه إلى صاحب الطلب أسباب الرفض.”
المادة 37
” يمنح الإذن للجمعية داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ إيداع الطلب عندما تستجيب هذه الجمعية للشروط المحددة في المادة 35 أعلاه.”
المادة 38
” يسحب الإذن بعد مراقبة المطابقة التي قامت بها المصالح المختصة والتي أثبتت عدم استجابة الجمعية المستفيدة للشروط المحددة في المادة 35 أعلاه.”
تبقى أبرز مادة جاءت في المرسوم المذكور القاضية بتعطيل تفعيل منح الإذن بالتقاضي بقرار وزاري، حيث تم التنصيص في المادة 39 من المرسوم المذكور على أنه سيتم إصدار قرار وزيري مشترك بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل و السلطة الحكومية المكلفة بالتجارة. تنص المادة 39 من المرسرم المذكور ” تحدد بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل والسلطة لحكومية المكلفة بالتجارة كيفيات إيداع ودراسة طلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن وسحبه.” بعد مرور 5 سنوات على صدور هذا المرسوم، بالفعل صدر هذا القرار مؤخراً بالجريدة الرسمية عدد 6670 بتاريخ 3 ماي 2018 وهو القرار المشترك لوزير العدل ووزير الصناعة والإستثمار والتجارة والإقتصاد الرقمي رقم 895.18يتعلق بتحديد كيفيات ايداع جمعيات حماية المستهلك، غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة، لطلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ودراستها وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن وسحبه وهو الذي حُددت فيه شروط و طريقة منح الإذن لجمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة و هو الإذن القاضي بمنح الصفة لهذه الجمعيات بأن تنصب نفسها كمدعي مُطالب بحقوق المستهلك أمام القضاء.
خاتمة:
نود تسجيل أن المصلحة الجماعية لا تختلط بمزايا المصلحة العامة التي ترجع حمايتها إلى النيابة العامة ففي الماضي كانت الوظيفة التي يسهر عليها التشريع الاجتماعي والتي تلعبها الجمعيات لا تستبعد تداخل أو ازدواجية الاثنين كذلك ليس من النادر أن تترافع جمعيات المستهلك أمام المحكمة الزجرية وذلك لحماية حقوق المستهلكين وهذا يؤكد على دور الجمعية المتمثل في استعادة الشرعية لقاعدة تم خرقها وذلك وفق الأعمال غير القانونية والمستقلة عن المطالبات الفردية لإصلاح الضرر
كذلك إن هذا النوع من الدعاوي، والذي تمارسه جمعيات تنتصب فيه للدفاع، يكتسي طبيعة هجينة خاصة إذا علمنا أنها تتعهد بمصالح غير خاصة ودون تحديد للمصلحة العامة مما يفسر مشكلة صحة هذه الدعوى ولمعالجة هذه الإشكالية فإننا نؤيد فكرة الاعتراف بهذا الحق لصالح الجمعيات والنقابات على السواء باعتبارها مصلحة مشروعة تخول من خلالها لهذه العناصر متابعة الغرض الاجتماعي الذي يسعون إليه.