جاءت دعوة فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر للحوار بين علماء المسلمين فى العالم كله على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الفكرية، خاصة الشيعة، لتشرح صدورنا، وتبشرنا بمستقبل أفضل من حاضرنا .
قال الإمام الأكبر أثناء زيارته لدولة البحرين الأسبوع الماضى إن المسارعة بعقد حوار ( إسلامى / إسلامى ) تهدف إلى تعزيز الوحدة والتقارب والتعارف، ونبذ الفرقة والفتنة والنزاعات الطائفية بين أبناء الدين الواحد، مؤكدا أن الاتحاد بين علماء المسلمين السنة والشيعة ضرورى وحتمى، وأن المسلمين بمختلف مذاهبهم مؤهلون للاتحاد والتلاقى على أرضية مشتركة، فنحن أبناء دين واحد، وتجمعنا مشتركات إنسانية وقيم أخلاقية وعادات مجتمعية متشابهة، وتتوافر لدينا كل مقومات الاتحاد، ولكن هناك صراعات وأجندات ومصالح مادية، تتصدرها صفقات الأسلحة، تتخذ من عالمنا الإسلامى سوقا لترويج بضائعها، ولا سبيل لهم فى ذلك سوى ببث الفرقة والطائفية بيننا، نحن المسلمين، فهم يتغذون على ضعفنا وفرقتنا وحروبنا، ولذلك هم حريصون أشد الحرص على ألا نتحد.
وأشار فضيلة الإمام إلى أن الأزهر انفتح فى الحوار الإيجابى على مختلف المؤسسات الدينية حول العالم، ويأتى فى مقدمة أولوياته التقاء ووحدة المسلمين مع بعضهم بعضا لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات، فالعلماء هم حماة الأمة، ولا يصح أن يكونوا بأى شكل من الأشكال طرفا فى نزاعات طائفية أو مذهبية، ومن ثم فإن المسئولية على العلماء مضاعفة أمام الله، وأمام ضمائرهم، وعلى علماء المسلمين ألا يملوا من بيان سماحة الإسلام وقبوله للتعددية المذهبية بين المسلمين، والتعددية الدينية بين البشر جميعا.
وقال فضيلته : ” لقد تربينا فى الأزهر على قبول المذاهب المختلفة، ولن نستطيع مواجهة التحديات بالتشرذم أو التخلف عن مهمة الحوار السامية “.
هذه هى الدعوة التى أطلقها شيخ الأزهر وأحدثت أصداء إيجابية لدى الأوساط الدينية والعلمية فى عالمنا الإسلامى المتعطش لفكرة الاتحاد ونبذ الفرقة، والذى يدرك جيدا أن النزاعات المذهبية فى بلادنا تشتعل بفعل فاعل، لايريد لهذه الأمة أن تلتئم وتعيش فى أمن وسلام، وتتفرغ لعدوها الحقيقى، الذى يغتصب الأرض، وينهب خيراتها ويشرد شعبها، وينتهك حرماتها ومقدساتها.
وقد سبق لمصر أن اضطلعت بدعوة الحوار والتقريب بين المذاهب تحت لواء الأزهر الشريف فى أربعينيات القرن الماضى، ومع الشيعة تحديدا، الذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، وحققت من وراء ذلك نتائج إيجابية لصالح البلاد والعباد، واحتفظت لنا بتراث رائع فى ملف التقريب يجب البناء عليه.
لذلك، نحن نتمسك بدعوة الإمام الأكبر ونشجعها، حتى لا تذهب أدراج الرياح، وحتى لا تغلب النعرة الانفصالية، التى تقيم سدودا من التشكيك والتحريض تحول دون الحوار والالتقاء بين أصحاب المذاهب، بينما تلح على الحوار بين أصحاب الأديان المختلفة.
والحوار الذى يقصده فضيلة الإمام ونقصده لايعنى أن تذوب المذاهب فى بعضها، أو أن نسمح للشيعة أو لغيرهم بالدعوة لمذهبهم فى بلادنا، وإنما يعنى أن نسعى إلى التعارف والتفاهم، أن نسمع منهم ويسمعوا منا، لا أن نكتفى بأن نسمع عنهم ويسمعوا عنا، ونحاول معا أن نتقارب ونصحح مفاهيمنا، ونتعاون فيما نتفق فيه، ولا نوسع دائرة الخلاف والشقاق، مادامت دائرة الإسلام التى تجمعنا واحدة.
من شهد شهادتنا، وآمن بقرآننا، وصلى صلاتنا، واتجه إلى قبلتنا، وأقر بأركان الإسلام الخمسة، فهو مسلم العقيدة، وإن اختلف معنا فى الفروع، يجب علينا أن نبسط له يد المودة، وندعوه إلى الحوار لإصلاح ذات البين، إيمانا بأن وحدة الأمة هى السبيل الوحيد لخلاصها من التخلف الحضارى والنزاعات المذهبية والحروب التى تعرقل مسيرتها.
سيقول المعترضون إن لدى الشيعة كتبا تطعن فى أم المؤمنين السيدة عائشة، رضى الله عنها، وفى بعض الصحابة، وكتبا تحمل أفكارا وتصورات مختلفة عن أهل السنة، وهذه أمور مشهورة، وهى أدعى إلى الحوار لتصحيحها، فالأفكار تتطور وتتأثر بالزمن وتقلباته، وتقتضى الموضوعية أن نعترف بأن عندنا خزعبلات وأساطير أدخلتها الصوفية وغيرها من التيارات الباطنية على مفاهيمنا الدينية خلال مراحل الانحطاط والتخلف، لاتختلف كثيرا عن خزعبلاتهم وأساطيرهم، وكلها فى حاجة ملحة إلى التصحيح.
وسيقول معترضون آخرون : كيف نتحاور مع الشيعة وإيران تحتل جزر الإمارات وتفرض مشروعها التوسعى فى اليمن والعراق وسوريا ولبنان؟
وهذا خلط مغلوط، فالحوار المقصود هو حوار علماء ومفكرين مع الشيعة فى إيران وغير إيران، هو حوار أهل المذاهب وليس حوار دول، الدولة تحاورها دولة،على أساس المصالح والاستراتيجيات والأمن القومى، أما حوار المذاهب فهذا عمل علمى ودينى خالص، وكم من دولة مسلمة حاربت دولة مسلمة لأسباب سياسية ومصالح، وليس لأسباب دينية، وفى الحرب الأخيرة التى اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا منذ عام تقريبا، وقفت إيران مع أرمينيا المسيحية، بينما وقفت تركيا السنية مع أذربيجان المسلمة الشيعية.
نحن نتحدث عن المذهب الشيعى، وهو أكبر من إيران، وله انتشار واسع بتنوعات مختلفة فى عالمنا العربى، خصوصا فى البحرين والسعودية والإمارات والكويت وعمان والعراق وسوريا ولبنان، ومن الخطأ الفاحش ربط المواطنين الشيعة فى هذه البلدان بإيران، ووضعهم معها فى سلة واحدة، فهذا يعنى التشكيك فى وطنيتهم، وابتزازهم بتهمة الخيانة.