طبقا لقانون تنظيم بعض اوضاع واجراءات التقاضى في مسائل الأحوال الشخصية
يعتبر عقد الزواج أحد أهمّ العقود في الفقه الإسلامي، حيث يرمي إلى الحفاظ على النوع البشري، وقد شرّع الإسلام الخطبة كخطوة أولى في سبيل تحقيق ذلك، كما يمكن لأحدهما العدول عن الخطبة إذا لم يتمكنا من الاطمئنان لبعضهما مما يبعدهما عن إبرام العقد. يتناول هذا البحث مسألة العدول عن الخطبة وأثره في استرداد المهر والهدايا،
فقد أولى الإسلام الزواجَ أهميةً خاصة في تشريعاته، واعتبر عقد الزواج واحدًا من أخطر العقود، إن لم يكن أخطرَها؛ لأنه الطريق المستقيم الموصل إلى استحلال ما كان حرامًا قبله. لذلك نجد أن الفقهاء يسيرون ضمن حدود لا يبرحون أرضها ولا يجاوزونها ألا وهي: “الأصلُ في الأبضاع الحرمة، ويُحتاط فيها ما لا يحتاط في الأموال” وما ذاك إلا لتحقيق مقصدٍ مهمٍ من مقاصد الشريعة الغراء هو حفظ النسب.
ولا يخفى أن الأصل في عقد الزواج التأبيدُ، وهذا رافدٌ آخر يؤكد خطورة هذا العقد؛ لأن على الإنسان أن يتحمل آثار هذا العقد ما أبقى عليه، والأصل أن يبقيَ عليه مدة حياته.
ومن المعلوم أن ثمرة الزواج هي تكوينُ الأسرة، والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فاستقرار المجتمع كله متوقف على استقرار الأسر المكونة له، وهذا يؤكد خطورة عقد النكاح.
من أجل كل ما تقدم من بيان لخطورة عقد النكاح شُرعت الخِطبة ُ كمقدمة تسبق هذا العقدَ الخطيرَ كي تترتّبَ على العقدِ آثارُهُ بعد رَوِيَّةٍ ونظرٍ. وبذلك يتأبد الزواج، ويُحافظُ على كيان الأسرة ومن ثَمّ يُحافظ على المجتمع كله.
أما إذا لم ينسجم الخاطب مع مخطوبته، فيعدل أحدهما أو كلاهما عن الخِطبة بعد مضي فترة من الزمن، تبادلا فيها الهدايا والهبات، بل ربما قدم الخاطبُ لمخطوبته مبلغًا من المال على حساب المهر لتجهز نفسها بشراء الملابس وغير ذلك،
فما مصير هذا المال وتلك الهدايا؟ وقد يثمرُ عدولُ أحد الخاطبين عن الخطبة إلحاقَ الضرر المادي أو المعنوي بالطرف الآخر، فهل للمتضرر تعويض؟ لم يستعمل فقهاء الشريعة الإسلامية مصطلح التعويض عند الحديث عن جبر الضرر، وإنما استعملوا لفظ الضمان أو التضمين، فالضمان عندهم يحمل في طياته ما يقصد به من اصطلاح التعويض عن فقهاء القانون المدني، فمفهوم التعويض لديهم هو ما يلتزم به المسئول في المسئولية المدنية تجاه من أصابه بضرر، فهو جزاء المسئولية عن الضرر
فالمسئولية في نظر القانون الحديث معناها تعويض الضرر الناشئ عن عمل غير أو الضرر الناشئ عن عدم تنفيذ عقد، ففكرة المسئولية تثير – كقاعدة عامة – فكرة
(١ (مشروع الخطأ وفكرة الجزاء، والمسئولية تفترض وقوع خطأ وتماثل في مجازاة مرتكبه، فمعنى كما أن الأخلاق تقتضي أن
(٢ (المسئولية التقصيرية مثلا أن ثمة فعل ضار يوجب مؤاخذة فاعلهً من يحدث بغيره ضررا يلزم بإزالة هذا الضرر عن طريق التعويض. ويقصد بالمسئولية بوجه عام: المسئولية عن تعويض الضرر الناجم عن الإخلال بالتزام مقرر في ذمة المسئول.
الواجبات القانونية المحددة
أولا ويرى أنه في ً هذه الأحوال يكون ضبط الخطأ ميسورا ً إلا أنه كثيرا ما تكون هذه الالتزامات المحددة مقررة في الأحوال العادية، أما إذا طرأت ظروف غير عادية فإنها تؤثر على مدى هذه الالتزامات زيادة أو نقص وحينئذ يتعين مدى الواجب بالرجوع إلى معيار الرجل العادي.
ثاني: الواجبات القانونية المقابلة لحقوق الغير (الواجبات القانونية غير المباشرة) ومقتضى هذا الواجب هو الامتناع عما من شأنه أن يمس بالحق المعين المقابل له – أي أنه واجب سلبي ذو محل معين أو قابل للتعين – إلا أن يكون النشاط الذي يريد الشخص مباشرته أولى بالرعاية فيتعطل الواجب المقابل لحق الغير ويسمح لمباشره بأن يمس بحق الغير إعمالا لحقه الأقوى. يتضح من ذلك أن المشرع المصري استلزم الإدراك أو التمييز لقيام الخطأ الموجب من القانون الروماني وهجرتها بعض القوانين للمسئولية التقصيرية وهي فكرة مستوحاة أصلا العصرية الحديثة وإن كانت أغلب هذه القوانين لم تهجرها إلا جزئي حيث تركت للقاضي شيء من حرية التقدير وفقا لمقتضى العدالة فنص المشرع المصري في المادة ١٦٤ على أن غير المميز غير مسئول عن أعماله غير المشروعة
وإن كان قد أجاز للمحكمة أن تلزمه بالتعويض إذا لم يكن هناك من هو مسئول عنه أو تعذر الحصول على التعويض من المسئول عنه، وهذا النص بمثابة استثناء على ما ورد بنص المادة ١٦٣ من القانون المذكور وكذلك المادة ١٦٤/١ ً والتي تشترط أن يكون الشخص مميزا ً كي يكون مسئولا عن أعماله غير المشروعة.
لقد أخذ القانون المصري -وسارت على منواله محكمة النقض-برأي المذهب الحنفي فيما يخص الهدايا حيث أعتبرها من الهبات وبالتالي أخضعها لأحكام الرجوع في الهبات الواردة في القانون المدني المصري
حيث نص في المادة 500 على الحالات التي يجوز للواهب أن يرجع في الهبة بأنه ” 1- يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له ذلك.
2- فإذا لم يقبل الموهوب له جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من الرجوع.”
وجاء في المادة 501 حالات خاصة للرجوع في الهبة فنص على ” 1- يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له ذلك.
2- فإذا لم يقبل الموهوب له جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من الرجوع.”
ثم جاء المشرع في المادة 502 ليحدد موانع الرجوع في الهبة فنص على “يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الأتية:
(أ) إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته فإذا زال المانع عاد حق الرجوع.
(ب) إذا مات أحد طرفي عقد الهبة.
(ج) إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً. فإذا اقتصر التصرف على بعض الموهوب، جاز للواهب أن يرجع في الباقي.
(د) إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للأخر ولو أراد الواهب الرجوع بعد انقضاء الزوجية.
(هـ) إذا كانت الهبة لذي رحم محرم.
(و) إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له، سواءً كان الهلاك بفعله أو بحادث أجنبي لا يدّ له فيه أو بسبب الاستعمال، فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء، جاز الرجوع في الباقي.
(ز) إذا قدّم الموهوب له عوضاً عن الهبة.
(ح) إذا كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر.”
وجاءت أحكام محكمة النقض متفقة مع هذا الرأي حيث حكمت بانه
” هدايا الخطبة ليست من مسائل الأحوال الشخصية هي من قبيل الهبات ويسري عليها ما يسرى على الهبات من أحكام يطبق في حق الخاطب في استرداد تلك الهدايا أحكام الرجوع الواردة في المادة 500 مدني وما بعدها “(الطعن رقم 302 – لسنة 28 ق).
“هدايا الخطبة تعد من قبيل الهبات. القضاء بردها يخرج عن ولاية المحاكم الروحية
الهدايا التي يقدمها أحد الخاطبين إلى الآخر إبان فترة الخطبة تعد من قبيل الهبات إذ أنها ليست ركنا من أركان الزواج ولا شرطا من شروطه وينبني على ذلك أن القضاء بردها يخرج عن اختصاص المحاكم الروحية فإذا كانت المحكمة الروحية قد قضت في حكمها المطعون فيه بإلزام الطاعنة بأداء مبلغ معين في مقابل تلك الهدايا فإنها تكون قد فصلت في نزاع خارج عن ولايتها “(الطعن رقم 5 – لسنة 30 ق).