إن الجديد في مشكلة الكوارث والأزمات مع انها ليست مشكلة جديدة أو طارئة بالنسبة للأرض، هـو زيـادة شدة وتأثير الكوارث والأزمات كماً وكيفاً في عصرنا الحاضر .
فقد بدأت في الآونة الأخيرة الدراسات والفكر القانوني يهتم بقضايا الكوارث والأزمات ، وأخذها مأخذ الجـد ،هذا وقد ظهرت العديد من المؤلفات والبحوث والدراسات ، وعقدت عدة مؤتمرات ووقعـت الكثيـر مـن الاتفاقيات التي تعالج هذا الموضوع، فأخذت مشكلة الكوارث والأزمات حيزاً من الاهتمـام الـدولي بسـبب بعدها العالمي . سيما وأن البيئة الطبيعية تشكل وحدة واحدة لا تحدها حدود . اً لذلك فهي تثيـر العديـد مـن
الإشكاليات خاصة القانونية منها و. هذا ما سنتطرق إليه في هذا البحث .
أن عالمنا قد صار أكثر ارتباطاً ،واقوي تداخلاً بفضل التقدم التقني الهائل فـي مجـال الاتصالات ، فمـن الميسور الأن لأي شخص ان يقف علي كل الأحداث التي تقع في أي مكان ، وأن يتبادل الرسائل بل ويناقش المشكلات الدولية مع الأخرين ، وان يبيع ويشتري السلع وهو جالس في مكانـه ، فقـد تلاشـت الحـدود ، وتقاصرت المسافات ، واصبحنا أمام ظاهرة (القرية الكونية) واذا كانت البيئة لا تعـرف الحـدود السياسـية فالملوثات تخترق عدة أقطار عبر الهواء أو المياه ، فإن التدابير التي تتخذها الأقطار داخلها تكون غير كافيـة ، ولذلك كان من أهم سمات المشكلات البيئية كونها تتطلب تعاوناً دولياً لمكافحتها .
وقد باتت مشكلة الكوارث والأزمات تؤرق فكر المهتمين والعلماء والعقلاء وتقض مضاجعهم، فبدءوا يـدقون نواقيس الخطر ، ويدعون لوقف أو الحد من مخاطر الكوارث والأزمات التي تتعرض له البيئة نتيجة للنهضة الصناعية والتقدم التكنولوجي في هذا العصر فالكوارث مشكلة عالمية ،لا تعترف بالحـدود السياسـية لـذلك حظيت باهتمام دولي ،لأنها فرضت نفسها فرضاً، ولان التصدي لها يتجاوز حدود وإمكانيات التحرك الفردي لمواجهة هذا الخطر المخيف والحق أن أخطار الكوارث لا تقل خطراً عن النزاعات والحـروب والأمـراض الفتاكة إن لم تزد عليها. إن المتابع للكوارث بكل أنواعها وصنوفها التي شهدها وتشهدها العالم اليوم ، ليـدرك تمـام الإدراك فداحـة وخطورة الكارثة وطنياً وإقليميا ودولياً ، كما يدرك الآثار السلبية التي تخلفها تلـك الكـوارث سـواء منهـا الطبيعية أم التي هي بفعل الإنسان أمنياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً ، مما ساهم في وضع وتقنين التشريعات والقوانين للحد من آثارها في المستوي الدولي والإقليمي والوطني ، وذلك ما نتطلع الي دراسـته فـي هـذه الدراسة
من البديهي أنه من أجل إنجاح خطة متكاملة وفاعلة لمواجهة الكوارث لابد مـن الاعتمـاد علـي السـلطة التشريعية للدولة لتمنح الدعم القانوني اللازم للتنفيذ ، ولكن وفي حالة وجود تشريعات قانونية مناسـبة فـإن كتيب الصليب الأحمر للنجدة من الكوارث ، يقترح قيام الدولة بتشريع قانون أو مرسوم مؤقت للنجـدة مـن الكوارث يمكن عند تطبيقه تعيين أو تسمية هيئة مركزية عليا تعطي اليها السلطات والصلاحيات وتنـاط بهـا المسئوليات اللازمة للتخطيط (أي الوقاية والاستعداد) لمواجهة الكوارث ، وفي هذه الحالة فمن الحكمة ومنطق ترشيد الإنفاق أن تشكل هذه الهيئة المركزية ضمن الوزارة أو المؤسسة أو المديرية الأقرب بطبيعة تشكيلها و اختصاصها الي مواجهة الكوارث وتخفيف وطأة أثارها (. المدينة والكوارث ، ابحاث الندوة العلمية الخامسـة الخاصة ، تونس 1986.( م
التخطيط الإحترازي للكوارث والأزمات :
يعد علم إدارة الكوارث من العلوم الإنسانية الحديثة التي زادت أهميتها في عصرنا الحاضر ،فهو علـم إدارة توازنات القوي ، ورصد حركتها واتجاهاتها ، وعلم المستقبل ، والتكيف مع المتغيرات ، وتحريـك الثوابـت وقوي الفعل في كافة المجالات الإنسانية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية وغيرها . لذلك فهو مطالب بالتخطيط والتحكم في ظواهر يكتنف عناصرها الكثير من الغموض ، وإزاء التحديات التـي يواجهها هذا العلم والآمال المعقودة عليه تُبني فاعليته علي قدرته علي اكتشاف الاحتمالات والمؤشـرات بمـا يمكنه من التشوشف المستقبلي الذي يعين في تحديد الكوارث المتوقعة والعمل علي الحيلولـة دون وقوعهـا أو مجابهتها عند حدوثها ، وإزالة آثارها بعد حـدوثها وانتهائهـا (. حسـن أبشـر الطيـب، إدارة الكـوارث ، 1410(. هـ
وإدارة الكوارث هي أسلوب إداري من أساليب مواجهة الكوارث وتأثيراتها ، ذا طبيعة خاصة تميزه من غيره من الأساليب الإدارية ، تمارس فيه مجموعة من الأنشطة والوظائف والإجراءات قبل وأثنـاء وبعـد وقـوع الكوارث لمواجهتها في مراحلها المختلفة بهدف منع حدوثها أو تكرارها كلما كان ذلك ممكنـاً ، والتقليـل أو الحد من أضرارها عند حدوثها ، وإزالة آثارها بعد وقوعها وانتهائها (. الأسـس النظريـة والعلميـة لإدارة الكوارث ومدي تطبيقها في إدارة الأزمة،1997م) .
مبادئ التخطيط :
من المهم التفكير في تنفيذ تدابير ملموسة للحد من مخاطر الكوارث في جميع مراحل عملية التخطيط بأكملهـا ، وليس الإنتظار حتي الإنتهاء من تنفيذ الخطة ، ويجب أن تكون الأولوية بالتركيز علي الأعمال التي تكـون مواردها ملموسة بسرعة ، هذا سوف يحفز جميع المعنيين ، ويخلق الوعي بأهمية الحد من مخاطر الكوارث في المدينة . وعندما يتم استيعاب ذلك ضمن التوافق الاجتماعي ، فسوف تكون الفرص أكبر للإضطلاع بهذه الإجراءات واستدامتها . ويجب ملاحظة أن إعداد خطة هو عملية تستغرق وقتاً أطول بكثير مما يتوقع معظم الناس . واذا تمت العملية بعجلة ، فقد تفقد الفرصة لتحقيق المشاركة والشعور بالملكية . أن تطبيق المبادئ التالية في جميع المراحل، سوف يجعل عملية التخطيط الإستراتيجي أكثر فاعلية ـ:
• تشجيع الحكومات المحلية علي الإضطلاع بدور ريادي في تطوير القدرات المحلية لخلق القـدرة علـي المجابهة . • استخدام المداخل التشاركية وتعزيز المشاركة الكاملة للمحرومين تارخياً ، بما في ذلك الأطفال والسـكان الأصليين والمعوقين وكبار السن ، من أجل تعزيز النسيج الاجتماعي للمدينة .
• تطبيق مبادئ الإشراك بين الجنسين .
• الالتزام بالمرونة والشفافية والمساءلة .
• تحديد مسئوليات واضحة وتحديد أهداف واجراءات واقعية .
• البناء علي مبادئ الإستدامة (في المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية) ، والقدرة علي المجابهة .
• زيادة الوعي وتنمية الشعور بملكية الخطة ، والذي يشترك فيها المجتمع بأكمله (. اصدارات الأمم المتحدة
جنيف ، كيف نجعل المدن أكثر قدرة في مجابهة الكوارث ، دليل قيادات الحكومات المحلية ، مسـاهمة فـي
الحملة العالمية 2010م ـ 2015م ، 2012.( م
إن إدارة الكوارث في منهجيتها العلمية والعملية المتكاملة تهدف الي استشراق المسـتقبل ، ودرء أو تخفيـف
حدة أو مجابهة تهديدات الكوارث لحياة الإنسان وأمنه وممتلكاته ومقومات بيئته ، من خلال اتخاذ الاحتياطات
اللازمة ، ووضع الخطط اللازمة للكوارث المتنبئ بحدوثها ، وتصميم النظم التي تؤمن الحـد مـن مسـببات
مهام إدارة الكوارث :
يقع علي عاتق إدارة الكوارث مهام ومسئوليات كبيرة تتطلب قدراً عالياً من توافر الإمكانيات اللازمة لتـتمكن من إدارة المهام والأعمال المناط بها تجاه مواجهة الكوارث والتخفيف من حدتها . وهذه المهام كما يلي :
• تصنيف وتحليل المخاطر والكوارث بأنواعها المختلفة وتحديد موقعها .
• تقدير احتمال نسبة حدوث الكوارث والخسائر الناجمة عنها .
• جمع كافة المعلومات والبيانات المتوفرة عن الكوارث والمخاطر لدي الجهات المختلفة في الدولة والحرص
علي تحديثها باستمرار .
• التنسيق والإعداد والإشراف والمتابعة لجميع حالات الكوارث المحتمل حدوثها.مع تحديـد وحصـر كافـة
الإمكانيات المتوفرة (مالية ـ مادية ـ بشرية ….الخ) .
• إعداد خطة طوارئ نموذجية وشاملة تشترك فيها جميع الجهات ذات العلاقة .
• التنسيق في توفير المخزون الاستراتيجي لحالات الطوارئ مي( اه ـ غذاء ـ بترول ) . مـن خـلال عقـد الندوات والمؤتمرات وورش العمل والاجتماعات الخاصة بالكوارث علي مستوي الدولة.
• قيادة سير عمليات مواجهة الكوارث ومتابعة سيرها أولاً بأول مع كافة الجهات المشاركة .والتدريب علـي
• إدارة الكوارث مسئولة عن امداد مجموعات متخذي القرار بالبيانـات عـن الموقـف الحـالي وتحضـير • تنفيذ الخطة والسيطرة علي الكارثة حيث تدار الكارثة وفقاً للخطة الموضوعة والتي يجب أن تتسم بالمرونة لمواجهة المستجدات غير المتوقعة ، ويتم هذا من خلال استمرارية تدفق المعلومات ، وفي حالة فشل الخطـة نتيجة لعدم انسجامها مع الظروف المتطورة يتم اتباع الخطة البديلة ، ويتم كل هذا بتتـابع دقيـق لمجريـات
الأمور وتطورها ، فإدارة الكارثة تعني التحكم الكامل فيها والسيطرة التامة عليها في كل مراحلها .
• تقويم آثار الكارثة سواء كانت إيجابية أو سلبية ، وتحديد الدروس المستفادة للاستعانة بها في إدارة كوارث مستقبلية .
الحيل الدفاعية :
من بين الأساليب المعتمدة في مواجهة الأزمات الركون إلى الامتصاص حتى يمنع تفاقم الوضع ومـن أجـل تحسيس صانع الأزمة بأهميته وإرضاء لغروره من خلال الاستجابة للمطلب سياسيا كان أو اقتصاديا حتى توجد الآليات لحجب السياقات المشجعة على بروز الأزمة مجددا .
الأساس الذي يرتكز إليه هنا هو التخطيط الاستراتيجي عن طريق (تحديد وتقييم المخاطر-تحديـد المـوارد المتاحة-وضع سيناريو مواجهة الأزمة – تدريب الأفراد والمجموعات – تقييم تجربة المواجهة بعـد حـدوث الأزمة .)
الهدف العلمي من إدارة أزمة هو الحفاظ على سلامة الكيان الإداري حيث لا تكون الأزمة سببا فـي حـدوث شرخ يؤدي إلى انهيار النظام بالكامل. لكن وضع النظام الوقائي هو أهم ما يمكن اللجوء إليه لمعالجة ما يترتب على الأزمة وإحداثياتها باعتماد التخطيط الاستراتيجي المسبق .كما أن الموقف الأزم ويجب أن يـتم التعـاطي معه بعيدا عن قانون “الفعل و رد الفعل” أخذا بعين الاعتبار السقوف الزمنية الكفيلة بتجاوز الضغط الأزموي و اعتماد ثنائية” مركزية القرار” “و لا مركزية التنفيذ. “