إن حماية المصلحة العامة تعد من أولويات وظائف مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسة القضاء، حيث يلعب القضاء في الدولة دورا ً كبيرا في إعمال الموازنة بين المصالح المتعارضة وتفضيل إحداهما على الأخرى. فالقضاء الإداري بما له من دور إنشائي يقوم بمهمة كبيرة في إعمال الموازنة بين الصالح العام والصالح الخاص، أو إعمال الموازنة بين المصالح العامة المتعارضة؛ وذلك وفق لفكرة تدرج المصالح؛ حيث إن المصالح ليست على درجة واحدة؛ فيوجد تدرج بين المصالح العامة والمصالح الخاصة، كما يوجد تدرج في نطاق المصالح العامة؛ ومن ثم تعلو إحداهما على الأخرى عند تزاحمها. وإذا كانت الأحكام القضائية بصفة عامة وأحكام القضاء الإداري خاصة تحوز الحجية أمام الكافة، وتتمتع بالقوة التنفيذية بحيث يجب على الإدارة أن تقوم بتنفيذها فكرة تدرج الصالح العام وأثرها على تنفيذ أحكام القضاء الإداري على اعتبار أن واجب تنفيذ الأحكام يتعلق بالمصلحة العامة للدولة، إلا أن الإدارة قد تمتنع عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها أو لصالحها لمصلحة عامة أخرى غير مصلحة احترام الأحكام وتنفيذها؛ وذلك لكون المصلحة العامة التي من أجلها امتنعت الإدارة عن تنفيذ الأحكام أولى بالاعتبار من المصلحة العامة المتمثلة في تنفيذ الأحكام؛ وذلك على أساس أنه يوجد تدرج فيما بينها
ان تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررًا جسيمًا بالمحكوم له، ويؤثر بالتالي على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في الجهاز القضائي.
أي قاعدة قانونية أو تنظيم يفقد سبب وجوده، إن لم يكن فعالًا ومنتجًا، فالقضاء دوره إنهاء المنازعات، وقد حذرت المحاكم من خطورة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية، لما في ذلك من زعزعة الثقة في الدولة كدولة قانون، تخضع فيها الإدارة لمبدأ المشروعية، وتلتزم بأحكام القانون، وتحترم الأحكام القضائية النهائية الصادرة وتلتزم بتنفيذها.
وتصدر محاكم الجنح والجنايات في مصر، مئات الألاف من أحكام الحبس سنويًا، وتخطر أقسام الشرطة بالأحكام لتنفيذها لكن تمر أشهر وسنوات، ويبقى أكثر من نصف الأحكام بلا تنفيذ، بحسب تقرير للأمن العام وإحصاءات للمركز القومي للبحوث الجنائية، مما يؤدي إلى ضياع حقوق ثبتت بأحكام القضاء بحسب محامين وأشخاص صدرت لصالحهم أحكام.
وبحسب مجلد العدالة (المرحلة الثالثة من 2010 إلى 2015) الصادر عن المركز القومي للبحوث الجنائية، أظهرت الإحصاءات أنّ 25,834,197 مليون حكم حبس لم ينفذ خلال الفترة من 2011 الى 2015 وهي عبارة عن 21,663,801 مليون حبس جزئي، و3,843,653 ملايين حبس مستأنف، و 326,743 ألف حكم في الجنايات.
وبلغت الأحكام المنفذة 14,190,747 مليون حكم حبس خلال الفترة من 2011 إلى 2015 وتشمل 11,578,525 مليون حبس جزئي، و2,402,225 مليون حبس مستأنف، 209,997 الف حكم جنايات.
وإن نسبة الأحكام المنفذة وفقا لما ورد في التقرير تتراوح بين 35% و 39% من إجمالي الأحكام الصادرة وهذا يدل على أن العدالة غير ناجزة، والحقوق لا تصل إلى مستحقيها، من الطبيعي، في دولة القانون، أن يكون معدل التنفيذ 100%.
إن الرقم الوارد بالتقرير ضخم جدًا وكارثي، ويعني إهدار ألاف الأحكام القضائية، وبالتالي سقوط العقوبة عن أشخاص أدانهم القضاء يشكلون خطورة على أمن المجتمع.
وفى قانون الإجراءات الجنائية المصري، تسقط العقوبة بعد مرور خمس سنوات في الجنح و٢٠ سنة في الجنايات وأيضًا في أحكام الإعدام التي تسقط بمضي ثلاثين سنة، شرط وجود المتهم داخل البلاد، لكن في حالة وجوده خارج البلاد يوقف التقادم.
وإن الأحكام تسقط بمضي المدة كل يوم، والداخلية لا تعلن أسباب سقوطها، ولا تخضع للمساءلة، لم نسمع مطلقًا عن مساءلة ضابط بقسم شرطة، عن مسؤوليته في عدم تنفيذ حكم.
إن أغلب المحكوم عليهم غيابيًا، ولاسيما في الجنح، لا يشغلون بالهم بالطعن على الأحكام، لعلمهم بتقاعس الشرطة عن ضبطهم، منتظرين مرور سنوات قليلة، لسقوط العقوبة.
ولم يحدد القانون أي مبرر يتيح لقسم الشرطة أو أي جهة حكومية عدم تنفيذ حكم قضائي، وهناك وحدة تنفيذ أحكام بكل قسم منوط بها تنفيذ الأحكام، فضلًا عن دور قطاع التفتيش والرقابة في مراقبة آليات تنفيذ الأحكام بالأقسام والتأكد من جدية مبررات عدم تنفيذها.
ونشير إلى أنه يحق للمجني عليه تحريك دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لتقاعسها عن تنفيذ الحكم، وتعويضه أيضا عما لحق به من أضرار، وذلك استنادًا إلى المادة 123 قانون العقوبات والتي تنص علي ما يلي:
يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة.
ويعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمدًا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا في اختصاص الموظف.
وفي بعض الحالات يتطوع بعض المجني عليهم لإرشاد الشرطة إلى أماكن خصومهم المحكوم عليهم لكن دون جدوى، كما وجه بعض من صدرت لصالحهم الأحكام إنذارات رسمية عبر قلم المحضرين لأقسام شرطة لدفعها للتحرك لكن دون فائدة، وتمر السنوات، وتضيع الحقوق، وتصبح الأحكام حبرًا على ورق.
ومن تداعيات عدم تنفيذ الأحكام أنها تعوق العدالة، وهى حالة من الظلم تحيق بالطرف الذي كسب القضية ويريد حقه المتنازع عليه، ويجعل الناس تلجأ إلى الطرق غير الشرعية للحصول على حقوقها، وعدم تنفيذ الأحكام يساعد على تفشى ظاهرة من أخطر الظواهر في مصر وهى ظاهرة الثأر، ولو كانت لدينا عدالة ناجزة وسرعة في تنفيذ الأحكام، لما تفشت تلك الظاهرة، رغم وجود أسباب أخرى لها، لكن عدم تنفيذ الأحكام، يعد سببًا رئيسيًا لانتشارها بمصر، خصوصًا في الأرياف.
وواحدة أخرى من أهم تداعيات عدم تنفيذ الأحكام في مصر أن تسعى أطراف الدعاوى ليس فقط لتنفيذ الأحكام بيدها، فتسود شريعة الغاب، بل الأهم هو رفض كون السلطة القضائية حكما متفقًا عليه بين العباد، فتغرق البلاد في الفوضى، مئات الألاف من الأحكام بالعقاب البدني (إعدام- سجن) وبنزع الملكية، والتعويض المالي، ورد الأموال أو الأراضي المنهوبة، ومنها ما هو متصل بالميراث والعلاقة بين المطلقين، ورد الحقوق للموظفين.. إلخ، كلها أمور يؤدى تنفيذها إلى إعمال حقيقي لدولة القانون، وكثير من البلدان المتقدمة تقدمت بسبب دولاب العدالة، وبعض البلدان الأخرى انتكست بسبب نكوس دولاب العدالة فيها، كلنا يتذكر مقولة شارل ديجول، فبعد أن عاد إلى باريس عقب الحرب العالمية الثانية سأل سؤاله الشهير عن بلاده، فأبلغ أنها في أسوأ حال، فسأل عن القضاء فعلم أنه بخير، فقال “طالما أن القضاء والعدالة في البلد بخير فكل البلد بخير”.
وفي عصر تتزايد فيه فرص الاستثمار، ومحاولة الدولة جذب استثمارات للبلاد، فإنه ينبغي أن تكون لديها قدرة فائقة على تنفيذ الأحكام فور صدورها، فالمستثمر قبل أن ينفق جنيهًا واحدًا يسأل عن المحكمة المختصة في حالة وجود نزاع، وغالبًا يشترط محاكم أجنبية حيث يوجد مقر إدارة الشركة التي يعمل من خلالها. مما لا شك فيه أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة عند تعارضهما، فالمصلحة الخاصة للأفراد دوما تأتي في مرتبة لاحقة للمصلحة العامة.
ولذلك فإن الإدارة تعمل على تحقيق المصلحة العامة؛ ومن ثم فهي تعمل لصالح مجموع الأفراد وليس لصالح فرد بعينه أو مصلحة معينة، ومن المسلمات القانونية والشرعية أن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة وتعلوها باعتبار المصلحة العامة تمثل عارض تقدم المصلحة ضرورة وقاية وحماية لمصالح أفراد المجتمع؛ ومن ثم عند التعارض تقدم المصالح . العامة على المصالح الفردية وإذا كانت المصالح العامة ليست على درجة واحدة بالمقابلة مع المصالح الخاصة؛ فإنه في نطاق المصالح العامة ذاتها نجد أنها ليست على درجة واحدة أيض؛
لذلك تثور إشكالية أية مصلحة من المصالح العامة تقدم على الأخرى وفق لمرتبة كل منها بين المصالح العامة، تطبيق لما يسمى بتدرج الصالح العام. وإذا كانت المصالح العامة تتدرج فيما بينها على وفق ما تقدم، إلا أنه تثور إشكالية أخرى تتمثل في الأسس والمعايير التي على أساسها يتم ترتيب المصالح العامة؛ ومن ثم يقوم هذا التدرج فيما بينها.
وواقع الأمر أن أغلب الأحكام التي يعيقها التنفيذ ترتبط بالمجتمع، لكون أغلب الدعاوى – ومن ثم الأحكام – في أروقة المحاكم أطرافها أفراد أو مؤسسات اجتماعية، أو مزيج بين هذين الطرفين –بعبارة أخرى – أن تنفيذ الأحكام يحتاج إلى رغبة في الانصياع طواعية لها مسبقا، بغية تنفيذها بين الأطراف التي ارتضت السلطة التي أصدرتها “السلطة القضائية” لها حكما. أطلق عليها الفقهاء جريمة استعمال سطوة الوظيفة في وقف تنفيذ أوامر الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أي عرقلة تنفيذ حكم القانون، وقد قصد المشرع منها القضاء على ما كثر منه الشكوى من الامتناع عن تنفيذ الأحكام التي تصدر من القضاء والمحاكم أو تراخيهم في تنفيذها الأمر الذي لم يكن يخضع الموظف المسئول عن التنفيذ إلا للمسئولية المدنية فقط، فجاء النص بعقوبة الحبس والعزل لكل موظف عمومي يمتنع عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضى 8 أيام من إنذاره رسميا على يد محضر –”.
أركان الجريمة: يشترط لتكوين هذه الجريمة
1ـ أن يكون الجاني موظفا عموميا.
2ـ أن يستعمل الموظف سطوة وظيفته.
3ـ أن يعمل الموظف في حدود اختصاصه، لأنه بغير ذلك لا يمكن أن يترتب على عمله أي أثر أو ينتج عنه أي ضرر.
وقضى بأن: صريح نص المادة (123) عقوبات يتناول بالعقاب الموظف العمومي الذي يمتنع عمدا عن تنفيذ الأحكام المشار إليها فيها، بعد إنذاراه بتنفيذها شريطة أن يكون تنفيذ الحكم داخل في اختصاصه، ومن ثم يتعين لتوافر الركن المادي في هذه الجريمة تحقق صفة الموظف العمومي، وكون تنفيذ الحكم داخلا في اختصاصه، فضلا عن وجوب إنذار الموظف المختص المطلوب إليه تنفيذ الحكم بالتنفيذ بعد إعلانه بالصورة التنفيذية للحكم المنفذ به.
4ـ أن يرمى الموظف إلى غرض من الأغراض الآتية الواردة فى المادة على سبيل الحصر وهي: استعمال الموظف سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة.
امتناع الموظف عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضي ثمانية أيام من إنذاراه على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا في اختصاص الموظف، ولا يشترط أن يتحقق الغرض الذي يرمى إليه الموظف من وراء استعماله سطوة وظيفته، بل يكفي أن يستعمل سطوة الوظيفة فى سبيل الوصول الى غرض من هذه الأغراض ولو لم يعمل اليه فعلا – الكلام لـ”سعد”.
عقاب الجريمة
العقوبة المقررة للجريمة في صورتيها هي الحبس والعزل، فكل من الحبس والعزل يحكم به وجوبيا على الموظف مرتكب الجريمة، رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، وتنص المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية على أن ” إذا رأت النيابة العامة في مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لرفعها بناء على الاستدلالات التي جمعت، تكلف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة.
هل يحق للنيابة العامة ندب قاضى للتحقيق في الواقعة؟
وللنيابة العامة في مواد الجنح والجنايات أن تطلب ندب قاض للتحقيق طبقا للمادة 64 من هذا القانون، أو أن تتولى هي التحقيق طبقا للمادة 199 وما بعدها من هذا القانون، وفيما عدا الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات لا يجوز لغير النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، واستثناء من حكم المادة 237 من هذا القانون، يجوز للمتهم عند رفع الدعوى عليه بطريق الادعاء المباشر أن ينيب عنه – في أية مرحلة كانت عليها الدعوى – وكيلا لتقديم دفاعه، وذلك مع عدم الإخلال بما للمحكمة من حق في أن تأمر بحضوره شخصيا.
وتنص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية على أن : ” تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضي التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعي بالحقوق المدنية، ويجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر الجلسة ووجهت إليه التهمة من النيابة العامة وقبل المحاكمة، ومع ذلك فلا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشر بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين:-
أولاَ: إذا صدر أمر من قاضي التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة.
ثانياَ: إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات. وفي النهاية على الدولة أن تتحمل تعويض الضحايا، عن الأحكام الصادرة لصالحهم التي سقطت بمضي المدة، لأنه نتاج إهمال وزارة الداخلية في تنفيذها، كما يجب عليها ان تجد آلية لتنفيذ الأحكام بما يضمن أحقاق الحق وإرساء العدالة وتطبيق النصوص وتنفيذ الأحكام ووجوب تحري العدالة بين المتقاضين.
فى حكم تاريخى لاول مرة فى تاريخ القضاء المصرى ارست محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية قاعدة صلبة للحكم الرشيد وحددت المحكمة مسئولية رئيس الدولة دستوريا تجاه عدم تنفيذ الأحكام القضائية، وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين عوض الملهطانى وخالد جابر وأحمد درويش نواب رئيس المجلس بإلغاء قرار الحكومة بالامتناع عن تنفيذ حكم القضاء الإدارى الصادر لصالح أحد النقابيين بنقابة المعلمين ضد وزارة التربية والتعليم والصادر بمنحه مرتبه والمكافآت التى حرم منها أثناء أداء عمله النقابى وكان يعمل بوكالة وزارة التربية والتعليم بالإسكندرية.
وقالت المحكمة إن عدم تنفيذ الأحكام القضائية من أية جهة أو سلطة فى الدولة يمثل إخلالا جسيما بمبدأ الفصل بين السلطات وهى مسئولية رئيس الجمهورية فى المقام الأول إذ يتوجب عليه بمقتضى المادة 132 من الدستور الجديد باعتباره حكما بين السلطات أن يأمر بتنفيذ هذه الأحكام ولا يجوز له أن يتنصل من هذه المسئولية التى ألقاها على عاتقه المشرع الدستورى أيا كانت المبررات، فواجبه رعاية الحدود بين السلطات واحترام السلطة القضائية وتنفيذ أحكامها وصون استقلالها هى أولى مسئوليات رئيس الجمهورية وأدق التزاماته وهى تتواكب مع التزامه برعاية مصالح الشعب والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه فذلك هو المعيار الرئيسى الذى يجب أن يترسخ كأثر من مقتضيات الحكم الرشيد.
وأضافت المحكمة أن مبدأ استقلال القضاء واحترام أحكامه وتنفيذها بات ركنا جوهريا فى أى نظام ديمقراطى وأن عدم تنفيذ الأحكام القضائية يوصم نظام الحكم بالاستبداد، ومن ثم كان يتوجب على النظام الحاكم الجديد ألا يتغافل عن تنفيذ الأحكام القضائية، وأن يستوعب درس الشعب المصرى الذى علمه للعالم أجمع. ذلك أن أى تنظيم قضائى يفقد سبب وجوده إذا لم يكن فعالا وتنفذ أحكامه.
فإذا كان القضاء يضع حدا للمنازعة عندما يصدر حكما يحوز حجية الشىء المحكوم فيه فإنه يتعين تنفيذ هذا الحكم وإلا لما قامت فى البلاد الحاجة إلى خدمات القضاء والعدل، وليس أشد خطرا على البلاد من إهدار أحكام القضاء، والامتناع عن تنفيذها هو امتهان للسلطة القضائية، فالقوانين تصدر لتسود ولا سبيل لسيادة القانون إلا أن يطبقها القضاء وآية ذلك أن المادة 74 من الدستور الجديد تنص على أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، واستقلال القضاء وحصانة القضاة ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات.
وأضافت المحكمة أنه قد تلاحظ لديها وهى جزء من نسيج هذا الوطن أن عدم تنفيذ أحكام القضاء الإدارى من بعض جهات الإدارة إنما يمثل انتهاكا صارخا للشرعية الدستورية إذ تضرب الدولة أسوأ المثل للمتقاضين بالتهرب من تنفيذ الأحكام، مما يشيع معه بين صفوف الناس منهج اللا شرعية مادامت السلطة العليا فى البلاد لا تقيم وزنا لها فتسرى العدوى فى المؤسسات والمصالح وتصبح الاستهانة بالشرعية نموذجا سيئا للتعامل فى مصر
وينتشر الإحساس بأنه لا قيمة للدستور أو القانون أو القضاء وتتحول مع ذلك سلطات الدولة. والثوابت الدستورية ونصوص القانون إلى رماد وكان من نتاج كل ذلك اندلاع ثورة الشعب فى 25 يناير 2011 للقضاء على كافة مظاهر الفساد وعلى قمتها عدم احترام أحكام القضاء وإهدار تنفيذها، وهو ما يلقى على رأس النظام الحاكم الجديد عبئا كبيرا إزاء مسئوليته أمام الشعب للقضاء على تلك المفسدة حتى لا تدور الدوائر يوما. فالكل لدى القانون سواء دون الاحتماء بأية حصانة تعصم من المساءلة إزاء الامتناع عن تنفيذ الأحكام بحسبانه خرقا دستوريا جسيما وخطيئة كبرى يجب ألا يحتمى مرتكبها بثمة حصانة، فاستعمال السلطة يجب أن تكون متدثرة بعباءة الحماية القانونية للحقوق وحينئذ تكون الثورة قد أتت ثمارها، فمن ظن أنه فى مأمن من المسئولية والعقاب فقد غاب عنه أنه لا توجد سلطة مطلقة من أحكام القانون إذا مالت وجنحت إلى غير الحق