يعد العنف ضد المرأة ” ظاهرة كمية ذات حجم ملحوظ في أوساط المجتمعات البشرية كافة بغض النظر عن انتماءاتها الدينية أو القومية أو السياسية أو حتى الحضارية ، فهي ظاهرة كونية تنتشر في جميع البقاع الجغرافية الكونية في أي مكان على ارض كرتنا الأرضية ، وهي ظاهرة تاريخية حيث تمتد زمنياً إلى عمق التاريخ البشري وانبثاق المجتمع البشري وتكوين الأسرة الإنسانية باعتبارها الوحدة الأساسية لبناء المجتمع”
تعد المرأة أساس التنمية المستدامة وتنوع الحياة والأدوار في الأسرة والمجتمع، فهي الزوجة، والأم، والمسؤولة، ومديرة دخل الأسرة، عدا عن أنها رائدة الأمة، حيث تشكل النساء نصف عدد سكان العالم، وما تُقدر نسبته كذلك 50% من الموارد البشرية، وهي مورد بشري يتمتع بإمكانيات كبيرة، وتشير بعض التقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن ما تُقدر نسبته 30% من النساء في جميع أنحاء العالم قد تعرضن للعنف بأشكاله المختلفة، والذي يمكن أن يؤثر سلبًا على صحة المرأة الجسدية، والعقلية، والإنجابية
وأكدت الأدبيات والنظريات الاجتماعية والكتابات المتعلقة بالتكوين الأسري بأن ” الأسرة هي أول مؤسسة اجتماعية يتعامل معها الفرد ،ولها تأثير بالغ في رسم الإطار العام لمعالم الشخصية وتلعب هذه المؤسسة دوراً حيوياً ومهما في التنشئة الاجتماعية فإذا فقد لبت الأسرة لأفرادها حاجاتهم ورغباتهم وكان نظام الحياة داخلها يسير بشكل طبيعي ، وكانت علاقات أعضائها مع بعضهم البعض عنوانها المحبة والتفاهم والاستقرار ، فكانت الحياة الأسرية خالية من التعقيدات والخلافات ونمت شخصية الفرد وشقت طريقها نحو الاتجاه السليم وبالتالي نجد أن الفرد يصبح أكثر مرونة وأكثر قابلية للتكيف والتوافق الاجتماعي “
بينما إذا اضطربت العلاقة بين الأم والأب ونشبت النزاعات الأسرية داخل الأسرة الواحدة تحولت هذه الأسرة إلى مرتع خصب للمشاكل وبيئة مهيأة للاضطرابات خصوصا إذا صاحبها سلوك العنف أو بعض السلوك العدواني بأنواعه وترى الدراسات النفسية المتخصصة بأن العدوان هو ” توقيع العقاب على الغير أو عقاب الذات أو رمز لها ، والعدوان قد يكون مباشراً أو غير مباشر ، بالجسم أو باللفظ أو بالنقد أو بالتهديد أو بالعصيان .
وتؤكد الدراسات النفسية أيضاً أن العدوان وسلوك العنف في الأعم الأغلب مصحوب بشحنة انفعالية غاضبة وينشأ نتيجة إحباط فعلي أو توقع له يهدد أمن الفرد . والفرد يمكن أن يعتدي ويسرف في اعتدائه مداراة لشعور بالنقص سواء كان حقيقياً أو موهوماً ، أو قد يعتدي توكيداً لذاته ، وإعلاناً عن وجوده ، أو لدرء عدوان متوقع عليه . فالفرد المحبط يعتدي ولكن العدوان نفسه قد يقع له إحباط ، هنا يكون العدوان المزاح ، ويزاح إلى آخر وهو الأضعف وهي الزوجة أو الأبناء . وفي أدبيات علم النفس والتحليل النفسي فإن الإزاجة هي ميكانزم دفاعي يتم اللجوء إليه حينما يتعرض الفرد إلى مواقف حياتية ضاغطة ، وللعدواني أيضاً ميكانزمات دفاع أخرى هي : النقل والإسقاط .
هناك الكثير من ألوان العدوان “العنف” غير المباشر ، وخاصة في ثقافات بعض المجتمعات حيث يتخذ العدوان صورة إبداء بعض الملاحظات أو الإشارات أو الانتقادات الجارحة نحو الشخص ، كما أن هناك نوعاً من العدوان يتخذ من الناس الأبرياء هدفا لتفريغ المشاعر العدوانية . ويمكن أن نطلق على هذا اللون من العدوان غير المباشر “النقل أو الإزاحة أي توجيه الانفعالات أو الاستجابات العدوانية إلى مثيرات أخرى غير المثيرات الأصلية
ومثال ذلك فقد يوبخ الزوج في العمل فينقل هذا اللوم والتوبيخ إلى زوجته ، أو قد تحضر إحدى المدرسات إلى المدرسة صباحا بعد مشادة قامت بينهما وبين زوجها فتفرغ مشاعرها العدوانية في أطفال الصف الدراسي الذين تدرسهم .
رغم أن أسباب العنف ضد الزوجة كانت وما زالت تأخذ أبعادا متنوعة ومختلفة بحسب المجتمع والحضارة السائدة في ذلك المجتمع وقيمه ، فيمكن أن نجمل الأسباب حسب ما توصلت له الباحثة من خلال خبرتها الميدانية فضلا عن الإجراءات التطبيقية لهذا البحث واحتكاكها المباشر بالنساء المعنفات وجدت ما يلي :
•المحور الأول : المتعلق بأنواع العنف الموجه ضد الزوجة وهو العنف اللفظي ، العنف البدني ، العنف النفسي ، والعنف الجنسي ، والعنف الاقتصادي ، وهذا التنوع للعنف يتراوح بالشدة حسب المواقف وشدة الأزمات من جهة ، ومن جهة ثانية مدى تقبل الزوجة نفسها لهذه الأنماط المتعددة والمتنوعة من العنف ، فأحيانا يكون العنف الاقتصادي الموجه ضده سببا رئيساً للعنف النفسي ، أو عاملا قويا لهجرها في الفراش وإهمالها إهمالا كاملا بسبب عدم استجابتها لمطالبه الشخصية بالاستحواذ على مدخراتها المالية أو راتبها .
•المحور الثاني: المتعلق بأسباب العنف ومنها : العامل الاجتماعي مثل كيفية حدوث الزواج ، العلاقات الواسعة للزوج أو الزوجة واختلاف وجهات نظرهما بخصوص تنظيم العلاقات الاجتماعية مع الأطراف الأخرى . وكذلك وجود عامل آخر هو العامل الثقافي ، أي التفاوت الواضح بين المستوى التعليمي والمؤهلات الدراسية لكل منهما ،
وأخيرا عامل العمر ، أي طول فترة الزواج أو قصره ، أي المدة الزمنية للحياة الزوجية فضلا عن انتقال الزوجة إلى المجتمع الأوروبي فجأة من مجتمعات منغلقة نسبيا أو مختلفة تماما في قيمها ونظرتها للمرأة وتبعيتها الدائمة له حسب أعراف المجتمعات السابقة . ورغم أن هذا التبرير يصدم بجانب حضاري آخر وهو أن النساء الأوروبيات يتعرضن للعنف أيضاً في دول العالم المتحضرة ومنها السويد والدول الاسكندنافية وان اختلفت الأسباب المؤدية للعنف لدى الزوجة العربية عنها لدى المرأة الغربية .
يعد العنف ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في العالم، ويحدث كل يوم مرارًا وتكرارًا في كل مكان في العالم على الرغم من حجم تأثيره الكبير على حياة الأفراد والأسرة والمجتمع ككل، وفيما يلي توضيح لأشكال وأنواع هذه الآفة، وما يندرج منها من سلوكيات وممارسات العنف المنزلي: ويطلق على هذا النوع مصطلح آخر وهو عنف الشريك، حيث يُعد نمطًا من السلوك يستخدم للحفاظ على السلطة والسيطرة من قبل شريك الزوجة، وتشمل جميع السلوكيات الجسدية، والجنسية، والعاطفية، والنفسية، أو أيّ تهديدات بأي أفعال قد تؤثر على الزوجة، ويعد هذا النوع أحد أكثر أشكال العنف شيوعًا في العالم.
العنف الاقتصادي: ويقصد بهذا النوع جعل المرأة أو المحاولة في جعلها معتمدة ماليًا غير مستقلة من خلال السيطرة التامة على الموارد المالية، وحجب حصولها على المال، أو منعها من الذهاب إلى الدراسة أو العمل.
العنف النفسي: يتضمن هذا النوع إثارة الخوف من خلال الترهيب؛ كالتهديد بالإيذاء الجسدي، أو تهديد المرأة بإيذاء أطفالها أو شريكها إن لم يكن هو الجاني، أو تدمير ممتلكاتها، أو إجبارها على الانعزال عن عائلتها أو أصدقائها أو زملائها في العمل.
العنف العاطفي: يعمل هذا النوع على هدم إحساس المرأة بقيمة ذاتها من خلال النقد المستمر، والتقليل من شأن قدراتها، أو إطلاق الشتائم عليها والإساءة بها لفظيًا، أو الإضرار بالعلاقة بينها وبين أطفالها من خلال منعها من رؤيتهم.
العنف الجسدي: يشمل هذا النوع من العنف إيذاء المرأة أو محاولة إيذائها عن طريق الضرب، أو الركل، أو الحرق، أو القرص، أو الدفع، أو الصفع، أو نتف الشعر، أو العض، أو الحرمان من الرعاية الطبية، أو استخدام أي القوة بدنية أخرى.
العنف الجنسي: يتضمن العنف الجنسي إجبار المرأة على المشاركة في فعل جنسي لا توافق عليه.