من المؤسف حقيقة أن لا يكون للنفسيين والعاملين بمجال تقديم الخدمات النفسية نقابة تجمعهم ، وإطار تنظيمي اداري فني يشكل اطارا طبيعيا ينظم كيفية عملهم ، لقد ترتب على هذا الوضع المزري العديد من السلبيات بعضها فني يتصل بطبيعة ومضمون مايقدم من خدمات نفسيه، وابتعاد تلك الخدمات المقدمة في الكثير من الاحيان، عن جوهر العلوم النفسية ورصانتها ومنهجيتها والبعض الاخر مايتصل بالاثار السلبية المجتمعية التي قد تلحق بالمستهدفين الحقيقين لهذه الخدمات، مما يؤثر بطبيعة الحال على جموع الرأي العام… ولكي لا نغرق في التنظير والاسترسال في لغة لا يفقهها غير المتخصصين في مجال الخدمات النفسية،دعونا نضع امام المعنيين من المسؤليين عن هذا الملف عدة اشكاليات، سنراعي في طرحها وعرضها ، ما اعتدنا عليه كباحثين منهجين.. من حيث عرض الإشكالية ومظاهرها ، ثم الانتقال بعدها لطرح تصورنا الاجرائي لكيفية المواجهة والتصدي لها بالحلول الممكنة…
(الإشكالية الاولى)
من المؤكد ان جميع المهن والوظائف التي تمارس داخل اي مجتمع ولها علاقة مباشرة او غير مباشرة بالأفراد ، لابد لهذه المهن من وجود عدة ضوابط ومعايير تحكمها وتمثل بدورها الاطار العام، الذي يمكننا من خلاله ، مدى التزام الشخص المهني باداء واجباته الوظيفية المنوط به القيام بها ، او مدى خروجه وانحرافه عنها، ايذانا بتفعيل كل لوائح الثواب والعقاب من قبل الجهات المعنية، التي نجدها في مايطلق عليه اللوائح والارشادات التي تحكم ممارسة تلك المهنة ومزاولتها وانطلاقا من تلك الاشكالية الأولى التي تمثل في اعتقادنا ابسط البديهيات التي لا تحتاج منا الى كل هذا العناء لتوضيحها والتدليل عليها، سنطرح سويا ما يحدث بالفعل من ممارسات تحدث في مجال تقديم الخدمات النفسية ، للتدايل على حالة الانفلات وانعدام الرقابة، التي تمارس تحت مظلة الخدمات النفسبة، وتستوجب سرعة تحرك الجهات المعنية، ابسطها وحدها الادنى ضرورة وجود نقابه نفسية لمتابعة مدى مشروعية كل مايمت للخدمة النفسية من ادوار، تكون بمثابة الحاكم الرقيب على مضمون ونوعية ما يقدم ، وكذلك الاطمئنان لمدى كفاءة وقدرة من يقدمون بدورهم تلك الأدوار والخدمات المهنية النفسية،
وبادئ ذي بدء لابد من التاكيد منذ البداية على أن الطبيب النفسي خريج احد كليات الطب، ينتمي بحكم تخصصه العلمي والعملي الدقيق لنقابة الاطباء، ومن ثم يخضع في كل ادواره وممارساته سواء المتخصصة او الاخلاقية لها…شأنه في ذلك شان زملائه من الاطباء الأخرين، أما بقية الخدمات النفسية الأخرى من خريجي كليات الآداب والتربيه والذين يمارسون على ارض الواقع العديد من الادوار النفسيه قياسا وارشادا وعلاجا،فلا نجد للأسف لهم نقابة تنظم عملهم حتى وقت كتابة هذه السطور ،مع أن اقرانهم من خريجي أقسام الاجتماع بكليات الآداب والتربية والبنات وكليات ومعاهد الخدمة الإجتماعية يمكنهم الإنضمام لنقابة الاجتماعيين ومن ثم خضوعهم علميا ومهنيا وتنظيميا لهذه النقابة، إن عدم وجود نقابة للنفسين جعل مهنة الاخصائي النفسي سواء دوره في عمليات التشخيص بشقيه الكيفي والكمي
( القياس والتقويم النفسي)، او دوره كمرشد نفسي، أو دوره كمعالج فردي وجمعي ،أو دوره كمعدل للسلوك والاتجاهات، او دوره البحثي مستباح لغير المتخصصين أساسا في مجال علم النفس، مستغلين ومنتهزين فرصة عدم وجود تنظيم قانوني نقابي يحكم تلك المهنه وكل مؤشرات الواقع تشير بشكل صارخ الى التعدي الواضح على هذا التخصص الممعن في الخصوصية من قبل أفراد غير مؤهلين أساسا بحكم دراستهم الأكاديمية الجامعية الأولى للقيام بمثل هذه الأدوار والمهام و الخدمات النفسية المتخصصة
إذ يكفي أحدهم من غير المتخصصين حضور برنامج أو دورة تدريبية متخصصة من قبل المراكز الخاصة المنتشرة في ربوع المحروسه، التي لا تراع نوعيه تخصص الدارسين في تلك البرامج، لكي ينصب نفسه بعدها دون خفاء او مواربه معالجا ومرشدا ومقيما و مطبقا للمقاييس والاختبارات السيكولوجية الدقيقة ومعدلا للسلوك وللتخاطب وكافة خدمات زوي الحالات الخاصةدون أدنى توجس او خوف من عقاب اومسائله ، ولسنا هنا بالقطع في معرض عرض مدى كم وكيف المخاطر التي يمكن أن تلحق بالمستهدفين بتلك الخدمات، بل والمجتمع بأسره من جراء كل هذا التعدي الصارخ على علم النفس بكافة روافده من قبل غير المتخصصين ،وبداية علينا أن نعترف صراحه ودون أدنى تردد إلى أن أول أسباب هذا الانفلات والإهتراء في مجال تقديم الخدمات النفسية يرجع الى انعدام وجود تنظيم قانوني مهني متخصص يتولى تنظيم كل هذا الانفلات العلمي والاخلاقي ( النقابة )
(الإشكالية الثانية)
إذا كنا قد تعرضنا في الإشكالية الأولى لضرورة وقف نزيف الاعتداء والسطو الواضح من قبل غير المتخصصين على مجال تقديم الخدمات النفسية التي يقدمها الاخصائين النفسيين من خريجي كليات اقسام علم النفس بكليات الآداب والتربية ،ومن ثم مشروعية المطالبه بالحق المشروع بإنشاء وتأسيس كيان لهم ( نقابة)
فإن الاشكالية الثانية تنطلق هذه المرة من داخل تخصص الخدمات النفسيه ذاته وليس من خارجه، فوجود نقابة للنفسيين سيساعد ويسهم في متابعة مدى التطور والتقدم العلمي المهني الذي يعتمد عليه الاخصائي النفسي إبان تقديمه لممارساته المهنيه واقعيا وتطبيقيا، فمن غير المقبول ولا المعقول الإعتماد على مجرد منطوق التخصص الجامعي فقط، كمسوغ واشارة مرور لتعامل الخريج عقب تخرجه للقيام بأدواره الإرشاديه والعلاجيه
دون الاطمئنان لمدى كفائته ورصانته العملية ، ولا شك أن وجود نقابة للنفسيين تضم بين طياتها أساتذة متخصصون في مجال تقديم الخدمات النفسية، سيساعد بدوره في متابعة مدى تطور الأخصائيين النفسيين العاملين في المجال، ومن ثم وضع وصياغة الضوابط المهنية والتنظيمية ( دورات وبرامج وورش العمل ..الخ)التي تضمن بدورها حسن تقديم الخدمة النفسيه على أعلى مستوى ممكن من الكفاءة المهنية ، وعلاوة على هذا الهدف المهني السامي يأمل أهل التخصص من العاملين في مجال الخدمات النفسية من نقابتهم المنشودة والمتوقع اشهارها دورا اجرائيا آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو السعي بالتعاون مع الجهات النيابية والتشريعية القانونية لوضع جملة التشريعات اللازمه والحاكمة لكل الواجبات والادوار المرتبطه بتقديم الخدمات النفسية حتى يسهل تطبيق الجزاء في حال الخروج عن المعايير والمحكات التشريعية المنصوص عليها
( مهنيا/ اخلاقيا)
(الإشكالية الثالثة)
إن وجود نقابة للنفسيين سيدعم بدورة الاستراتيجيات الخاصة بالدولة في شتى مناحي الحياه، فالخدمات النفسية لا تقف مهمتها عند حد مساعدة الأفراد المضطربين( نفسيا،عقليا،سلوكيا،شخصيا) فقط ، فهذا يمثل احد الروافد التطبيقية لعلم النفس، اما بقية الخدمات النفسية الاخرى قد نجدها ترتبط ارتباطا وثيقا بكل نشاطات وجوانب المجتمع، علم النفس السياسي، علم النفس الصناعي، علم النفس العسكري، علم النفس الاعلامي،علم النفس التربوي..الخ، كل هذه التخصصات وغيرها الكثير من فروع علم النفس التطبيقي ،يمكنها من خلال نقابة النفسيين تقديم خدماتها النفسية العلمية المنهجية الدقيقة
ومن ثم مساعدة صانع القرار المجتمعي على كافة المستويات من ضمان حسن صياغتة واصداره لقراراته المعنية ..القائمة على المؤشرات البحثية المنهجية الدقيقة
(الإشكالية الرابعة.)
إذا استثنينا كل هده الإيجابيات العديدة والمتنوعة السابقة المرتبطة بأهمية وضرورة إشهار نقابة للنفسيين ، فهناك هدف اخر لا يقل في اعتقادنا اهمية عن سابقية، يتمثل في جملة الاشباعات النفسية المرتبطة بالإنتماء لكيان مهني، يحقق أمال وطموحات كل العاملين في مجال تقديم الخدمات النفسية( مهنيا وانسانيا ومجتمعيا) أسوة بقرنائهم في نقابات الأطباء والمهندسين والمعلمين والمحاميين
ختاما…
نعتقد جازمين أن كافة المسؤلين والمعنيين بإصدار وتيسير إجراءات إشهار مثل هذا الأمل المرتقب سواء من أهل التخصص ومن المسؤلين التنفيذيين على درايه وعلم ومعرفة ووعي بأهمية كل المقدمات التي سبق طرحها في صورة اشكاليات، ونحن جميعا كنفسيين عاملين في هذا المجال شديد الأهمية للفرد والمجتمع على السواء يحدونا الأمل وفي انتظار تحقيق النتائج الملموسه والاجرائية المرتبطة بتلك المقدمات..
والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل
أستاذ علم النفس
بكلية الآداب جامعة عين شمس