قامت دولة إسرائيل على الدم، ارتكبت العصابات الصهيونية آلاف المذابح ضد المدنيين الفلسطينيين الآمنين، وطردتهم من بيوتهم وقراهم، وصادرت ممتلكاتهم ومزارعهم، ليحل محلهم فيها المهاجرون اليهود من شتى بقاع الأرض، ولم تسلم المقدسات الإسلامية والمسيحية من جرائمها، هذه حقائق يعرفها القاصى والدانى، ومع ذلك كان حلفاء إسرائيل فى أوروبا وأمريكا يخدعون العالم بأنها واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط، لمجرد وجود ديكورات للديمقراطية على النموذج الغربى فى هذه الدولة الدموية المصطنعة، الآن تتكشف الأمور أكثر وأكثر، مع وجود حكومة المتطرفين الإرهابيين، التى تنزع عن دولتهم القناع الزائف، ليعرف المخدوعون حقيقتها وحقيقتهم.
فى الأسبوع الماضى نشرت صحيفة ” الجارديان” البريطانية مقالا بعنوان: ” هل تقف الولايات المتحدة ساكنة بينما إسرائيل تتحول إلى دولة مستبدة ؟ “، وبقدر مايحمل المقال من معلومات عن تآكل مظاهر الديمقراطية الزائفة فى إسرائيل على يد حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، بقدر مايطرح من أسئلة؛ فمتى كانت إسرائيل دولة ديمقراطية؟ ومتى كانت تحترم حقوق الإنسان، أو تلتزم بالقانون الدولى، أو حتى بالقانون الذى وضعته لنفسها؟
يقول كاتب المقال إن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تسير على خطى الأنظمة المستبدة، وتعمل على وضع يدها باسم الشعب على القضاء والهيئات المستقلة كالإعلام، ولكن ما يثير الدهشة ـ حسب الكاتب ـ أن الولايات المتحدة التى لايمل سياسيوها من التشدق بديمقراطية إسرائيل يقفون وقفة المتفرج على حكم الاستبداد الذى يؤسس له نتنياهو، وتتعاون مراكز الأبحاث اليمينية الأمريكية والإسرائيلية مع المثقفين المدافعين عن الانقلاب الدستوري الذى يقوده نتنياهو من أجل إقناع الرأي العام الأمريكي بأن التعديلات المقترحة فى القوانين، التى تسمح بتدخل الحكومة في القضاء لها نظير فى الأنظمة الديمقراطية.
وفى الغالب لن بستطيع السياسيون الأمريكيون انتقاد حكومة نتنياهو حتى لايتهموا بالعداء للسامية، كما أن اليمين الإسرائيلى المتطرف لن يقبل منهم أي تدخل، لكنه سيقبل فقط وبكل سرور مساعداتهم المالية السخية.
وقد جاء هذا المقال تعليقا على تعديلات جديدة اقترحتها حكومة نتنياهو بحجة ” إصلاح النظام القضائى “، وتستهدف فى الأساس الحد من صلاحيات المحكمة العليا، والسماح للبرلمان بإعادة سن القوانين التي استبعدتها المحكمة، وسيطرة الحكومة على تعيين القضاة، والسماح للوزراء بتعيين المستشارين القانونيين لوزاراتهم، والقضاء فعلياً على الإشراف القضائي على الحكومة.
لكن هذه التعديلات المقترحة لم تمر بسهولة حتى الآن، وإنما أثارت عاصفة من الاحتجاجات ضد الحكومة فى الداخل والخارج، وتظاهر ضدها أكثر من 80 ألفا فى تل أبيب وغيرها من المدن، وعارضها قضاة سابقون في المحكمة العليا، ومدعون عامون، وأعضاء هيئات التدريس، واقتصاديون كبار، والعديد من الإسرائيليين الحائزين على جائزة نوبل، كل هؤلاء اعتبروا التعديلات انقلابا دستوريا، وضربة قاتلة للديمقراطية، كما حذرت مصارف كبرى وشركات رائدة فى التصنيف الإئتمانى إلى أنها ستضر بالتصنيف الائتماني الدولي لإسرائيل، وتؤثر على الاستثمارات الأجنبية القادمة إليها.
ويواجه نتنياهو أيضا ضغوطاً من واشنطن، التي أعربت عن قلقها العام من التغييرات القضائية المزمعة على لسان أنتونى بلينكن وزير الخارجية والرئيس الأمريكي جو بايدن.
الغريب أننا لم نسمع شيئا من هذا الصخب عندما أقرت إسرائيل الأسبوع الماضى قانونا لسحب الجنسية من الفلسطينيين المدانين فى عمليات للمقاومة، والذين يحصلون على مساعدات مالية من السلطة الفلسطينية، وتجريد سكان القدس الشرقية المحتلة العرب من حقوقهم في الإقامة، بتهمة خيانة دولة إسرائيل.
لم تخرج اعتراضات قوية ضد هذا القانون التمييزى العنصرى داخل إسرائيل أو خارجها، رغم أنه مأساوي، سوف يسهم فى تشربد المزيد من الفلسطينيين، ويتركهم بلا جنسية، كما أنه ينتهك القانون الدولي الذى يقر حق الشعوب المحتلة فى المقاومة بكل الوسائل، وبالطبع لن يطبق على الإسرائيليين اليهود المدانين بارتكاب هجمات ضد الفلسطينيين، أو مدانين فى جرائم خطيرة أخرى، وعلى سبيل المثال عندما قام الإرهابى إيجال عامير باغتيال رئيس وزراء اسحاق رابين لم يتم إلغاء جنسيته.
هذا القانون وحده كفيل بدمغ دولة إسرائيل بالاستبداد والعنصرية، فما من دولة فى العالم تأتى بمثل هذه التشريعات المهينة، لتقضى بها على شعب عريق، يقاوم المحتل بكل بسالة، لكى ينال حقه فى الحرية والعيش الكريم، وسوف يناله إم عاجلا أو آجلا.