بعيدا عن صخب المتقافزين بجهل على أكتاف التراث الإسلامى يعد الدكتور حسن حنفى أستاذ الفلسفة الإسلامية ـ رحمه الله ـ أشهر من كرسوا حياتهم لنقد التراث والدعوة إلى تجديده، وألف فى ذلك العديد من الكتب أهمها ” التراث والتجديد”، ” موقفنا من التراث”، ” الوحي والواقع”، ” من النقل إلى الإبداع “، “من النقل إلى الثورة “، و “من العقيدة إلى الثورة “.
كان الدكتور حسن حنفى أستاذا لى فى كلية الإعلام جامعة القاهرة فى عام التخرج، وكنت من المبهورين بشخصيته المغايرة للمألوف، خاصة حين يحدثنا عن إنجلز وماركس ولاهوت التحرير والعقل والنقل وتوظيف التراث واليسار الإسلامى والاستغراب المقابل للاستشراق، وما إلى ذلك.
وعلى مدى سنوات طوال بعد التخرج جمعتنا لقاءات ثقافية متباعدة، إلى أن كان آخر لقاء لنا بمقر الجمعية الفلسفية فى نوفمبر 2020، قبل وفاته بحوالى عام، حيث توفى فى أكتوبر 2021، كنت بصحبة صديقى الأستاذ سيد حسين رئيس تحرير ” كتاب الجمهورية ” الأسبق ومجموعة من الباحثين والمهتمين فى جلسة مناقشة لآخر كتبه ” التفسير الموضوعى للقرآن الكريم “.
فى هذا اللقاء لم أكن مبهورا بما قدم الدكتور، بل مشفقا عليه من كم الأخطاء التى وردت على لسانه وهو يقدم مقتطفات من كتابه الضخم ( 1089 صفحة)، الذى قال إنه يتوج به مشروعه الفكرى، فقد صدمنا بما تضمن من تأويل فاسد لبعض الآيات، وتفسير خاطئ لبعض المفردات، وفهم مغلوط لبعض السياقات القرآنية، و تحميل الآيات بدلالات متعسفة لا تحتملها، وهو ما أكد اقتناعى بأن معظم مثقفينا الذين تخصصوا فى نقد التراث لايحسنون قراءة التراث، ويتعالون عليه، فما بالك إذا كان ما يخوضون فيه هو القرآن الكريم؟
من حسن الحظ أن كان برنامج الجلسة النقاشية يتضمن عدة دراسات نقدية حول الكتاب قدمها أساتذة متخصصون، منهم د. خالد فهمى الأستاذ بجامعة المنوفية، ود.إبراهيم عوض الأستاذ بجامعة عين شمس، ود. وجيه محمود أحمد الأستاذ بجامعة المنيا، كما كانت هناك دراسة للدكتور عرفات عثمان الأستاذ بجامعة الأزهر فرع طنطا، ركزت على الأخطاء المتعلقة بطريقة قراءة الدكتور حسن حنفى للقرآن وفهم معانيه، ناهيك عن تفسيره، وهو ما أظنه مؤشرا على الكيفية المغلوطة التى قرأ بها التراث.
ولضيق المساحة سوف أكتفى بتقديم نماذج مما تضمنته هذه الدراسة للأخطاء اللغوية التى وقع فيها الدكتور حسن حنفى، متجنبا الخوض فى الأخطاء العقدية والمنهجية، ومن أوضح هذه الأخطاء:
ــ القول بأن ” لوط ” هو الذى أتاه الله بسطة فى العلم والجسم، وليس طالوت.
ــ الخلط بين الحس بكسر الحاء، بمعنى ” الشعور “، والحس بفتح الحاء بمعنى القتل، وذلك فى قوله تعالى ” إذ تحسونهم بإذنه “.
ــ الادعاء بأن فعل ” يخدع ” يعنى وقوع الخداع مرة واحدة، أما ” يخادع ” فيعنى وقوع الخداع عدة مرات، وهو تفريق لا تدل عليه كتب التصريف فى معانى صيغ الزيادة فى الأفعال.
ــ وضع ” النفير” تحت لفظ ” النفور”، مع أن المعنيين مختلفان تماما.
ــ الويل الذي ينادي به الظالمون على أنفسهم: ” يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ” صار عند الدكتور: ” الويل لهذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها“.
ــ قوله إن ” السلوى” فى القرآن دائما بمعنى الفداء وتطييب الخاطر والمشاركة الوجدانية، وهي باستمرار مقرونة بالمن والطعام المنزل من السماء”، فهل هذا معنى السلوى في القرآن؟
ــ تفسير لفظ “باخع” بمعنى ” الإصرار” ، وهو معني بعيد عن معنى البخع في اللغة، وفي السياق القرآنى، إذ هو بمعنى الإهلاك.
ــ فهم كلمة ( أمه) في قوله تعالى: ” وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ” على أنها الوالدة، ثم يقول الدكتور مستنكرا: “إذا كانت المسؤولية فردية فلم إدخال الأم النار؟”
ــ العاديات هي الخيل، المشتق لفظها من العدو، أي الجري، لكن الدكتور جعل اشتقاقها من العدوان، حيث يقول : ” ونظرا لأهمية العدوان فإنه يقسم بالعاديات“.
ــ آيات الإعداد التي وردت بصيغ: (أعتدنا لهم، أعتدت لهن، وأعتدنا للكافرين، أعتدنا للظالمين) كلها بمعني التهيئة، لكن الدكتور فسر المادة كلها على معني الاعتياد والتعود، فقال: ” الاعتياد: يعني الإتيان بفعل كان في البداية قصديا ثم أصبح بعد ذلك بفعل التكرار طبيعيا “.
ــ (الهيم) هي الإبل العطشى التي يتشبه بها الكفار في شربهم، صار معناها عند الدكتور: “وجدان أصحاب النار”، حيث يقول: ” فالشعراء يهيمون أي يجولون بالفكر والخيال، أما أهل النار فشرابهم الهيم تثبيت للقلب والفؤاد.”
ومن العجيب أن يقدم الدكتور حسن حنفى على عمل موسوعى بحجم ” التفسير الموضوعى للقرآن الكريم ” مع قلة أو عدم اطلاع على كتب التفسير بكل اتجاهاتها وألوانها، وقد أقر هو بذلك، مما أوقعه في كثير من الخلط والخطأ، ومن العجيب أكثر أن يعترف بأنه اعتمد فى تأليف كتابه على بعض الأمثال العامية والأغاني الشعبية، ويساوى بينها وبين النصوص الدينية، مشيرا إلى أن ” بها نفس التناقض الذي يبدو أحيانا في النصوص الدينية، إذ أنها تثبت الشيء ونقيضه، ويستطيع الإنسان أن يختار منها ما يوافق هواه كما يفعل مع النصوص الدينية “!!
إذا كان هذا ما فعله الدكتور حسن حنفى مع القرآن الكريم وهو نص مقدس، فكيف تعامل مع نصوص التراث الأخرى غير المقدسة؟ وإذا كان هذا هو نموذج الكيفية التى تعامل بها مع التراث، وهو الأستاذ الرائد، فكيف بالصبية الذين ساروا على دربه؟!