فمع انتشار جائحة كورونا حول العالم انعدم الأمن الغذائي في البلدان الأشد فقرًا والأكثر ضعفًا. فوفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، سقط ما يصل إلى 96 مليون شخص من 54 بلد -من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية- في براثن انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2020، ويُضاف هذا العدد إلى 137 مليون شخص الذين كانوا يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي الحاد بنهاية عام 2019 في جميع أنحاء هذه البلدان.
وفي ظل استمرار جائحة كورونا التي لم تنتهِ بعد، وتأثيرات التغير المناخي التي أصبحت مهددًا رئيسًا للأمن الغذائي بعدد من الدول؛ احتدمت الحرب الروسية الأوكرانية لتستمر لقرابة العام حتى الآن، مخلفة أزمة اقتصادية عالمية لم يشهدها العالم من قبل، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمية وتكاليف المعيشة لتشكل خطرًا على ما يصل إلى 828 مليون شخص جائع في جميع أنحاء العالم. ان عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد قد ارتفع من 135 مليونًا إلى 345 مليونًا منذ عام 2019، وهناك حوالي 50 مليون شخص في 45 دولة على حافة المجاعة.
فغالبية دول العالم أمام مفترق طرق كارثة الجوع، إلى حد إطلاق برنامج الأغذية العالمي «عام من الجوع غير المسبوق» على عام 2022.
أن ملف الأمن الغذائي يشكل أولوية قصوى للدولة المصرية من خلال العمل على مسارات متوازية لتحقيق هذا الهدف بإتاحة توفير الغذاء عبر الإنتاج المحلي والتخزين الاستراتيجي مع تأمين مصادر الاستيراد، والحرص على أن تكون الأسعار مناسبة وفي متناول الجميع، وأن يكون الإنتاج صحياً وآمناً مع الحفاظ على استدامة الموارد.
أن استراتيجية توفير السلع الأساسية ترتكز على محاور؛ منها توجيه القيادة السياسية بأهمية ألا يقل الاحتياطي الاستراتيجي من هذه السلع عن ستة أشهر، ورفع كفاءة منظومة توزيع السلع وضمان وصولها لكل أنحاء مصر بما أدى إلى زيادة المناطق اللوجستية وسلاسل التوزيع، وكذلك المنافذ التي وصلت اليوم إلى 40 ألف منفذ على مستوى الجمهورية.
إن هدفاً سياسياً مثل الأمن الغذائى يمكن اعتبار انه نتاج لعدد مـن المـدخلات . ولتحليـل مساهمة عوامل المدخلات المختلفة لمخرجات معينة مثل الإنتاجية الزراعية أو الحد مـن الفقـر على سبيل المثال، أصبح استخدام نهج دالة الإنتاج الكلية بين البلدان أمر قياسيا، كما تم استخدام نفس النهج لقياس أهمية الحوكمة والبحث والتطوير في نمو الإنتاجية الزراعية والحد من الفقر. يمكن نقل مفهوم دالة الإنتاج الإجمالية إلى مجال الأمن الغذائي مع اعتبـار الأمـن الغذائي للبلد i والسنة t نتيجة دالة لعوامل مدخلات مختلفة تتعلق بالمستوى الاقتصادي الكلـي (، والمستوى الاقتصادي الجزئي وعوامل المدخلات وقيود موارد الإنتاج يمكن زيادة التمييز بين عوامل المدخلات وتقسيمها إلى مجموعـة مـن العوامـل هي :
العوامل المتعلقة باستقرار الاقتصاد الكلي، والنمو الاقتصادي، والاستثمارات، والحوكمة، وتنمية الدخل، وتخصيص الموارد والرعاية والصحة. تتغير هذه العوامل بمرور الوقت وتتفاعـل مـع بعضها البعض مما يتسبب في حدوث احتمال داخلي وتبعيـة المـسار الاقتصادي .
تـستخدم المؤشرات والمتغيرات المختلفة في التحليل التالي لإجراء تحليل قياسي لتأثير العوامل المـذكورة أعلاه على الأمن الغذائي في مصر يبرز ترابط وثيق بين الفقر وحقوق الإنسان ومنها الحق في الغذاء والضمان الاجتماعي.
والحق في الغذاء الكافي هو حق أساسي من حقوق الإنسان، ومع ذلك مئات الملايين من الأشخاص لا يزالون يعانون من انعدام الأمن الغذائي. والفقر وتفاقم عدم المساواة من الأسباب الكامنة وراء انعدام الأمن الغذائي. كما يقوض الفقر الحقوق في الغذاء الكافي، وفي السكن، والصحة، والمياه المأمونة والتعليم وغيرها من الحقوق الأخرى أو يقضي عليها تمامًا حتّى.
بإمكان الحماية الاجتماعية أن تؤدّي دورًا أساسيًا في الإعمال المطرد للحق في غذاء كاف للجميع. فبرامج الحماية الاجتماعية تساهم في القضاء على الفقر والجوع من خلال تحويل الموارد إلى الأشخاص الذين يعيشون في فقر، وتمكينهم من توليد الدخل، وحماية أصولهم ومراكمة رأس المال البشري. بعد مضي سبع سنوات على إعلان أهداف التنمية المستدامة 2030 والذي يمثل فيها القضاء على الجوع التام وتحقيق الامن الغذائي الهدف الثاني منها، لا يزال تحدي القضاء على الجوع وتحقيق الامن الغذائي بكافة اشكاله هدف بعيد المنال، بسبب الازمات والاضطرابات التي يشهدها الاقتصاد العالمي مثل الازمات المالية والصراعات والتوترات والتغيرات المناخية (الاحتباس الحراري، والجفاف، ارتفاع درجات الحرارة. الخ) والتي كان لها آثار سلبية كبيرة على اغلب الأنشطة الاقتصادية وبخاصة قطاع الزراعة والغذاء.
وقد شهد الاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاث الأخيرة أزمتين حادتين جديدتين (جائحة كورنا والحرب الروسية الأوكرانية) والتي أدت الى تفاقم أوجه الضعف الهشاشة وزيادة مستويات نقص الغذاء في العديد من الدول.
فبعدما عانى الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا وعمليات الاغلاق الكبير والتباعد الاجتماعي وتوقف الأنشطة الاقتصادية وتعثر سلاسل الامداد والتوريد، جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية والتي فرضت تحديات ضاغطة على أوضاع الامن الغذائي ليتخذ مسار الجوع في العالم منعطفاً جديداً، إذ أدت الحرب إلى ارتفاع الطاقة وأسعار السلع الأساسية وارتفاع التضخم الى مستويات لم يشهدها العالم منذ سبعينات القرن الماضي، الامر الذي انعكس بشكل سلبي على أسعار المواد الغذائية، ليشهد العالم ارتفاعاً حاداً بالأسعار.
وعلى الرغم من تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كوفيد-19 إلا إن الجوع وانعدام الامن الغذائي ازداد بمقدار كبير نتيجة للحرب الروسية- الأوكرانية، إذ يحتل البلدان مكانة مهمة في أسواق السلع الأساسية وأسواق السلع الغذائية الرئيسة، فهما منتجان رئيسان للقمح والشعير والذرة، ويشكلان نحو 27 و23 و15% من الصادرات العالمية، ويشكلان نحو ثلثي صادرات زيت عباد الشمس، وتمثل أوكرانيا وحدها ما يقارب نصف الصادرات العالمية 42% بينما تمثل روسيا 21%، وتعد روسيا أكبر مصدر في العالم للأسمدة إذ تمثل 14% من حجم الصادرات العالمية
حتى قبل الاضطرابات والتوترات الجيوسياسية التي سببتها الحرب كان العراق يعاني من مخاطر ارتفاع الامن الغذائي، إذ فشل الإنتاج المحلي في تلبية الطلب ومواكبة النمو السكاني المتزايد، بسبب جملة من العوامل منها، موجات الجفاف والتغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وتآكل التربة والملوحة. وشهد البلد أكثر مواسم هطول الأمطار جفافاً في الأربعين سنة الماضية، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أدت درجات الحرارة الشديدة وعدم كفاية الأمطار إلى خفض إنتاج القمح في العراق بنحو 70 في المائة في عام 2021 وخفض إنتاج الشعير إلى مستويات لا تذكر. هذه التحديات المناخية لها آثار كبيرة على الأمن الغذائي والفقر.
ويُشير تقرير برنامج الأغذية العالمي WFP الى ارتفاع اعداد الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية من 6.5 مليون في عام 2002 الى نحو 10.1 مليون في عام 2016، وهناك ارتفاع في معدل هزال الأطفال، كما ازداد معدل الامراض المرتبطة بنقص الغذاء، فضلاً عن ارتفاع معدلات الفقر الى مستويات عالية تمثل احد ابرز الدوافع الرئيسة لانعدام الامن الغذائي في البلد)
وفي ظل التحديات والصدمات والاضطرابات خلال السنوات القليلة الماضية، وتراجع الأراضي الصالحة للزراعة وانخفاض حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي، أصبح البلد معتمد على الواردات بشكل أساسي لتشكل أكثر من 50% من استهلاكه من الغذاء مما زاد من تعرض البلد الى صدمات أسعار الغذاء والامدادات العالمية.
وتُشير البيانات الى ان الواردات الغذائية الإجمالية تُشكل نحو حوالي 20% من فاتورة الواردات (9% منها لواردات الحبوب) هذا الاعتماد على الاستيراد عرَض الأمن الغذائي لصدمات أسعار الصرف وأسعار السلع العالمية، كما ادى تخفيض قيمة العملة الذي تم الإعلان عنه في ديسمبر 2020 الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 5٪ في عام 2021، مدفوعة بالزيادة الكبيرة في منتجات الألبان (12٪) والزيوت النباتية (8.3٪) والأسماك واللحوم (7٪).
كما شهدت أسعار المواد الغذائية في الربع الأول من العام 2022 زيادة كبيرة تزيد عن 8% على أساس سنوي، وكشف تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP) الى انه خلال الربع الأول من عام 2022 ارتفع متوسط سعر دقيق القمح بنسبة 9 % بالمقارنة مع عام 2020 مما يظهر زيادة ملحوظة في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وقد ادت الحرب إلى تفاقم أوضاع الامن الغذائي وارتفاع أسعار المواد الغذائية المستورد، واصبح الاقتصاد العراقي يعاني من التضخم المستورد.