يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) على أن الحقوق الطبية حق لكل الناس وأن لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في الضمان في حال البطالة أو المرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.
وركزت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية على الصحة كحق من حقوق الإنسان ومعالجة عدم كفاية فرص الحصول على الأدوية مثل فيروس نقص المناعة البشرية والحقوق الجنسية، والإنجابية للمرأة بما ذلك معدلات وفيات الأمهات على مستوى العالم، وهناك جدل كبير حول السياسات الخاصة بالشخص الذي سيتحمل دفع تكاليف العناية الطبية لكل الناس وتحت أي ظرف ومثال على ذلك إنفاق الحكومة على العناية الصحية أحيانا يعتبر كمؤشر عالمي من التزام الحكومة بصحة الشعب.
حرصـت الدولـــــــة فــــــــي رؤيتهــــــــا للتنميــــــــة المســــــــتدامة “رؤيـة مصـر 2030 “علـى ضـمان جـودة الخـدمات الصـــحية المُقدَّمـــة، وأن يتمتـــع كـــل المصـــريين بحيــاة صــحية ســليمة آمنــة؛ مــن خــلال تطبيــق نظــام صــحي متكامــل يتميــز بالإتاحــة، والجــودة، وعــدم التمييــز، وقــادر علــى تحســين المؤشــرات الصــحية عــن طريــق تحقيــق التغطيــة الصــحية الشــــاملة لجميــــع المــــواطنين، ولتكــــون مصــــر رائـــدة فـــي مجـــال الخـــدمات والبحـــوث الصـــحية عربيا وإفريقيا.
وتـــــم إصــــدار قانـــــون التأميــن الصحـــي الشـــامل عـــام 2018، والـــذي يهــــدف إلــــى حصــــول جميــــع المواطنيــــن علــــى خدمــــات رعايــــة صحيـــة ذات جـــودة عاليـــة. وعملـت الدولـة بموجبـه علـى إنشـاء ثـلاث هيئــات مســــتقلة تتولــــى إدارة نظــــام التأميــــن الصحــــي الاجتمــــاعي الشـــــامل، حيـــــثُ تـــــم الفصـــــل بيـــــن تمويــل النظــام، وتقديــم الخدمــة، والرقابــة علــى جـودة تأديتهـا.
وعقــب قــانون التــأمين الصــحي الشــامل، صــدر القـــانون رقـــم 151 لســـنة 2019 بشـــأن “إنشـــاء الهيئـــة المصـــرية للشـــراء الموحـــد والإمـــداد والتمــوين الطبــي وإدارة التكنولوجيــا الطبيــة وهيئة الدواء المصرية”، وتُعدُّ الهيئة المصـرية للشـــراء هيئـــة عامـــة اقتصـــادية لهـــا شخصـــية اعتباريــة وتتبــع رئــيس مجلــس الــوزراء.
وتجدر الإشارة إلى أنه تمت الموافقة فـي يوليـو 2020 علـى مشـروع قـرار رئـيس مجلـس الـوزراء بشـأن التــــرخيص للهيئــــة المصــــرية للشــــراء الموحــــد والإمــــداد والتمــــوين الطبــــي وإدارة التكنولوجيــــا الطبيــــة بتأســــيس شــــركة مســــاهمة باســــم “الشـــركة المصـــرية للاســـتثمارات الطبيـــة”، يكـــون غرضـــها دعـــم نشـــاط الهيئـــة والإسهام معها فـــي تنفيـــذ بعـــض اختصاصـــاتها؛ ومنهـــا القيام بنقـل وتوزيـع المستحضـرات الطبيـة التـي تقـــــوم الهيئــــــة بتــــــدبيرها، بالإضــــــافة إلــــــى إدارة منظومـــة المخـــازن الاستراتيجية التـــي تنشـــئها الهيئة بالاشتراك مع أجهزة وكيانات الدولة.
وقامــــت الدولة فــــي هــــذا الســــياق بإصــدار القــانون رقــم 214 لســنة 2020 بشــأن تنظــــــــــــيم البحــــــــــــوث الطبيــــــــــــة الإكلينيكيــــــــــــة، والـذي يُـعدـُّ خـطـوة مـن الـخـطـوات الـمهمة التي تســير فيهــا الدولــة المصــرية لمواكبــة الأبحــاث الطبية العالمية.
هذا وقـــد وضـــعت الدولـــة الاستراتيجية القوميـــة للســــــــكان وخطتهـــــــــا التنفيذيــــــــة الخمســـــــــية( (2015 – 2020 والتــي ترتكـــز علـــى مجموعـــة مـــن المحــــاور المتعلقــــة بتنظــــيم الأســــرة والصــــحة الإنجابية، وإتاحة خدمات تنظيم الأسرة بالتــأمين الصــحي وجميـــع المستشـــفيات والمؤسســـات العلاجيـــة الحكوميـــة، وتــــوفير رصـــيد كـــافِ مــــن وســــائل تنظــــيم الأســــرة، فضــــلًا عــــن العمــــل علــــــى دمــــــج القضـــايا السـكانية فــــــي عمليــــــة التعليم والتوعية. وجـــــاءت الخطـــــة التنفيذيـــــة للمشروع القومي لتنمية الأسـرة (2021 – 2023) والتـي تسـتهدف الارتقـاء بجـودة حيـاة المـواطن المصري من خلال ضـبط النمـو السـكاني.
وعلى صعيد التأمين الصحي الشامل، اتخذته الدولة كخطوة جديدة من خطواتها المتسارعة لتطوير المنظومة الصحية، وتلبية احتياجات المواطنين الطبية بشكل متكامل وعلى أعلى مستوى.
سجلت المرحلة الأولى من “التأمين الصحي الشامل” في كل المحافظات المحددة بها أكثر من 5 ملايين مواطن، كما تم إنشاء وتطوير نحو 51مستشفى وأكثر من 310 وحدات صحية ومراكز طبية، كما اعتمدت أكثر من 90 منشأة صحية. ومنذ إطلاق المنظومة، بلغت تكلفة تطوير البنية التحتية والمعلوماتية في نظام التأمين الصحي حتى الآن ما يزيد على 51 مليار جنيه، وتم تقديم أكثر من 6 ملايين خدمة صحية، وأكثر من 82 ألف جراحة متقدمة بمحافظات المرحلة الأولى.
لقد ساهمت المبادرات الصحية الرئاسية وبشكل ملحوظ في تغيير المنظومة الصحية في مصر، حيث عملت على تعزيز النظام الصحي ومعالجة ما به من اختلالات، جاءت كنتيجة للإهمال الصحي التي تعرض له المواطن المصري لعشرات السنين، وقد ساهمت تلك المبادرات في تحقيق الرعاية الصحية الشاملة، من خلال الكشف المبكر عن مختلف الأمراض وتقديم العلاج بالمجان.
وعليه، أطلقت الدولة عددًا من القوافل الخاصة بتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية في 7 محافظات، ضمن مبادرة “أيامنا أحلى” لتوفير خدمات ووسائل تنظيم الأسرة للمنتفعات بالقرى والمناطق المحرومة، هذا بالإضافة لمبادرة القضاء على قوائم الانتظار تحت شعار مبادرة ” 100 مليون صحة”، والتي تهدف إلى القضاء نهائيا على قوائم انتظار العمليات والجراحات الحرجة، وبلغت التكلفة التقديرية للمبادرة نحو 6.2 مليارات جنيه.
وكذلك المبادرة الرئاسية للقضاء على فيروس” سي” والأمراض غير السارية، التي تم إطلاقها في سبتمبر “2018 وتستهدف نحو 50 مليون مواطن مصري ومن أبرز نتائج المبادرة: فحص أكثر من 60 مليون مواطن على مستوى الجمهورية، كما تم علاج أكثر من 2.5 مليون مواطن ثبت إصابتهم حتى يونيو 2021، وبلغت التكلفة المُنصرفة للمبادرة نحو 3.8 مليارات جنيه، إضافة لمبادرة “حياة كريمة” التي قدمت من خلالها الدولة الخدمات الصحية للمواطنين من خلال القوافل الطبية لخدمات كبار السن، والأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة بالمجان في المناطق النائية والمحرومة من الخدمات الصحية على مستوى الجمهورية.
وتبنت الدولة المصرية خطة مرحلية للتعامل مع جائحة كورونا، كما عززت الخطة الاستثمارية لوزارة الصحة والسكان زيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات لمواجهة فيروس كورونا المُستجد. واتخذت الدولة جهودًا لتطوير المعامل المركزية وتجهيزها في مختلف محافظات الجمهورية؛ تمثل أبرزها في: تجهيز 60 معملًا بجميع الأجهزة والمستلزمات اللازمة لفحص الفيروس بجميع المحافظات. وفيما يتعلق بعمليات التطعيم ضد الفيروس، فكانت للدولة جهود مميزة بهذا المجال.
ونتيجة للجهود المصرية في قطاع الصحة، حصلت مصر على تقييم متقدم على مستوى إقليم الشرق الأوسط في التقييم الخارجي،(IHR-JEE) المشترك للوائح الصحية الدولية والذي قامت به لجنة من الخبراء الدوليين. وأشادت بخبرات وقدرات مصر في مجالات الصحة العامة اللازمة لتطبيق اللوائح الصحية الدولية.
مقترحات لتفعيل الاستراتيجيات الصحية في مصر
هناك الكثير من التحديات التي يواجهها القطاع الصحي، لذا يمكن تقديم المقترحات التالية لتحسين أداء القطاع الصحي في مصر، وذلك على النحو التالي:-
1-تحقيق نتائج صحية أفضل وعادلة: يتمثل الهدف الجامع للسياسة الصحية الوطنية في تحسين صحة السكان؛ إذ أن تحسين الصحة ليس فقط هدفا أساسيا في حد ذاته، بل إنه كذلك السبيل إلى دعم الحد من وطأة الفقر، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
2- حماية الصحة وتعزيزها، وضمان إتاحة الخدمات الصحية الأساسية للجميع، مع توفير الحماية من المخاطر المالية الناتجة عن الإنفاق على الصحة (التغطية الصحية الشاملة).
يجب على السياسة الصحية في مصر أن تضمن توافر خدمات الرعاية حتى لا تكون العوائق المالية مثل أتعاب الأطباء، أو أسعار الأدوية فوق طاقة الأفراد أو العقبات الصحية الجيدة حائلاً أمام الحصول على الخدمات اللازمة مثل الحواجز الجغرافية، والحواجز المعلوماتية.
3- تعزيز دور الحكومة في تقديم خدمات الصحة العامة: لابد أن يكون دور الدولة أساسي ومحوري في بلوغ الأهداف الصحية، لذا فمن الضروري أن يتم تعزيز دور الدولة في تقديم الخدمات الصحية العامة، وفي زيادة الاستثمارات لتصويب حالات الإخفاق في السوق – من أجل تحسين سلامة هذه الخدمات، كما يستلزم ذلك ضمان توافر تمويل حكومي كافٍ لإجراء بحوث عالية الجودة تدعم تحقيق أهداف الصحة العامة.
4- ضمان وجود إطار وطني فعال للحوكمة ليشمل القطاعات المتعددة للصحة، ولمعالجة التفتت في القطاع الصحي، حيث تحتاج السياسات والاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية إلى تعزيز دمج القطاعات المختلفة للصحة في إطار عام للحوكمة تتوافر له المقومات والأطر القانونية والتنظيمية والمؤسسية المناسبة، مما يؤكد على ضرورة تناول المحددات الاجتماعية للصحة في إطار عمل متكامل يشمل مختلف القطاعات.
5- تخصيص المزيد من الأموال للصحة وتحقيق أفضل النتائج الصحية مقابل ما يتم إنفاقه (الكفاءة): لقد أدى انخفاض مستوى الاستثمار العام على الصحة إلى ارتفاع مستويات الإنفاق الشخصي على الصحة، والذي أدى بدوره إلى تعزيز الهيمنة على قوى السوق عبر زيادة مشاركة القطاع الخاص، وإضفاء طابع تجاري عام على الخدمات الصحية. وقد أدى ذلك إلى تفاقم حالات إخفاق السوق التي تظهر بوضوح في مشكلات الجودة والسلامة، إذ تميل الأسواق إلى الاعتماد على القدرة على السداد ومن خلال عدم إيلاء الاهتمام الكافي بالوقاية وتعزيز الصحة، إذ الغالب أن يركِّز القطاع الخاص على الرعاية العلاجية.
ومع ذلك فإن الاقتصار على ضخ مزيد من الأموال في النظام الصحي لن يحقق الأهداف المرجوة، ما لم تُتح تدابير شاملة لإصلاح القطاع الصحي لتحسين كفاءة استخدام هذه الأموال، وينطوي ذلك على الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمالية والتكنولوجية، من خلال سياسات واستراتيجيات تُحرِّكها الكفاءة وتستند إلى المعلومات والأدلة، فضلاً عن إعطاء الأولوية للتدخلات العالية المردود والتركيز على نظم الإدارة الفعالة.
6- المساءلة والشفافية: هناك حاجة إلى التأكيد على المساءلة عبر تحسين الشفافية فيما يتعلق بصنع القرار، واستغلال الموارد، ونشر النتائج مما يتطلب إرساء عمليات شفافة من أجل رصد التقدم من خلال تحسين جمع البيانات وتحليلها ونشرها، كما يقتضي أن يشارك اﻟﻤﺠتمع المدني مشاركة فاعلة في عملية الرصد والمتابعة، مع ضرورة وضوح الرؤية لما يُرجى تحقيقه ووضع نظام لرصد أداء القطاع الصحي في تنفيذ هذه الخطط وذلك من خلال مؤشرات وأهداف قابلة للقياس بما يمكن من إعادة التفكير وتصحيح المسار في الاستراتيجيات والإجراءات وتنقيحها حسب ما يلزم لضمان إحراز تقدم شامل لبلوغ الأهداف الموضوعة.
وختاما يُعد المشهد المصري مواتيا للدفع بسياسات فاعلة تتسق مع ما ورد في الدستور من اهتمام بالصحة، ويتعين في هذا الإطار أن تتزامن زيادة الاستثمارات في الصحة مع إجراء إصلاح للقطاع الصحي يشتمل على معالجة أوجه القصور في كفاءة استخدام الموارد المتاحة، وضمان أن تحقق هذه الاستثمارات المردودات الصحية المرجُوة مقابل الأموال المُنفقة.