تحديات كثيرة تواجه مصر والمنطقة العربية، حيث تقع مصر على الخطوط الأمامية لتغير المناخ، فهى معرضة بشدة لتأثيرات ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه وارتفاع منسوب مياه البحر، وتستمر الظواهر المناخية المتطرفة فى زيادة المخاطر على الأمن المائى فى مصر، وإنتاجية الزراعة ومصايد الأسماك، واستقرار البنية التحتية، والصحة العامة، والقدرة على إدارة والحد من مخاطر الكوارث، هذا ما أكد عليه الدكتور عبد الله زغلول رئيس مركز بحوث الصحراء.
ويشير مصطلح الحلول المستندة إلى الطبيعة (NBS) إلى الإدارة المستدامة واستخدام السمات والعمليات الطبيعية لمواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية، وتشمل هذه التحديات قضايا مثل: تغير المناخ، والأمن المائى وتلوث المياه ، وأمن غذائى وصحة الإنسان، وفقدان التنوع البيولوجى، وكارثة إدارة المخاطر .
إن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور النظم البيئية هي عوامل مترابطة ومتشابكة، وتشكل تحديّات مجتمعية كبيرة، الأمر الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والصحة العامة والرفاهية البشرية. وتخلّف آثارًا سلبية كبيرة، تلك الأحداث المتطرفة للطقس مثل موجات الحرارة، والأمطار الغزيرة، وفيضانات الأنهار، والعواصف الهوائية، والانهيارات الأرضية، والجفاف، وحرائق الغابات، والانهيارات الجليدية، والعواصف، والأحداث بطيئة الظهور مثل (تآكل السواحل، وفترات الأمطار الطويلة، وفترات الجفاف الطويلة، والاستعمار البيولوجي)، سواء بصورةٍ مباشرة أم غير مباشرة على الاقتصاد وصحة الإنسان ورفاهيته. ومن المتوقع أن تزداد معظم تأثيرات تغير المناخ في العقود القادمة بناءً على التغيرات المتوقعة في المناخ والتطورات الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية، وفي الوقت ذاته فإن التنوع البيولوجي العالمي والنظم الإيكولوجية آخذة في التدهور بسبب زيادة الأنشطة البشرية.
الحلول القائمة على الطبيعة
ظهر مفهوم الحلول القائمة على الطبيعة في بدايات العِقد الأول من القرن الحادي والعشرين طريقة لتعزيز الطبيعة للمساعدة في مواجهة التحديات المرتبطة بتغير المناخ. والحلول القائمة على الطبيعة للتكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث هي “مفهوم شامل” يحتوي على مناهج عديدة أخرى منها على سبيل المثال: نهج النظام الإيكولوجي، والإدارة المستدامة، والإدارة القائمة على النظام الإيكولوجي والإدارة المستدامة للغابات، والبنية التحتية الخضراء، والبنية التحتية الخضراء- الزرقاء. وإن تلك الحلول القائمة على الطبيعة للتكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث هي إجراءات تعمل مع الطبيعة وتُعززها لاستعادة وحماية النُظم البيئية ومساعدة المجتمع على التكيف مع آثار تغير المناخ، وإبطاء المَزيد من الاحترار مع توفير فوائد إضافية متعددة على المستويات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
وتُعَّرف المفوضية الأوروبية الحلول القائمة على الطبيعة بأنها حلول للتحديات المجتمعية مستوحاة من الطبيعة وتدعمها، وهي حلول فعالة من حيث التكلفة بالتزامن مع ما تحققه من فوائد بيئية واجتماعية واقتصادية تساعد على بناء المرونة ضد تغير المناخ. كما تشمل الحلول القائمة على الطبيعة مجموعة واسعة من الإجراءات مثل حماية وإدارة النظم البيئية الطبيعية وشبه الطبيعية، ودمج نظم البنية التحتية الخضراء والبنية التحتية الخضراء- الزرقاء في المناطق الحضرية، وتطبيق المبادئ القائمة على النظام الإيكولوجي على النظم الزراعية الحالية.
ويرتكز مفهوم الحلول القائمة على الطبيعة على منهج النظام الإيكولوجي، فمن المعلوم أن النظم البيئية الصحية والطبيعية تُنتج مجموعة متنوعة من الخدمات التي يعتمد عليها الإنسان في رفاهيته، وتتراوح من تخزين الكربون والسيطرة على الفيضانات، وتثبيت الشواطئ والمنحدرات إلى توفير الهواء والمياه النقية والغذاء والوقود والأدوية والأصول الوراثية. وللتعرف أكثر على المفهوم الشامل للحلول القائمة على الطبيعة، لابد من التطرق إلى مناهج عديدة أخرى، منها على سبيلِ المثال: منهج النظام الإيكولوجي، والإدارة المُستدامة، والإدارة القَائمة على النظام الإيكولوجي، والإدارة المُستدامة للغابات، والبنية التحتية الخضراء، والبنية التحتية الخضراء- الزرقاء، والتكيف القائم على النظام الإيكولوجي، والتدابير الخاصة للحفاظ على موارد المياه الطبيعية، والتصدي للتحديات المرتبطة بها، والحد من مخاطر الكوارث القائمة على النظام الإيكولوجي.
اولاً: منهج النظام البيئي (الإيكولوجي) والمنهج القائم على النظام الإيكولوجي
منهج النظام الإيكولوجي هو إستراتيجية للإدارة المتكاملة للأراضي والمياه والموارد الحية التي تُعزز الحفظ والاستخدام المستدام بطريقة منصفة. ويستخدم منهج النظام الإيكولوجي الأساليب العلمية المناسبة التي تركز على التسلسل الهرمي للتراكيب والأنظمة البيولوجية، وتشمل البنية الأساسية والعمليات والوظائف والتفاعلات بين الكائنات الحية وبيئتها. وقد اُعتمد منهج النظام الإيكولوجي في مؤتمر الأطراف الخامس لاتفاقية التنوع البيولوجي والذي استَضافته مدينة نيروبي في عام 2000. ويتضمن منهج النظام الإيكولوجي أيضاً مُصطلح المنهج القائم عليه، وقُدّم مفهومه من قبل اتفاقية التنوع البيولوجي تحسينًا في سياق التنوع البيولوجي وتغير المناخ.
ومن الملاحظ أن منهج النظام الإيكولوجي أو المنهج القائم على النظام الإيكولوجي بدأ من وجهة نظر بيئية بحتة، ثم انتقل من التركيز على قضايا الحفظ إلى منهاج أكثر شمولية يشمل تعزيز المشاركة العامة وتكامل الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية.
ثانياً: البنية التحتية الخضراء.. والبنية التحتية الخضراء- الزرقاء
تتعدد مصطلحات البنية التحتية ويمكن تعريفها حسب لونها على النحو الآتي:
تشير البنية التحتية الرمادية إلى المباني والطرق والمنشآت الحضرية الأخرى، بينما تشير البنية التحتية الزرقاء إلى عناصر المياه مثل الأنهار، والقنوات، والبِرك، والأراضي الرطبة، والسهول الفيضية، ومرافق معالجة المياه وما إلى ذلك.
في حين تشير البنية التحتية الخضراء إلى الأشجار والمروج والأسيجة والمتنزهات والحقول والغابات.
ويُعّرِف الاتحاد الأوروبي البنية التحتية الخضراء بأنها شبكة مُخططة إستراتيجياً من المناطق الطبيعية وشبه الطبيعية عالية الجودة مع سمات بيئية أخرى، والتي صُمّمت لتقديم مجموعة واسعة من خدمات النظام البيئي وحماية التنوع البيولوجي في كل من المناطق الريفية والحضرية.
وبشكل أكثر تحديداً فإن البنية التحتية الخضراء تزود المواطنين بفوائد عدة من الطبيعة، فتعزز من قدرة الطبيعة على تقديم سلع وخدمات عديدة ذات قيمة للنظام البيئي مثل الهواء النظيف أو الماء، مع خلق فرص للتكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية.
وتشير البنية التحتية الزرقاء- الخضراء على وجه التحديد إلى منهج التخطيط الحضري، الذي يهدف إلى تصميم البنية التحتية الطبيعية أو الصناعية كاملًا، في مدينة ما، بما في ذلك المناطق الساحلية والبحرية.
ثالثاً: التكيف القائم على النظام الإيكولوجي
اُستحدث مصطلح التكيف القائم على النظام الإيكولوجي في مؤتمر الأطراف العاشر لاتفاقية التنوع البيولوجي في عام 2010 في مدينة ناغويا.
ويشمل الإدارة المستدامة للنظم البيئية وحفظها وإعادة النظم البيئية على ما كانت عليه لتوفير الخدمات التي تساعد الناس على التكيف مع الآثار الضارة لتغير المناخ.
كما أن التكيف القائم على النظام الإيكولوجي لا بد أن يكون فعالاً من حيث التكلفة، ويُولّد منافع اجتماعية واقتصادية وثقافية مشتركة والمُساهمة في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
ويقترح أنصار التكيف القائم على النظام الإيكولوجي وضع مجموعة من خمسة معايير للمساعدة في صقل فهم أبعاد التكيف القائم على النظام الإيكولوجي، ولتجنب إعادة تفسير مناهج الصون أو نظريات التنمية المعتادة بطريقة غير صحيحة:
1- يقلل من نقاط الضعف الاجتماعية والبيئية.
2- يُولد فوائد مجتمعية في سياق التكيف مع تغير المناخ.
3- يستعيد صحة النظام الإيكولوجي أو يحافظ عليها أو يحسنّها.
4- مدعوم بسياسات على مستويات متعددة.
5- يدعم الحكم العادل ويعزز القدرات عن طريق تبنى مبدأ الشفافية والنزاهة والتمكين والمساءلة وعدم التميز والمشاركة الفعالة والهادفة.
رابعاً: الحد من مخاطر الكوارث القائم على النظام الإيكولوجي
هو مفهوم نشأ بواسطة “الشراكة من أجل البيئة والحد من مخاطر الكوارث” (PEDRR) التي تَأسست في عام 2008. يهدف الحد من مخاطر الكوارث القائم على النظام الإيكولوجي إلى منع مخاطر الكوارث الجديدة، والحد منها وإدارة المخاطر المُتبقية، وكلها تساهم في تعزيز القدرة على الصمود، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة والمرنة. و يعمل مفهوم الحد من مخاطر الكوارث القائم على النظام الإيكولوجي بما يتماشى مع إطار (سنداي) للحد من مخاطر الكوارث للفترة من ( 2015- 2030 ) والذى يشجع على منهج بناء القدرة على الصمود وتقليل مخاطر الكوارث. فمن المعلوم أن النظم الإيكولوجية المدارة جيداً مثل الأراضي الرطبة والغابات والأنظمة الساحلية تعمل كبنيةً تحتية طبيعية للتقليل من أخطار عديدة، وتزيد من المرونة الاجتماعية والاقتصادية وذلك بالحفاظ على سبل العيش المحلية وتَوفير الموارد الطبيعية الأساسية مثل الغذاء والماء ومواد البناء.
خامساً: تدابير الحفاظ على موارد المياه الطبيعية
تُعرف التدابير الخاصة للحفاظ على الموارد المائية من قبل “المفوضية الأوروبية” بأنها تدابير متعددة الوظائف، تهدف إلى حماية الموارد المائية والتصدي للتحديات المرتبطة بالمياه باستعادة أو الحفاظ على النظم البيئية، وكذلك السمات الطبيعية وخصائص المسطحات المائية باستخدام الوسائل والعمليات الطبيعية. ويَنصّب التركيز الرئيس لتطبيق التدابير الخاصة للحفاظ على موارد المياه الطبيعية على تعزيز قدرة الاحتفاظ بالمياه الجوفية والتربة والنظم البيئية المُعتمدة على المياه بهدف تحسين وضعها. وتُصّنف التدابير الخاصة للحفاظ على موارد المياه الطبيعية إلى نوعين:
- التعديل المباشر في النظم البيئية، فعلى سبيل المثال ترميم وصيانة الأنهار والأحواض والبرك والأراضي الرطبة وإعادة ربط السهول الفيضية وإصلاحها، إضافة إلى إصلاح البحيرات وخزانات المياه الجوفية.
- التغييرات في استخدام الأراضي وممارسات إدارة المياه في الزراعة والحراجة والبيئات الحضرية، فعلى سبيل المثال تَرميم وصيانة المروج والمراعي، ومصدّات الرياح، وممارسات الحفاظ على التربة، وتحريج مناطق منابع المياه/ المناطق الجبلية/ مستجمعات الخزّانات، وتحويل استخدام الأراضي لتحسين جودة المياه، وزراعة الأسطح، وحصاد مياه الأمطار في المناطق الحضرية، وأنظمة الصرف الحضرية المستدامة.
الإستراتيجية الوطنية المصرية لتغير المناخ 2050
تهدف الإستراتيجية الوطنية المصرية لتغير المناخ 2050 إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام منخفض الانبعاثات في مختلف القطاعات، بجانب بناء المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات المناخية وتخفيف آثارها السلبية، وتحسين البنية التحتية لتمويل المناخ، بحسب معلومات اطلعت علها منصة الطاقة المتخصصة. كما تهدف الإستراتيجية إلى تعزيز دور البحث العلمي والتكنولوجيا؛ حيث ستُنفذ بالشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني والشباب والمرأة والقطاع الخاص وشركاء التنمية، وسيتم البدء بالقطاعات ذات الأولوية وهي الطاقة المتجددة والنقل المستدام والمياه والري والزراعة وخفض الكربون لقطاع النفط والصناعات الثقيلة. وكذلك هناك مشروعات في مجالي التخفيف والتكيف مع تغير المناخ، وهي قصص نجاح ستعرضها مصر خلال قمة المناخ كوب 27، ومن بينها إقامة مجمع بنبان للطاقة الشمسية، وهو أكبر مجمع لتوليد الكهرباء النظيفة في الشرق الأوسط، بجانب مشروعات كفاءة الطاقة وطاقة الرياح. وتشمل المشروعات أيضًا النقل المستدام، مثل مشروع “المونوريل” وشبكة مترو الأنفاق، وتحويل المخلفات إلى طاقة، والإدارة المتكاملة للمخلفات مثل مشروعات البيوجاز والمدافن الصحية ومصانع التدوير أما بالنسبة لمشروعات التكيف؛ فهي تشمل ترشيد المياه وتبطين الترع، وتحلية مياه البحر والصرف الصحي، ومبادرة حياة كريمة، التي تُعَد نموذجًا متكاملًا لمشروعات التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ، من خلال توصيل الغاز الطبيعي وإدارة المخلفات، ومحطات معالجة الصرف الصحي والتشجير.
توصيات
- ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي المتخصص بشؤون البيئة والمناخ لدراسة النظام الإيكولوجي، وطرق الإدارة المُستدامة، والإدارة القَائمة على النظام الإيكولوجي، والإدارة المُستدامة للغابات، والبنية التحتية الخضراء، والبنية التحتية الخضراء- الزرقاء، والتكيف القائم على النظام الإيكولوجي، والتدابير الخاصة للحفاظ على موارد المياه الطبيعية، والتصدي للتحديات المرتبطة بها، والحد من مخاطر الكوارث القائمة على النظام الإيكولوجي لدراسة تلك الظواهروالسيناريوهات المستقبلية المحتملة لتأثيرها على الدول العربية والأفريقية،
- اعتماد نتائج البحث العلمي كأولويّة في التخطيط وحسن الإدارة لحماية البيئة والمناخ. مع ضرورة ربط الأمن المائى فى المناطق الحضرية بالحلول القائمة على الطبيعة، وتعظيم التكيف مع تغير المناخ،
- عقد المؤتمرات العلمية المشتركة لمناقشة كيفية مواجه هذا الخطر والتعامل معه، والتنسيق المشترك الفعال بين الدول والمؤسسات العربية والعالمية، والعمل على توقيع الاتفاقيات المختلفة للحد من أسباب وأثار هذه المشكلات المستقبلية والتكيف معها،
- ضرورة نشر الوعي البيئي والمناخي، وسن القوانين والتشريعات اللازمة، وتوجيه الباحثين بالتعاون مع الهيئات المحلية والدوليّة لاستنباط نموذج لقياس توقعات آثار التغيّرات المناخية خاص بمنطقة الشرق الأوسط،
- أهمية تطبيق الإنذار المبكر للاستعداد بالتغيرات المناخية لمواجهة الأحداث المتطرفة، وطبقاً للظروف المناخية المتغيرة، والإدارة الذكية لشبكات الصرف طبقاً لحالة الجفاف أو الفيضان أو الأعاصير، والتدريب على السيناريوهات المختلفة، مع نشر الوعى وتحمل المسئولية من جميع المواطنين
. بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم