نبهنا الصديق الدكتورعلى الحسينى ـ مشكورا ـ إلى واجب إحياء مئوية العلامة المفكر الأديب الشاعر الدكتور محمد رجب البيومى ( 1923ـ 2011 )، متمنيا ” أن يلتفت لكتبه ومقالاته أدباء وكتاب ونقاد العصر، لأن قيمته الأدبية ـ رحمه الله ـ تقتضي منا ذلك، وما بذله من جهد يحتم علينا هذا، فهو وإن كان غائبا عنا بجسده إلا أنه حاضر معنا بروحه الزكية، فهو الذى أحيا في كتبه كثيراً من الشخصيات التي كانت في طي النسيان، وسرد لنا أحداثاً لولاه لكانت في عالم الكتمان، ومن واجبه علينا الآن إحياء ذكراه بكل جميل”.
وها أنذا أستجيب ـ ولي الشرف ـ لهذه الدعوة الكريمة، فإن لم أكن قد تتلمذت على يدي الأستاذ الدكتور البيومى مباشرة، إلا أننى من قراءاتى لما تيسر لى من مؤلفاته ومقالاته، ومما كتبه الآخرون عنه، أعد نفسي من حوارييه وعارفى فضله، الذين يتعلمون فى مدرسته، ويجولون فى المجال الذى جال فيه، مجال الكلمة الطيبة الصادقة الحرة، التى تعز الوطن وتنصر الدين، ولا تبتغى غير وجه الله.
والدكتور محمد رجب البيومى ـ رحمه الله ـ كان فارسا من فرسان الذود عن الإسلام والأزهر الشريف، متجدد الفكر، متعدد الاهتمامات، ملأ الساحة الفكرية والثقافية والأدبية بفيض علمه، ونشرت مقالاته فى صحف ومجلات مصر والعالم العربى: الهلال والرسالة والثقافة والأزهر ومنبر الإسلام والمنهل والبيان والأديب والجديد والفيصل والمنار الجديد والكاتب والتصوف الإسلامى وصوت الأزهر وغيرها، كما أثرى مجلة الأزهر عندما تولى رئاسة تحريرها فى فترة كانت من أزهى فترات هذه المجلة الغراء، وأكثرها انفتاحا فكريا.
وقد أسهمت النشأة الصوفية للدكتور البيومى فى تعميق شخصيته المتسامحة، وكتابه ” أشواق العارفين ” يكشف عن ذلك، كما أسهم حفظه للقرآن مبكرا، وتفرغه لتلقى العلوم الدينية واللغوية، فى تأصيل الأسس المعرفية لديه، ثم كان اشتغاله بتدريس اللغة والنقد والبلاغة بجامعة الأزهر، وتوليه عمادة كلية اللغة العربية بالمنصورة، واتصاله بكبار علماء الدين والفكر والأدب فى عصره، واهتمامه بالرد على المستشرقين، دافعا لتجديد قدراته المعرفية، ومتابعة أحدث ما يكتب فى هذه المجالات الوعرة.
وكتابه ” كيف عرفت هؤلاء ؟ ” يعطى انطباعا بأنه لم يترك أحدا من مشاهير زمانه إلا جالسه وأخذ عنه، ومن أشهر من تواصل معهم عباس العقاد وطه حسين وأحمد أمين وأحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة، والعلامة محمد فريد وجدى، والأئمة شيوخ الأزهر محمود شلتوت، ود.عبد الحليم محمود، ود.محمد سيد طنطاوى.
وللدكتور البيومى إنتاج غزير فى حقول كثيرة يصعب حصرها، فى الأدب واللغة والتأريخ والتراجم والفقه والدراسات القرآنية والنبوية والشعر والمسرح الشعرى، ومن أشهر كتبه: ” البيان القرآني”، و” الأدب الأندلسى بين التأثر والتأثير”، و” النهضة الإسلامية فى سير أعلامها المعاصرين” وهو مجلد كبير من ستة أجزاء، و” البيان النبوي ” وهو فى الأصل رسالته للدكتوراة، و” مواقف وقضايا ” من جزأين، و” فى قصور الأمويين “، و” علماء فى وجه الطغيان”، و” الأزهر بين السياسة وحرية الفكر “، و” مواقف تاريخية لعلماء الإسلام “، و” خطوات التفسير البيانى “، و” التفسير القرآنى “، و” السيرة النبوية عند الرواد المعاصرين “، و” أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد “، و” حديث القلم “، و” على الجارم شاعر العروبة “، و ” مصطفى صادق الرافعى فارس القلم “، و ” من أعلام العصر”، و” محمد متولى الشعراوى: جولة فى فكره الموسوعى الفسيح “، و” ظلال من حياتى ” وهو لمحات ومحطات من سيرنه الذاتية.
كما أفرد كتابا للرد على المستشرق الفرنسي جاك بيرك بعنوان ” إعادة قراءة القرآن “عام 1999، وفيه كشف أباطيل بيرك وضلالاته، رغم أن هذا المستشرق الشهير كان يحظى بمكانة رفيعة فى مصر وبعض البلدان العربية، وكان عضوا فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
ومن الشعر ترك لنا د.البيومى عدة دواوين أشهرها: ” صدى الأيام “، و” حنين الليالى “، وديوان ” حصاد الدمع ” الذى جعله كاملا فى رثاء زوجه، ومن المسرحيات الشعرية : ” انتصار “، و” فوق الأبوة “، و” بأي ذنب ؟ “، كما ترك عدة مجموعات من قصص الأطفال أصدرها فى أجزاء متوالية عندما كان يعمل أستاذا فى إحدى جامعات السعودية، منها: ” المغامر الشجاع “، و” الهمة العالية”، و” الفارس الوفى”، و ” يوم المجد”، و ” الفتاة المثالية”، و ” دجال القرية”، و” الحبل الأسود” وغيرها.
وفى كل كتاباته كان مفكرنا الكبير يسعى إلى بث القيم التربوية الأصيلة، والدفاع عن الحضارة الإسلامية، وبيان وجه الإسلام المشرق وإنجازات رجاله، والرد على من يتهمون الإسلام بالتخلف، ويدعون إلى الاقتداء بالغرب وحضارته، حلوها ومرها، كما كانت له آراء صريحة فى النقد الاجتماعى، كتبها شعرا ونثرا، وكان من أوائل من توقف أمام انحياز المؤسسة الثقافية للعلمانيين الماركسيين، والاحتفاء بإنتاجهم الرديء، وقصر الجوائز عليهم، بينما حاربت غيرهم من المبدعين، أو همشتهم.
ويشهد له مجايلوه بأنه كان موسوعة فى العلم والأخلاق الحسنة، عفيف اللسان، طيب القلب، شديد الإخلاص، زاهدا لأقصى حد، وفيا يؤثر الآخرين على نفسه، لينا هينا، دائم التأكيد على أن الإسلام دين السماحة والاعتدال واليسروالمحبة الصادقة للناس جميعا، لكنه مع ذلك لم يأخذ كامل حقه، وتخلف عنه التكريم كثيرا، ونسيته أمته، التى جاهد من أجلها بقلمه ولسانه.