حكاية رمزية قرأتها مؤخرًا تلخص على بساطتها كثيرًا من مشاكلنا الاجتماعية التى يعانى منها أغلبنا حاليًا، الحكاية تقول إن أسرة مكونة من أب وأم وأولادهما كانوا فى بيتهم يناقشون مشاكلهم الحياتية عندما طرق على بابهم طارق، كانت الأم الأقرب للباب وفتحت لتفاجأ بثلاثة شيوخ كبار فى السن كان من الواضح أنهم من عابرى السبيل، وربما استبد بهم الجوع أو العطش فطرقوا باب الأسرة. دعتهم الأم للدخول لتناول ما يحتاجون من طعام وشراب، لكنهم قالوا لها إنه لا يمكن لثلاثتهم الدخول وإنها يمكن أن تستضيف واحدًا منهم فقط.
اندهشت الأم وطلبت أن تتعرف على أسماء الثلاثة حتى تدخل وتستشير أسرتها فى الأمر، فقال أحدهم إنه المال وقال الآخر إنه النجاح بينما قدم الثالث نفسه على أنه الحب. دخلت السيدة وحكت لأسرتها حكاية الثلاثة الذين بالباب وطلبت من الأب أن يختار أحد الثلاثة ليسمح له بالدخول، فقال الرجل بدون تردد: مرحبا بالمال طبعا. أوشكت الأم أن تنفذ رغبة زوجها بالسماح بالمال بالدخول، فقال لها الابن مقترحًا: بعد إذن والدى أنا أرى أن نأتى بالنجاح، ويمكن للنجاح بعد ذلك أن يأتى بالمال. فهتف الأب: فعلًا اقتراح معقول جدًّا، فلتسمحى للنجاح بالدخول. وقبل أن تهم الأم بالذهاب للباب حيث وقف الضيوف الثلاثة قالت الابنة: ولماذا لا نسمح للحب بالدخول؟ الحب والحب فقط هو من يأتى بالنجاح ومن ثم بالمال.
وافق الجميع على اقتراح الابنة وذهبت الأم لتعلن لضيوفها الثلاثة أن مناقشات الأسرة أسفرت عن اختيار الحب ليدخل بيتهم. وهنا كانت المفاجأة التى أعلنها كبير الضيوف عندما قال لها أن الحب هو الاختيار الوحيد الاستثنائى الذى يسمح لأصحاب البيت باستضافة الثلاثة كلهم، الحب يتبعه النجاح ثم المال.
مشكلة أغلبنا وأنا على رأسهم أن اختيارنا الأول سيكون للمال، إلا من رحم ربى طبعا وأنار بصيرته بأضواء كاشفة تبين له أن المال ليس بالضرورة هو الاختيار الأمثل كما يظن أغلب الناس، وأن المال ليس بالضرورة هو الطريق الوحيد للقضاء على مشاكلنا، فكم من بيوت مليئة بالمال لكن السعادة لا تعرف لها طريقًا.
تأمل جيدًا هذه القصة الرمزية لتجد أن اختياراتنا المادية لا ينتج عنها أبدًا الهدوء والاستقرار اللذين ننشدهما. انظر مثلًا إلى أى اتفاق زواج جديد لتتأكد أن الموضوع تحول فى أغلبه إلى ما يشبه الصفقة التجارية التى يريد كل طرف أن يخرج منها بأكبر قدر من المكاسب وبأقل الخسائر الممكنة، نادرًا ما تجد والد العروس ووالدتها يفكران فيما لو كان عريس ابنتهما سيوفر لها الحب الذى يضمن له أن يصونها ويحميها، كما أن العريس كل همه أن يحصن نفسه حتى لا يجد نفسه مطالبا فى حالة فشل الزيجة بأن يدفع كذا وكذا من مستحقات؛ لذا غابت السعادة عن البيوت وبات الطلاق مع الأسف هو مصير كثير من العلاقات الزوجية. الموضوع ليس فقط مرتبطًا بالعلاقات الإنسانية، بل امتد لغيرها من القضايا، فكم من شاب فى مقتبل حياته يفضل أن يعمل بمهنة لا يحبها حيث تحقق له دخلًا معقولًا من وجهة نظره، بينما فى الحقيقة هو يحكم على نفسه بالفشل مبكرًا حيث من المؤكد أنه لو عمل فيما يحب فسيحقق أضعاف ما كان يحققه فى غيرها، فليس كل النجاح فقط فى الماديات ولكن أغلب السعادة فى القليل لو توافر الحب الذى يفتقده أغلبنا.
جربوا الحب وافتحوا له قلوبكم قبل بيوتكم، بالحب وحده تعمر هذه القلوب وتلك البيوت، ولو كان حبًّا حقيقيًّا فحتما سيتبعه النجاح ثم المال، فاعتبروا يا أولى الأبصار.