فتح التطور الهائل في الفضاء الإلكتروني بادواته ووسائله الجبارة أبواب الأمل البراقة أمام كثير من المسلمين لنشر الدعوة الإسلامية وتوصيلها إلى العالمين وايضا وهو مهم جدا الدفاع عن الإسلام والمسلمين والرد على الشبهات والاباطيل وضد حملات التشويه والتلفيق والعبث بعقول الكثيرين لوقف المد الإسلامي المتواصل والمتزايد في كل مكان ..بأي طريقة ولو على حساب الحقيقة وتجاوز كل الأعراف والتقاليد والأطر الشرعية المعروفة والمستقرة عالميا ..
وقد أدرك المسلمون مبكرا ولو على نطاق ضيق في بداية ظهور وانتشار النت ووسائل التواصل الاجتماعي واخواتها الشهيرة أهمية وتأثير تلك الوسائل والأدوات المعاصرة وضرورة استغلالها في الدعوة الإسلامية حتى أن البعض اعتبر أن الانترنت واستخدامها أصبح فريضة دينية دعوية وضرورة يحتمها الواقع المعاصر .. وذهبوا إلى ما هو أكثر من ذلك باعتبارها مصرفا من المصارف التى يجوز الإنفاق عليها من أموال الزكاة من باب .. في سبيل الله..
وعدها البعض بأنها من ابواب الجهاد بالمال يجوز الإنفاق عليها لإبلاغ الرسالة إلى الأقوام الذين يعجز المسلمون عن الوصول إليهم بالطرق التقليدية والمباشرة لإيصال كلمة الله تبليغها إلى جميع أنحاء العالم عبر استعمال تلك الشبكات الإلكترونية ..
وأراها رؤية متقدمة ودعوة مفتوحة لكل قادر ومستطيع لتأسيس نظام دعوي شامل يستغل ويستفيد من كل الإمكانيات التى تتيحها التكنولوجيا عبر الفضاء الإلكتروني .. يعتمد هذا النظام على وسائله وقدراته الخاصة وابداعات العقول المختلفة في ابتكار وتأسيس أطر معرفية وبرامج عالمية تنافس الموجودة على الساحة بل وتفوقها ليكون لدى المسلمين الأدوات الخاصة بهم المأمونة للوصول إلى ساحة المعرفة الصحيحة بطرق آمنة بعيدا عن الغش والتدليس والدخول في متاهات وغياهب الجب للأفكار الضالة والجماعات المنحرفة عبر بوابات التاريخ السوداء وايضا لتحقيق التفاعل الجاد والصادق في مواجهة أي محاولات الاختراق والغزو الثقافي وصد جحافل التغريب المهووسة بكل ما لدى الآخر الغربي حتى وإن تعارض صراحة مع صحيح الدين وقواعده وما هو معلوم من الدين بالضرورة ..
أن هذه الرؤية الواضحة تضع رجال المال والأعمال المسلمين أمام تحديات كبيرة ومنافسة حقيقية مطلوبة ومرغوبة من أجل دين الله للدعوة إليه من ناحية والدفاع عنه ضد المغرضين والمعاندين وحملة معاول الهدم والمأجورين الكارهين للدين والرسول صلى الله عليه وسلم..
قد يصاب البعض بالدهشة أن كثيرا من المشروعات العملاقة مثل جوجل الجبار في عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي واخواتها.. كانت في الأساس نتاج اعمال وقف خيري .. مال وهبه أصحابه لخدمة أصحاب المواهب العلمية وغير القادرين ومشروعات بحثية كبيرة أخرى في مجالات الطب وغيرها كان لها انعكاساتها ونتائجها الرائعة لخدمة الإنسانية .. وعلى مر التاريخ كان الوقف الإسلامي رائدا بل وقائدا في المسيرة الحضارية للأمة الإسلامية في كل مكان تصله انوار الاسلام .. ابحث وراء المؤسسات الكبرى ومشروعات التعليم والصحة والجامعات ستجد أن المحسنين كانوا هناك غرسوا مشاعل النور والامل للإنسانية بكل إنسانية ..
لقد بلغ تفاؤل المتفائلين على الساحة الإسلامية بما يمكن أن يحدثه التفاعل على الفضاء الإلكتروني في حال صحت وصدقت النوايا مع إخلاص العمل لله ورسوله مبلغا لدرجة أن اعتبروا هذا التوجه طريقا للتقارب ودعم وحدة الأمة وسماها البعض الإخوة السيبرانية..وطرحوا تساؤلات في هذا الإطار منها هل يمكن أن تكون طريقا للتقارب الأمة ؟! مثلما فعل الباحث د.شريف عبد الرحمن سيف النصر..ولكن هيهات هيهات ان يحدث مع ما يجري على الأرض!
وقد ذهبوا هذا المذهب على اعتبار أن جزءا معتبرا من الفضاء الإلكتروني ينهض به متدينون سواء عبر تحميل المواد الدينية أو الاستماع إليها مرورا بالحصول على الفتوى والتفاعل مع نفس المنتمين إلى المعتقد وانتهاء بالنقاش مع وأحيانا المناظرة مع الآخر حول مغزى ومعنى ما يتم الايمان به من عقائد أو ما يتم ممارسته من طقوس..
.. لابد أن نسجل هنا أن المؤسسة الدينية الرسمية بدأت تشارك بفاعلية ولم تصل بعد حد المزاحمة على الفضاء الإلكتروني الا انها وضعت لها موطأ قدم وتحاول التقدم بخطا حثيثة وأثبتت وجودا فاعلا نأمل أن يستمر في التقدم ويسبق خطوات الآخرين خاصة في الأعمال التفاعلية والقوالب الحديثة للتواصل وأشكاله المتعددة..توجد جهود مشكورة لمشيخة الأزهر والهيئات التابعة لها من مجمع البحوث وهيئة كبار العلماء وإدارة المصحف الشريف والمركز العالمي للفتوى ومرصد الازهروغيرها ..
وكذا الحال بالنسبة لدار الإفتاء المصرية وجهودها الدائمة في التفاعل مع كثير من القضايا العصرية وباللغات المختلفة.
ايضا هناك جهد كبير ومهم لوزارة الأوقاف من خلال موقعها الإلكتروني باللغات المختلفة وما يقوم به المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ..وقد قطعت وزارة الأوقاف خطوة متقدمة جدا على الطريق حين أعلن فضيلة الدكتور محمد مختار جمعة عام 2023 هو عام الدعوة الاليكترونية.. وكما قال الوزير أنه تم اتخاذ الفضاء الإلكتروني هدفا محوريا واقتحمته الوزارة بقوة من خلال إستخدام عدد من الوسائل والتقنيات الحديثة وعقد الدورات التدريبية حول الاستخدام الرشيد للفضاء الالكتروني..من خلال التدريب عن بعد والتحفيز عن بعد واستخدامه استخداما واسعا للوصول بالرسالة الوسطية إلى مختلف دول العالم بسهولة ويسر.. إضافة إلى التنبيه المستمر من خلال الاصدارات والمقالات والخطب إلى محاذير الاستخدام الخاطئ للفضاء الالكتروني..
أشار وزير الأوقاف إلى أن قمة ذروة الاهتمامات بالقضية يتمثل في المؤتمر القادم للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي يعقد خلال يومي 9 و10 سبتمبر القادم تحت عنوان: الفضاء الإلكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني بين الاستخدام الرشيد والخروج عن الجادة ..
ويناقش عددا من البحوث العلمية حول الفضاء الإلكتروني والعمل الدعوي الاسلامي قدمها علماء ومتخصصون من دول العالم الإسلامي على عدة محاور ..منها : الفضاء الالكتروني ضرورة عصر والوسائل التقليدية واثرها في تناول الخطاب الديني والفتوى الالكترونية والتحفيظ والتدريس عن بعد والاستخدام غير الرشيد للفضاء الالكتروني وتصحيح المسار..
الإدراك المتصاعد لأهمية وخطورة وسائل التواصل الحديثة من جانب المسلمين سبقه اهتمام أكبر بكثير من جانب القوى المعادية للإسلام وبالتالي لم يكن طبيعيا أن تترك الساحة خالية للجهود الإسلامية لتواصل مسيرتها فكانت الحرب الشعواء والعميقة والضرب بكل قوة في محاولة لإجهاض التوجهات الجادة والمخلصة والإعاقة لأي تقدم أو على الأقل تشويهه والتحذير منه..
لذلك لم يكن غريبا أن تنتشر المواقع المضادة والمعادية بشكل صريح أو تلك التى تعمل من وراء ستار .. لكن المفاجأة ذلك العدد المهول في المواقع المعادية للإسلام والتى بلغت نسبة يصعب تصورها .. إذ تشير الإحصاءات إلى أن المواقع المعادية للإسلام على النت تزيد على المواقع الإسلامية بمعدل ١٢٠٠%ونصيب المسلمين لايزال هزيلا حتى الآن ولا يرقى إلى المستوى المطلوب.!! وتشير أحدث دراسة في هذا الصدد وفقا للدكتور عماد جابر في دراسته الميدانية عن دور شبكات التواصل الاجتماعي في تصحيح صورة الإسلام على النت إلى أن المنظمات المعادية للإسلام هي صاحبة اليد الطولى في المواقع الدينية على الشبكة حيث تحتل نسبة 62% من المواقع يليها في الترتيب المنظمات اليهودية بينما يتساوى المسلمون مع الهندوس فلم تزد حصة اي منهما على 9%على الشبكة.!!
الحركة الدائبة والقوة الهادرة لاستغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة والتطور المذهل في طرق الاتصال والتفاعل الحيوي بالصوت والصورة وينضم إليهما بقوة الذكاء الاصطناعي.. ترك آثارا مهمة على المتدينين وعلى حركة التدين وأشكاله ايضا..
فقد أظهرت وسائل التواصل نوعا جديدا من الخطاب الديني خاصة على مستوى الأفراد حتى ولو لم يكونوا متدينين في الأساس .. ولكنه خطاب غزير مليء بالشكوى إلى الله واللجوء إليه ويرا ه البعض خطاب هروبي من الواقع ويدعو الآخرين لمشاركته ..
ويرى بعض المتخصصين أن وسائل التواصل خلقت نوعا جديدا من التدين الفردي والمستقل عن الحركات التقليدية وايضا عن المؤسسة الرسمية فهو تدين أكثر انفتاحا واستقلالية عن فكر الجماعات إياها سواء كانت سلفية أو جهادية أو تحت أي مسمى ..
فتعزيز التدين الفردي جاء نتيجة طبيعية للتحولات الكبرى التي عرفها الحقل الديني وهو يعنى أن الفرد وخاصة الشباب يصبح مرجعا لنفسه في الاستمداد والتلقين والمارسة والتوجيه والسلوك..ويسقط كل المرجعيات والسلطة الدينية سواء تقليدية كالمسجد والأسرة أو أي جماعة أو مؤسسة رسمية اوغيرها من التى تنتج أو تعيد إنتاج القيم الدينية ..حيث ساعدت المعرفة سهلة التداول على مزاحمة المؤسسات التقليدية وطرق التعلم التقليدية ..
ولعل هذا الملح يلقي باعباء كبيرة على المؤسسة الدينية الرسمية ودورها وطريقة تعاملها وتفاعلها الجاد على الفضاء الالكتروني فموقفها مهدد ومصداقيتها أصبحت على المحك الا اذا .. ويزداد الامر خطورة اذا ما علمنا ان جهات معادية تدفع في هذا الاتجاه للخروج من ثوب الإسلام التقليدي ووما يسميه البعض بفك الارتباط بالمؤسسة التقليدية وبالمنبر وبالخطيب الأرضي والتلقي المباشر الى نوع من الخطاب الفضائي والى دعاة حداثيين والى لغة خطاب تتساهل في القضايا الأخلاقية بحجة الانفتاح على قضايا العصر .. وأيضا يراه البعض مدخلا اوبابا للخروج من ثوب الإسلام السياسي وسيطرة الجماعات إياها.. اضف الى ذلك التجاذبات الحادة والقوية حول قضايا مهمة وحساسة مثل الهوية الدينية وطبيعة واشكال التدين على الساحة.. وما محاولات فرض نماذج واشكال معينة للاسلام في الدول الغربية ببعيد وكثيرا ما نسمع عن الإسلام الفرنسي الإسلام الألماني الإسلام الامريكاني وهكذا.. ومن عجب انهم يريدون ان ينشروها بين أبناء المسلمين حتى في عقر دارهم..وهذه هي قمة الطامة الكبرى.!!
وفي الاطار لايمكن أن نغفل بعض تأثيرات الإلحاح المستمر على العولمة وقيمها من خلال وسائل عديدة أخرى سبقت حتى وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة حاليا مما ساعد على ظهور خطاب توفيقي أو تلفيقي لجأ اليه البعض لإثبات أن المسلم يمكنه أن يعيش في عصر العولمة مع الاحتفاظ بقيمه ودينه وثقافته..
ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي في التدين وبالمتدينين قضية كبيرة سنعود الي بقية التفصيل المثيرة ان كان في العمر بقية ان شاء الله..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com