من جديد، تتحفنا الناقدة المتفردة، حقا، سيزا قاسم دراز بهذا الكتاب القيم، الذي يرسم الخط الفكري، ويؤطر المنهج النقدي لديها، وفي تقديري يعد هذا المؤلف عصارة لفكر قاسم عامة، والنقدي خاصة.. يتسم منهج قاسم بالموسوعية، والتساؤل والحفر الدؤوب في حقول المعرفة، عبر المقارنة ونسج خيوط التداخل بين هذه الحقول، من ثم فإن أبرز آليات هذا المنهج تتمثل في: التعلم، والمساءلة، والحفر والتمثل والاستنتاج.
وقد تجلى ذلك في مرحلة باكرة من دراساتها، متجسدة في دراستيها عن “ثلاثية نجيب محفوظ.. دراسة مقارنة”، وهي دراسة مقارنة في البناء الفني بين ثلاثية محفوظ وملحمة جالزورزي “الفورسايت ساجا”، وكذلك في كتابها “طوق الحمامة في الألفة والألاف لابن حزم الأندلسي.. تحليل ومقارنة”. هذا الاختيار من جانبها لمباحث المقارنة ينم، في رأينا، عن إدراك ووعي نقدي وفكري لأسرار المقارنة بين النصوص ليس في ميدان الأدب والنقد فحسب، بل نجدها تتمثل هذه المقارنة بين النصوص المكتوبة والمرئية، وإدراك العلاقات والتأثير والتأثر بين المكتوب والمرئي، ولقد تجلى ذلك في كتابها القيم “القارئ والنص..العلامة والدلالة”، بالتركيز على أنظمة العلامة اللغوية والدلالية متجلية في المنهج السيميوطيقي، ولعل كتاب “مدخل إلى السيميوطيقا: أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة”، الذي حررته بمشاركة المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، يهدينا إلى طبيعة المنهج النقدي لدى سيزا قاسم، الذي أخذ يتطور من البنيوية، كما تجلت في دراسته عن ثلاثية نجيب محفوظ، إلى السيميوطيقا، ويأتي هذا السفر الأخير “شذور الذهب ..في التفسير والتاريخ والفن والأدب”، الذي صدر عن سلسلة كتابات نقدية، ليؤشر إلى تلك التحولات في المنهج النقدي لسيزا قاسم، والذي أرى من خلال مباحثه ودراساته المتنوعة، الجنوح إلى التحليل الثقافي للظاهرة الأدبية، غير غافل عن الاستعانة بالمناهج الأخرى في الإضاءة على جوانب النص المتعددة، فهناك دراسات عن : ملاحظات منهجية حول دراسة الخبر: تعريفه، بنيته، دلالاته، وظيفته، تآلفه. وعن : الخطاب التاريخي من التقيد إلى الإرسال: قراءة في الطبري والمسعودي وابن خلدون. وعن : العلاقة بين التاريخ والرواية: مدخل وعرض تحليلي. وعن: الجنون بين إرازموس والنيسابوري، والذاكرة تأم الخيال، ودعوة إلى رحلة “نوبة” مارجو فيبون، ودراسة عن ديوان “آية جيم” للشاعر المبدع الكبير د.حسن طلب، وتأملات حول ديوان جرجس شكري”أشياء ليس لها كلمات”.
وهنا يلحظ القارئ، كما أشرنا، عماد جل كتابات قاسم، قائم على المقارنة، كما يلحظ أيضًا الجدة والتنوع والتأصيل، القائم على دراسة النص، سواء كان أدبيا خالصا أو يتداخل مع الأدبي، وهنا يبرز ذكاء قاسم في الاتكاء على معطيات الدراسة البينية بين حقول العلوم الإنسانية المختلفة، عبر الفهم والاستيعاب الكامل والمساءلة والاستنتاج.