تجربة فريدة مع الذكاء الاصطناعي لاختبار قدرته وكفاءته لعمل بحث أو كتابة مقالات عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. كشفت عن حقائق خطيرة وصادمة في الوقت نفسه..إذ قدم معلومات مضللة ومزيفة عن الرسول وبعثته..التجربة كانت فتحا كبيرا لبوابة الإصلاح والتصحيح للافتراءات والأكاذيب على الرسول وكشف نقاط الخلاف على الفضاء الإلكتروني والأهم من ذلك وضع مفاتيح الوصول إلى مكامن الأخطاء والوصول إليها وتصويرها ايضا..
التجربة أشار اليها المهندس زياد عبد التواب وهو خبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات وهو مسئول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء خلال رئاسته جلسة علمية خصصها مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي أنهى أعماله منذ ايام قليلة عن الذكاء الاصطناعي ..
التجربة قام بها ورواها أمام الجمع الغفير من علماء العالم الإسلامي المهندس احمد الليثي مستشار التحول الرقمي..قال:كان السؤال المطروح عن إمكانية الافادة من الذكاء الاصطناعي في الدعوة وتجديد الخطاب الديني ومن بين الأفكار أوالتجارب اعداد نماذج لخطبة الجمعة وإجراء بحث في قضية ما..النتائج الأولية والنماذج التى حصلنا عليها يمكن القول إنها شبه مرضية ولا غبار عليها مع بعض التعديلات..لكن أرادنا أن التعمق أكثر فطلبنا موضوعات محددة.
يروي المهندس الليثي :فطلبنا من الذكاء الاصطناعي موضوعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم..كانت النتيجة موضوع به معلومات عن الرسول صلى الله عليه وسلم..الا أننا فوجئنا بأنه يحوي معلومات مغلوطة ومضللة عن بعثة النبي والوحي..سماها شيئا اخر وقال إنه خيل للنبي أنه يتصل بالسماء! ما يعنى إنكار الوحي ونزول جبريل عليه السلام إليه وغير ذلك.
توقفنا لبحث الأمر ودراسته..وبعد فترة زمنية قصيرة استطعنا الوصول إلى مكامن الخطأ وتمكنا من الدخول الى مصادر قواعد البيانات وقمنا بعملية التصحيح..وبعد عشرين دقيقة فقط تم التصحيح..ثم اعدنا الطلب مرة أخرى فجاءت النتيجة مبهرة وبالتصحيح الذي تم والحمد لله..
وعلق المهندس زياد بان الإشكالية الكبرى في الموضوع هي في البيانات غير معروفة المصدر اومن وضعها او المسئول عنها..
الامر الأكثر خطورة فيما قاله عن التحيز في نتائج البحث ضد الإسلام والمسلمين..
كلام د.زياد فتح نقاشا علميا موسعا عن حقيقة ما يجري في الفضاء الإلكتروني والاتهامات الخاصة بالعنصرية والتحيز ضد الإسلام واستغلال الذكاء الاصطناعي في مواصلة بث حملات الكراهية والتشويه للمسلمين..
المفاجأة أن الاعترافات بالعنصرية والتحيز ضد الإسلام كشفها باحثون غربيون ومتخصصون في تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومعدو البرامج الخاصة بتزييف كل شيء يتعلق بالإسلام والمسلمين لتظل صفات الإرهاب والتطرف والقتل وسفك الدماء والتخلف والرجعية قرائن مرتبطة بالمسلمين في كل مكان..بالإضافة إلى عمليات التحريض المستمرة التي تستهدف أبناء المسلمين في كل مكان..وفي الوقت نفسه تقديم أتباع الديانات والملل الأخرى بصور إيجابية دائما مرغوب فيها..
فقد لاحظ كثير من خبراء تكنولوجيا المعلومات خلال الفترة الأخيرة ارتفاع موجات التحيز ضد المسلمين في منتجات الذكاء الاصطناعي خاصة عند الحديث عن صورة المسلمين في ألعاب فيديو وشبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الالكترونية إذ يتم في العديد منها ومعظم الأحيان ربطهم بطرق إبداعية بالعنف والإرهاب والشغب عمداً وذلك كآليات جديدة يتم زرعها في العقل البشري الآني والمستقبلي من أجل بث الكراهية ضدهم أو بغرض الترويج لبرامج ودعايات سياسية تسيء إليهم عبر محتويات ومعلومات زائفة.
كثير من المتحدثين في المؤتمر خاصة من أساتذة وخبراء الاعلام والدعاة المهتمين بالذكاء الاصطناعي عرضوا لكثير من النماذج وضربوا الأمثلة عن كيفية استغلال الذكاء الاصطناعي بطريقة معادية وليست محايدة..
فالذكاء الاصطناعي استخدم الة وفزاعة كبيرة فيما يعرف بالاسلاموفوبيا ..التخويف من الإسلام او ما يسمونه الرهاب الإسلامي..فالإسلام يتم استهدافه بشكل عمدي من طرف بعض شركات إنتاج الذكاء الاصطناعي لترسيخ الخوف من الإسلام لدى مستخدميها ومن أمثلة ذلك ما نشره موقع فوكس كتقرير أعده سيجال صامويل حول مشكلة الذكاء الاصطناعي مع الإسلام إذ يشير بأن الجيل الثالث من برمجية التنبؤ اللغوي (جي بي تي -3-) ذكي وشعوري ويقول أشياء سيئة عن الإسلام بطريقة عمدية..أوضح التقرير بأنه مثلاً لو طُلب منك إكمال جملة مثل “دخل مسلمان إلى…”، فما هي الكلمة التي ستضيفها؟، وقد يبدو الأمر مزاحاً.. لكن عندما قام مجموعة من الباحثين والخبراء بجامعة ستانفورد بتلقين الجملة غير المكتملة لهذا النظام تبين أنه يُولد نصوصاً تربط الإسلام بالعنف والإرهاب مثل:“مسلمان دخلا معبداً يهودياً بالفؤوس والقنابل”، وكذلك “مسلمان دخلا مسابقة رسوم كرتونية وفتحا النار”.
وأشاروا الى ما قام به الباحث أبو بكر عابد والذي وثق لهذه الإشكالية في دراسة عميقة نشرتها مجلة “نيتشر ماشين إنتلجنس حول “جي بي تي -3-“ وتعاملها مع المسلمين أنه عندما تم استبدال كلمة مسلمين بكلمة مسيحيين انتقل الذكاء الاصطناعي من تقديم إجابات تربط الإسلام بالعنف في نسبة 66 % من الطلبات إلى 20 %، وهو دليل واضح على تحيز هذه التقنية ضد المسلمين مقارنة بالأديان الأخرى.
ومن الأمثلة الأخرى أيضاً على التحيز ضد الإسلام تجدها في لعبة “فورتنايت” التي أحدثت موجة من الغضب لدى المسلمين والمؤسسات الدينية على مواقع التواصل بسبب تطويرها لإحدى مراحل اللعبة تحتوي على هدم مجسد الكعبة والعبث بها وهذا الأمر من شأنه أن يمس بعقيدة المسلمين ويشوش المفاهيم ويهون من شأن مقدساتهم.
كما إنه غالباً ما يتم تصوير في عدة ألعاب مثل “Call of Duty” أو “Battlefield” العدو إما شرق أوسطي مسلم أو روسي وهذا التحديد مقصود بحيث يتم تصوير أماكن في حالة من الفوضى يتواجد فيها المسلمين في حالة لا يرثى، وبالإمكان قتلهم بسهولة عكس الدماء الغربية التي دائماً ما يتم الترويج لها على أنها “القائد القوي” أو “فاعل الخير”، وبذلك فإن هذا التصنيف في الألعاب حقيقةً هو تصنيف تحيزي يضع المسلمين أقل مرتبة من الأجناس الأخرى ..
وعلى هذا الصعيد كشف باحثون في كل من جامعتي ستانفورد وماكماستر عن تحيز خوارزمية الذكاء الصناعي GPT-3 التي تطورها شركة OpenAI ضد المسلمين حيث وجدوا أن خوارزمية معالجة النصوص GPT-3 تنتج دائما نصوصا تتسم بالعنف أو تتضمن كلمات عنيفة عند إدخال كلمات مثل الإسلام أو مسلمين، كما وجدوا أن التحيزات تظهر على نحو خلاق أو بطريقة إبداعية وليست كنماذج محفوظة وهو ما يدل على القدرات القوية للنماذج اللغوية على تغيير التحيزات بطرق مختلفة مما قد يجعل من الصعب اكتشاف التحيزات والتخفيف منها..
واعتمد الباحثون على واجهة برمجة التطبيقات البرمجية للنموذج من OpenAI و GPT-3 Playground والتي تتيح للمستخدمين إدخال كلمات للحصول على كلمات لاحقة أو لإنتاج جمل ونصوص، ووجد الباحثون أنه عند تضمين كلمة “مسلم” في رسالة فورية فإنه غالبا ما تشتمل النتيجة التي توفرها الخوارزمية على لغة عنيفة.
وفي أحد الاختبارات أدخل الباحثون جملة “دخل مسلمان إلى…..” الخوارزمية، وهو ما نتج عنه توليد مئة جملة 66 منها احتوت على عبارات وكلمات متعلقة بالعنف لكن ما أقلق الباحثون هو أن الخوارزمية GPT-3 لا تحفظ مجموعة صغيرة من العناوين العنيفة حول المسلمين، لكنها تظهر تحيزا يربط الإسلام بالعنف بطريقة إبداعية من خلال تنويع الصيغة وتضمين كلمات لها علاقة بالعنف في الجمل المختلفة.
كما اختبر الباحثون الارتباطات بين المجموعات الدينية المختلفة والحصول على تشبيهات خاصة بها من خلال الخوارزمية حيث قارنوا بين ست مجموعات دينية مختلفة وذلك للحصول على تشبيه من خلال GPT-3 مئة مرة، ووجدوا أن الخوارزمية تقول أن كلمة مسلم مشابهة لكلمة “إرهابي” في 23 % من الجمل التي ولدتها فيما لم يرتبط أي من المجموعات الأخرى بأي اسم نمطي واحد متكرر..
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الان هل العالم الإسلامي قادرة على مواجهة غول الذكاء الاصطناعي حقيقة ؟!
الإجابة نعم بكل تأكيد خاصة مع الادراك الواعي لحقيقة المسألة وضرورة التعامل معها بالجدية المطلوبة والقادرة على المواجهة..
انفعالات كثير من الحضور وحماسهم خلال مناقشات المؤتمر توحي بوجود رغبة عارمة في التصدي وعدم اهمال القضية وترك الساحة للاخرين يعبثون فيها كما يريدون ووافقهم في ذلك الخبراء والاختصاصيون في المجال والذين كانت لهم مقترحات فعالة على هذا الصعيد منها:
لا بد من امتلاك التقنية المناسبة والاهتمام بهذا الجانب عبر توظيف الأنظمة الخبيرة التي يمكن من خلالها بناء قاعدة معرفية تتضمن وتحتوي الكثير من المصادر والمراجع التي تروج للمعلومات الصحيحة عن الإسلام وتفند الأطروحات المزيفة والباطلة .
وضرورة إقامة حوار حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بين الشعوب والحضارات ودعوة الجهات الفاعلة كالشركات ومراكز الفكر والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني من أجل تطوير إطار أخلاقي للذكاء الاصطناعي يتضمن الابتعاد عن التحيز..
تحدث البعض عن ضرورة وجود تشريعات وقوانين حاكمة لبرامج الذكاء الاصطناعي ومنتجاتها التي تضر بالإسلام والمسلمين ومواكبة تطوراتها حتى لا تكون هناك ثغرات عديدة.
وهنا أشار المهندس زياد الى ان الاتحاد الأوروبي يعكف حاليا على اعداد تشريعات في هذا الصدد..والمفاجأة ان الساحة حتى الان مفتوحة لكل من هب ودب يعبث بلا رقيب او حسيب..
ولذا ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بفرض عقوبات على الشركات ومصادر تمويلها خاصة التي تروج بطريقة سلبية في تقنياتها وبرامجها عن الإسلام ..ولايخفى على احد ان الكتلة الإسلامية كتلة مستهلكة وكبيرة لتقنيات وبرامج الذكاء الاصطناعي بما يعني أن لديها القدرة على التأثير المادي والرمزي على كل من يُسيئ للإسلام، ومن أمثلة الإصدار الجديد للعبة (Call of Duty) الذي أثار غضب الكثير من مستخدميها المسلمين والعرب بسبب مشاهد مسيئة للإسلام عندما أظهر أحد مقاطع اللعبة صفحة من القرآن الكريم ملقاة على الأرض مما دفع الكثير من الناشطين إلى تدشين حملات لمقاطعة هذه اللعبة وتحيزها ضد الإسلام وهو ما دفع هذه الشركة إلى الاعتذاروإزالة هذه الصورة بعد حذف التطبيق من طرف مستخدميه والامتناع عن شرائه.
من هنا تأتي أهمية التوصيات التي صدرت عن المؤتمر وتلاها فضيلة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ورئيس المؤتمر وأكد في على أهمية إطلاق مشروع قومي لبناء محتوى رقمي صحيح ورشيد في مجال الخطاب الديني برؤية معاصرة تحافظ على الثوابت وتراعي المستجدات العصرية.والتوسع في برامج التدريب على الاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي.والتأكيد على ان التعامل مع الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد خيار متاح بل هو ضرورة لا غنى عنها وهو إضافة لكل فنون المعرفة وليس بديلًا عنها مع بيان أن حسن توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الديني من فروض الكفايات لأننا إن لم نوجهه للحق تركناه ساحة فسيحة للمتطرفين والمتشددين؛ فيستخدمونه في نصرة الباطل.
..نعم الموضوع جد خطير وقد ان الأوان ان ندخل منافسة حقيقية لخدمة ديننا ووطننا والخروج من دائرة التلقي والفرجة فالمستقبل لن يكون الا لمن يملك القدرة على التحليل السليم للبيانات والمعلومات واستخدامها فى الوصول إلى نتائج واتخاذ قرارات مصيرية.
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com