محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . من أفذاد الخلق الذين حلقوا فى أعلى المستويات دون أن يفقدوا ثبات رشدهم .. وحين كانت رأسه فى السماء . ظلت قدماه على الارض . اى : ان الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا يصدر فى نطقه فيما يأتيكم به عن هوى نفسه ورأيه . وإنما الذى ينطق به ، هو وحى من الله تعالى – اوحاه إليه على سبيل الحقيقة التى لا يوم حولها شك أو ريب . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الرحمة ، ويحث أصحابه عليها وكان فى تصرفه ومعاملته للناس ، قدوة صالحة للرحمة . يرحم الصغير والكبير ، ويرحم الصديق والعدو ، وكان قلبه الكريم يذوب اشفاقا للمساكين الذين يستحقون الرحمة . ولقد خاطب الله سبحانه وتعالى رسوله الاكرم فى القرآن الكريم بقوله : ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) . سأله اصحابه يوما : يا رسول الله . أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم . وعادوا يسألونه : ايكون بخيلا ؟ قال : نعم .. وسألوه . للمرة الثالثة : ايكون كذابا ؟ قال : لا . وللرسول حديث ، نستطيع أن نبصر فيه أذكى تصوير للاشاعة الكاذبة . فهو عليه الصلاة والسلام يقول : ان الشيطان ليتمثل فى صورة الرجل فيأتى القوم ، فيحدثهم الكذب فيتفرقون . فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أعرف وجهه . ولا أعرف اسمه يحدث كذا ، وكذا .. انظروا .. أعرف وجهه ، ولا أعرف اسمه ! .. اليست هذه هى الأشاعة ؟! نتناقلها جميعا . دون أن نعرف مصدرها ، وحقيقتها .. وكل حجتنا معها هى ( سمعت ) : وهنا يلامس الرسول صلى الله عليه وسلم صميم هذه الزاوية التائهة من زوايا الرذيلة الخطرة .. رذيلة الكذب – فينتهى عن الثرثرة ، فى كلمات مفكرة حكيمة – ويقول : ( كفى بالمرء كذبا ، أن يحدث بكل ما سمع .. ) . ولقد ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم فى مجتمع وعالم قاس لا يعرف الحب ولا المغفرة ، فقد كان الجاهليون يعتقدون ان الانتقام من مكارم الاخلاق ، وأن المغفرة ضعف ، بل ان لفظ المغفرة لم يرد فى استعمالهم الا فى بعض ما قال زهير بن أبى سلمى .. ولم يكن العفو قط من شيم الجاهليين ، بل كان الانتقام قاعدة من قواعدهم الاخلاقية . وكان عليه الصلاة والسلام يجالس المستضعفين ويعامل بلالا الحبشى ، وعمار بن ياسر ، وخباب بن الارت معاملة الصديق ، كرهوا ذلك ، ووجدوا فيه مساسا بكرامتهم ، وكان ذلك من أسباب احجامهم عن دخول الإسلام . الواقع أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آية من آيات التاريخ ولكن كيف ؟ أراد الله أن يكون الإسلام اعزازا للفكرة الإنسانية ، ولكن بنى آدم يؤذيهم ذلك ، لأنهم خضعوا لالوف أو ملايين من الاوهام التى تشل القلوب والعقول . محمد صلى الله عليه وسلم إنسان بشهادة القرآن الكريم ، والقرآن كتاب سماوى نص على أن محمدا انسان وبنو آدم يؤذيهم أن يتلقوا الحكمة عن رجل يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق .وما يجوزعن جمهور المسلمين أن يقال : ان الله خص محمدا بالرسالة ، لانه كان وصل الى أسمى الغايات من الوجهة الإنسانية ، ولا أن يقال : ان الله اختار ذلك الرسول من العرب لانهم كانوا وصلوا الى غاية عالية من قوة الروح . كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم انسانا قبل ان يكون نبيا . وذلك من أعظم الحظوظ التى غنمها فى التاريخ ، فسيأتى يوم قريب أو بعيد يثور فيه الناس على الامور الغيبية . ولكنهم لا يستطيعون أن يثوروا على عبقرية ( محمد صلى الله عليه وسلم ) . أحبك لانك لست الا انسانا له ذوق واحساس . أحبك أيها الرسول الكريم واشتهى أن أتخلق بأخلاقك السامية . أحبك لانك جعلت الحرب فى سبيل الحق شريعة من الشرائع وهى مزية انسانية . أحبك لانك أعززت الشخصية الإنسانية يوم اعترفت بأنها صالحة للخطأ والصواب .