كانت من عادتها أن تحتضنهم في حال شعروا بالحزن لشيء ما وبمجرد أن يشموا رائحتها يهدأ روعهم ويبتسمون ، وهذه المرة كانت تسمع أنين طفلها الصغير المكتوم ، آخر العنقود بعد صبي وبنت ، همت باحتضانه مثل كل مرة لكنها بحثت عن ذراعيها فلم تجدهما، كان الغبار الأبيض والدخان الأسود يملآن المنزل ، زوجها كان قد خرج كعادته إلى العمل، الأنين مايزال يطرق أذنيها ، أدارت رأسها جهة اليسار فهو الوحيد الذي كان بإمكانها تحريكه ، فجسدها متخشب ، أطرافها السفلى مثل الورق المقوى، وذراعاها مفقودتان، عيناها ابصرت اولادها الثلاثة ممددين على الأرض إلى يسارها ، الصبي، البنت، وآخر العنقود ، بركة حمراء تحيط بجسدي الصبي والبنت ، لكن مسحة من الهدوء كست وجهيهما الشاحبين ، انهما يغطان في نوم ابدي، ابصرت كل ذلك وابتسمت ، لقد قضي الأمر فقد حلقا بعيدا ، إلى الخلاص الأبدي ، لا ظلم بعد اليوم ، آخر العنقود فقط من كان يئن ، شق كبير في مقدمة رأسه الصغير ، لم يكن كافيا ليطفئ آخر انفاسه، همست لنفسها ، إنه بحاجة لحضن كبير الآن ، أين ذراعاي ، ياطفلي الصغير أنا هنا بجانبك لاتخف، دوى صوت مروع في الأرجاء ، تطايرت موجات أخرى من الغبار، حط نصف سقف الغرفة ضيفا على أرضها، تبعثرت اشياء كثيرة من بين الأنقاض ، تطايرت حاجيات وأشلاء من ضمنها ذراعان ، حطت الذراع اليمنى فوق رأس آخر العنقود المشقوق وحطت اليسرى على كتفه الصغير المخلوع، سكت الأنين ،لم تعد تسمع أنين صغيرها، شاهدت ذراعيها المفقودتين تلتفان حول الصغير ، همست بصوت الموت الأخير ، الحمد لله ياولدي نم قرير العين فحضني لم يتركك كما وعدتك يوما، ساد صمت مهيب حول بقايا آثار منزل وأجساد أربعة شقته صرخة الزوج العائد من العمل يطرق بابا لم يعد موجودا.