تؤثر التغيرات المناخية بشكل مباشر على الصحة عند الأحداث الجوية العنيفة كالعواصف، والفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، أو بشكل غير مباشر من خلال التغيرات الحيوية لمدى انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات كالملاريا وغيرها ومسببات الأمراض التي تنقلها المياه كالبلهارسيا وغيرها وجودة الهواء وانتشار الالتهاب السحائي، وجودة وإتاحة المياه، والغذاء الصحي، وعلاقته بأمراض سوء التغذية خاصة لدى الأطفال تحت سن 5 سنوات.
كما أن مصر مهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية إلى انتشار أمراض النواقل الحشرية مثل أمراض: الملاريا، والغدد الليمفاوية، وحمى الضنك، وحمى الوادي المتصدع، خاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، ويرجع ذلك إلى توافر المناخ والموطن المناسب لهذه النواقل.
إن التمويل المستدام في مجال المناخ أمر جوهري لتحقيق التنمية القادرة على التكيف مع تغيّر المناخ والتخفيف من آثاره والتكيف معه، غير أن الصحة لا تزال تعاني من نقص مزمن في تمويل الخطط الوطنية الرامية إلى التصدي لتغيُّر المناخ. انبعاثات الميثان آخذة في الارتفاع بمعدل ينذر بالخطر. يعد وقف وعكس هذا الاتجاه من أولويات التحالف للمضي قدمًا.
حياد الكربون هو الهدف الأهم الذي يسعى إليه العالم مؤخرًا، وهو القضية الشاغلة للعالم بأسره وأكبر التحديات التي تواجهه، فهناك جُهد عالمي للوصول إليه؛ إذ وضعت دول عديدة هذا الهدف في خطتها الاستراتيجية، وكذلك الكثير من الشركات والمؤسسات جعلت أهدافها تتماشى معه.
ومع ذلك، لم يكن هذا الجهد كافيًا للوصول إلى حياد الكربون؛ إذ لم تتحول هذه الالتزامات إلى خطوات فعلية للوصول إليه، فلا يزال هناك قصور في التعامل مع أزمة التغير المُناخي، ولا سيما في الدول الصناعية الكبرى، ورغم أن التقرير العلمي الصادر حديثًا عن الأمم المتحدة ذهب إلى أن العالم يحتاج إلى خفض الانبعاثات الكربونية كحد أدنى بمعدل 45% حتى عام 2030،
فإن المؤشرات الفعلية كانت صادمة، حيث تؤكد ارتفاعه بنسبة 11% تقريبًا بحلول عام 2030؛ مما يعني انحرافًا عن الهدف المُبتغى بنحو 56%، ويوضح عالم المُناخ الألماني “ماروتزكي” رئيس معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية، أن أهم عوامل التقليل من حدة ظاهرة الاحتباس الحراري، هو الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة على نحو ما هو وارد باتفاق باريس، وهو بمقدور العالم فعله.
وفي ظل عدم التزام الدول باتفاق باريس بالقدر الكافي، وكذلك عدم التزام الشركات بتعهداتها فيما يتعلق بالوصول إلى هدف حياد الكربون؛ حيث لم نصل بعد إلى النتائج المرجوة من اتفاق باريس، فلا تزال مؤشرات انبعاثات الغازات الدفيئة في الصعود.
الأمر الذي أدى إلى لجوء الأفراد ومنظمات المجتمع المدني إلى القضاء الوطني؛ لإلزام مؤسسات الدولة والشركات بخفض انبعاثاتها، وإلزامها بهدف حياد الكربون، سواء في قوانين وقرارات المؤسسات العامة من ناحية، أو نشاط وأهداف الشركات من ناحية أخرى؛ حمايةً لحقِّهم في الحياة وفي الصحة وحفاظًا على الموارد الطبيعية.
عند نظر الدعاوى التي تهدف إلى مكافحة تغير المُناخ وإلزام الدولة والشركات بهدف حياد الكربون، قام العديد من المحاكم بدورٍ خَلاق، فعلى الرغم من أن هدف حياد الكربون لم يُنَصُّ عليه في الدساتير كالتزام على الدول والشركات؛ نظرًا لحداثته، أسست تلك المحاكم هذا الهدف كالتزام دستوري على الدول والشركات، يجب العمل حتى الوصول إليه، وأسست ذلك بارتباطه الوثيق بعدد من حقوق الإنسان وحقوق الأجيال المقبلة وخطورة عدم مراعاته عليها، كما أن التزام اليقظة وواجب الحيطة يُفرضانه على الدول والشركات، وهو ما سنوضحه في ثنايا البحث من حيث كيف أسست الأحكام الصادرة فيما يتعلق بمنازعات المُناخ، هدف حياد الكربون كالتزام دستوري على الدول والشركات.
وهو ما يؤكد أهمية ثقافة الشعوب بمكافحة تغير المُناخ، وإحساسها بالمسؤولية تجاه الوصول إلى هدف حياد الكربون، ومراقبة الشركات ومؤسسات الدولة بمدى مراعاة هدف حياد الكربون في كل تصرف أو نشاط، واللجوء إلى القضاء الوطني في حالة عدم مراعاته.
تعد ظاهرة الاحتباس الحراري إحدى الظواهر الطبيعية المهة التي ساعدت الكائنات الحية في الاستمرار على وجه الأرض؛ حيث تعمل على تنظيم وتوازن فقد واكتساب الطاقة داخل الغلاف الجوي من خلال وجود عدد من الغازات الطبيعية بالغلاف الجوي وهي: ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز، والتي تعمل على حبس جزء كبير من الحرارة الناتجة عن امتصاص الكرة الأرضية لأشعة الشمس. وهي عبارة عن أشعة مرئية، تُمتص بواسطة البحار والمحيطات واليابسة فتقوم الأرض بدورها بإصدار أشعة حرارية إلى الغلاف الجوي، ثم تقوم غازات الاحتباس الحراري بحبس أغلب تلك الحرارة داخل الغلاف الجوي.
ويعتمد ذلك على حماية المواطنين من الآثار الصحية السلبية لتغير المناخ، من خلال تحسين الخدمات الصحية، وزيادة استعداد القطاع الصحي لمواجهة الأمراض الناجمة عن تغير المناخ، وإعداد الدراسات، وتدريب العاملين بالقطاع الصحي، وتوعية المواطنين. كذلك، الحفاظ على الموارد الطبيعية، والنظم الإيكولوجية من تأثيرات تغير المناخ، بتحسين قدرتها على التكيف، والترويج لتبَنّي نَهج يقوم على الربط بين جهود التصدي لفقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ وتدهور الأراضي والتصحر، والحفاظ على المحميات.
فضلًا عن الحفاظ على موارد الدولة وأصولها من تأثيرات تغير المناخ، من خلال تنمية موارد مائية غير تقليدية، والحفاظ على الأراضي الزراعية، وتحسين نظم إدارة المحاصيل، وحماية الثروة السمكية، والحفاظ على التراث التاريخي والثقافي من الآثار السلبية لتغير المناخ، واختيار مواقع مجتمعات التنمية الجديدة بعيدًا عن النقاط الساخنة الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.
أضف إلى ما سبق، أهمية دعم البنية التحتية، والخدمات المرنة لتعزيز الصمود في مواجهة تأثيرات التغير المناخي، من خلال الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وتنفيذ أنظمة الحماية من الفيضانات وجمع مياه الأمطار، وتحسين أنظمة وخدمات المياه والصرف الصحي، واستخدام أنظمة ري أكثر كفاءة، وتحسين الطرق لتكون أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات تغير المناخ مثل درجات الحرارة المرتفعة، والسيول، وارتفاع مستوى سطح البحر. بالإضافة إلى تنفيذ مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث، عن طريق إنشاء أنظمة إنذار مبكر، وتقديم توصيات للمزارعين للقيام بإجراءات محددة مثل تدابير للري أو الرش الوقائي للآفات والأمراض، وإنشاء أنظمة المراقبة المنتظمة.
وتختلف سرعة وكمية الإشعاع الحراري من أسطح البحار والمحيطات واليابسة نتيجة اختلاف سطحها النوعي، وبالتالي تشع اليابسة الحرارة بعد امتصاصها للأشعة الشمسية بوتيرة أسرع من البحار والمحيطات. وتلعب غازات الاحتباس الحراري الطبيعية دورًا مهمًا من خلال دورتها الطبيعية في الغلاف الجوي؛ حيث يتم امتصاصها بواسطة الأراضي والأشجار الخشبية (الغابات)، والمحيطات، ثم يتم عودتها مرة أخرى للغلاف الجوي، نتيجة لتحلل أوراق وجزوع الأشجار، أو احتراقها، أو ترسبها في أجسام بعض الكائنات الحية وموتها وتحللها، أو دخولها في بعض التكوينات غير الحية مثل أصداف وحصى البحار والمحيطات، والتي تتحلل مع الوقت لتعود الغازات مرة أخرى للغلاف الجوي. كما تلعب أيضاً البحار والمحيطات والأقطاب الجليدية والغطاء النباتي للأرض (الغابات) دورًا في عملية التوازن وتقلب مناخ الأرض وتغيره الطبيعي.
ويمكن القول إن زيادة الإشعاع الشمسي الواصل إلى الكرة الأرضية نتيجة دوران الكرة الأرضية حول الشمس على شكل قطع ناقص مما يجعلها تقترب من الشمس كل حوالي متوسط 11 ألف عام، تسبب في احترار الأرض، وبالتالي تغير مناخ الأرض بشكل طبيعي، وذلك نتيجة لزيادة الإشعاع الشمسي الواصل للأرض، وارتفاع متوسط درجة حرارتها السطحية، وأحياناً أخرى يؤدي إلى تبريدها نتيجة للبراكين التي تطلق ملايين الأطنان من الأبخرة والغازات والأتربة التي تحجب أشعة الشمس عن الوصول إلى الأرض، وبالتالي يحدث انخفاض في متوسط درجة الحرارة السطحية للأرض. ومن ثم يتضح أن الأرض مرت بدورات طبيعية لتغير المناخ خلال الـ 650 ألف عام الماضية؛ حيث كان هناك حوالي سبعة عصور جليدية حتى الآن، وكان آخرها من 12 ألف عام.
01277691834