شيء عجيب ومدهش ينتاب المرء في حضرة عالم أهل القرآن الكريم..لا يمكن لعقل بشري أن يدرك كنه ما يجري وما يحيط بالزمان والمكان من إشراقات وفيوضات وتجليات نورانية ..انت معهم وخاصة مع المتنافسين في حفظ كتاب الله وشئونه .. وما بالك مع صفوة الحفاظ الحافظين والمحفظين والمحكمين في عالم مجدول من نور خاص وروحانيات غاية في السمو تستمد الانوار من كوكب دري توقٖد ( بتشديد الواو وفتحها)من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية .. إسلامية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار .. نور على نور..تلزم الروح الصمت المتأمل وتدور رحى العقل يمنة ويسرة باحثة عن سر الاسرار أو التماس قبس من نور الانوار أو شعاع أمل مستقر ومطمئن بين قلوب خاشعة ووجلة في حضرة انوار التنزيل الحكيم وفيوضات التجليات العظمى مع تلاوة كلام الله الحق المبين..
مشاهد عجيبة تترى تحاصرك وانت مع اهل القرآن الكريم وفي دار القرآن ..احدث وافخم وأندر دار .. هي أبرز وأهم معلم من معالم الفن المعماري الحديث يختلف كلية جملة وتفصيلاً عما عداه من فنون العمارة وما تحفل به من اقتباسات تاريخية قديمة وحديثة على السواء..
اتأمل كثيرا حالة التفرد في دار القرآن الكريم في العاصمة الإدارية ومسجد مصر الملحق بها ورغم الصدمة العقلية المبهرة والجمال الأخاذ والاستغراق في حال البلاد والعباد..إلا أنك سرعان ما تطير مع الفكر ويرسو بك على عتبات بركة القرآن الكريم وأهله .. وكأن بركة القرآن قد تجلت وحلت بالفعل ليس على الإنسان فقط بل وعلى المكان والحجر ايضا.. في معزوفة وانشودة تردد معها تلقائيا تسابيح الحمد والشكر والعظمة لله ..
قد يسأل البعض وما مناسبة هذا الكلام؟!
والجواب: أنها الزيارة الثانية لدار القرآن الكريم ومسجد مصر.. والمسابقة العالمية للقرآن الكريم رقم ثلاثون.. والتي جرت فعالياتها في دار القرآن لأول مرة بعد افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة .. مسابقة يشارك فيها المهرة من حفظة كتاب الله في مصر والعالم الإسلامي.. أكثر من مأئة متسابق من قارات العالم تقام برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي وافتتحها الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف وبحضور فضيلة الدكتور عبدالرحمن الضويني وكيل الأزهر وفضيلة الدكتور شوقي علام مفتى الجمهورية وعدد من الوزراء والمفتين في العالم ..وكذا المهتمين بالشأن الديني والقرآن الكريم خاصة..
ملمحان لافتان لابد من تسجيلهما على الدورة الحالية للمسابقة منحاها قصب السبق والتفرد .. الاول أنها جرت وقائعها في دار القرآن الكريم العلامة البارزة في مركز مصر الثقافي الإسلامي في العاصمة الإدارية..
الثاني: التنافس الكبير بين الأسر القرآنية.. إذ تقدم للمنافسة قرابة السبعين أسرة ( اب .. ام .. اولاد ) في حفظ القران كاملا.. وبعضهن بالقراءات العشر المشهورة ..
أما دار القرآن فقد كانت حديث الأحاديث للجميع خاصة ضيوف مصر من كبار العلماء والحفاظ المحكمين في المسابقة يتقدمهم فضيلة الشيخ عبد الباري بن عواض الثبيتي إمام الحرم النبوي الشريف وكان ضيف شرف المسابقة.. وقد أمنا في صلاة الظهر بمسجد مصر عقب الجلسة الافتتاحية للمسابقة ..
هي بالفعل تحفة فنية رائعة وربما تكون نادرة بل والأشد تميزا بين دور القرآن المنتشرة في ربوع العالم الإسلامي..
..تقع في مكان شديد التميز والخصوصية في العاصمة الإدارية فوق تلة أو ربوة هي الأعلى في المنطقة المرتفعة اصلا ..وهو ما منحها فرصة وإمكانية الإطلالة الشاملة على كل معالم العاصمة وأقسامها ومبانيها الحيوية سواء قصر الحكم أو الرئاسة أو قصر الشعب..البرلمان بشعبتيه ..وحديقة الشعب ايضا وكذلك رؤية اشهر المباني والاحياء..
المشروع يقع على مساحة 6730 مترا مربعا وهو أسفل الساحة العلوية لمسجد مصر.- تتكون الدار من منزل دار القرآن الكريم وصالون VIB لكبار الشخصيات وغرفة المقتنيات وممر لقاعات القرآن وإيوان للقرآن الكريم ومتحف كبار مشايخ القراء وقاعة الندوات مصعد للساحة العلوية.
وايوان القران يضم واحدا من اندر نسخ المصحف الشريف ولا اعرف مكانا اخر في العالم به هذا النموذج الفريد .. القرآن الكريم محفور على الرخام على حوائط ثلاثين قاعة كل حائط عليه صفحة كاملة من المصحف مكتوبة بخط جميل وأنيق وبالتشكيل الكامل وبنفس الزخارف الجميلة المشهورة للموتيفات الفنية الإسلامية .. كل غرفة تمثل أحد أجزاء القرآن الثلاثين..ليس هذا فقط بل يمكن سماع التلاوة للايات في كل قاعة بأصوات كبار مشاهير القراء للقرآن الكريم ..
وأما بالنسبة للمسابقة العالمية للقرآن الكريم هذا العام فقد سجلت قفزات نوعية مهمة سواء على صعيد المنافسة والمتنافسين أو على صعيد الجوائز والتكريمات لأهل القرآن..
ما حدث مع أهل القرآن كان نتيجة طبيعية لرؤية منهجية وخطة طموحة تبناها الدكتور مختار جمعة وحرص على تنفيذها بدأب وحب ايضا ومتابعة دقيقة بل ومشاركة في الفعاليات والتحضيرات لها في المساجد الكبرى ومقارئ كبار القراء..
لذلك حدثت طفرة كبيرة لا يمكن إنكارها كنتيجة طبيعية للجهود الكبيرة المبذولة على صعيد الاهتمام بالقرآن الكريم وتعليمه وحسن تلاوته وفهم معانيه ومقاصده وكذلك الرغبة والإصرار على الارتقاء بمكانة أهل القرآن وإعادة الاعتبار لهم في الجمهورية الجديدة وتقديرًا لما يقومون به في خدمة كتاب الله..
لفت نظري ما تم انفاقه على الأنشطة القرآنية خلال السنوات العشر الأخيرة فقد تم صرف 402,006,637 جنيهًا وذلك رغم زيادة الأنشطة المتصلة بخدمة القرآن الكريم واستحداث العديد من الأنشطة القرآنية مثل: مراكز التلاوة ومجالس الإقراء على كبار القراء ومقارئ كبار القراء ومقارئ الجمهور ومقارئ الأئمة النموذجية ومقارئ السيدات ومقارئ الواعظات وبرنامج صحح قراءتك..
وهذه مبالغ ليست كبيرة خلال عقد من الزمان إذا ما قورنت بالانفاق على أنشطة أخرى عديمة الجدوى في أمور ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
وقد تضمن هذا المبلغ طباعة المصحف ايضا حيث تم صرف 3,876,884 جنيهًا على إصدارات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في خدمة القرآن الكريم فقد تم طباعة المصحف الشريف وإعادة طباعة المنتخب في تفسير معاني القرآن الكريم خمس طبعات وإعادة طباعة المنتخب باللغات: (الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية) وطباعة المنتخب لأول مرة باللغات: (الأوردية واليونانية والهوسا والعبرية) وطباعة المؤلفات العلمية التي تُعنى بالقرآن الكريم نحو: (الكمال والجمال في القرآن الكريم – من أسرار البيان القرآني – على مائدة القرآن الكريم – دراسات في علوم القرآن – المختصر المفيد في علم التجويد – إضاءات قرآنية – البيان على المنتخب “الجزء الثلاثون”).
إضافة إلى دعم معاشات أعضاء نقابة قراء القرآن الكريم بتكلفة بلغت 4,100,000 جنيه.الى جانب أكثر من 5 ملايين جنيه مسابقات بالمشاركة مع المحافظات وإذاعة القرآن الكريم..
** مع رفع قيمة الجوائز والتكريمات للفائزين إلى مليون جنيه للفائز الأول..دخلت الأسر القرآنية على الخط بقوة وشاركت هذا العام أكثر من ٧٠ أسرة للمنافسة على أربع جوائز..
القضية الأهم ليست في المليون جنيه جائزة الاول..ولا في ٥٠٠ ألف جائزة الأسرة الأولى والثانية ٤٠٠ ألف والثالثة ٣٠٠ ألف.. لكن في الرسالة والمعنى.. وهو أمر لو تعلمون عظيم في هذا العصر ومع الإنسان المتمرد صاحب الوعي الشقي..وهو يسعى بكل قوة إلى هدم كل قواعد وأسس الاستقرار الاجتماعي والديني والأخلاقي عموما..يدهس كل شيء له علاقة بالقيم بعد أن غرق إلى أذنيه في القيم المادية وسيطرت عليه النزاعات الأنانية حتى بأن عديم الرحمة والمروءة منزوع الإنسانية..
اهم واخطر مؤسسة توجه إليها السهام الضارية الان هي الأسرة..هناك عداء شديد للأسرة بمفهومها المعروف والمستقر شرعا وعرفا وقانونا في كل المجتمعات الإنسانية..الغربيون والمتغربون مهوسون مهموموم الان بنشر أنواع جديدة لمفهوم الأسرة..أسرة بلا أب وبلا ام أو أبناء بلا آباء وأمهات واولاد خارج إطار الزواج.. ليس هذا فحسب.. بل أسر مثلية رجل برجل وامرأة بامرأة .. ولا يهم الاولاد يمكن حل الأمر بنظام التبني .. نماذج غريبة وشاذة في الإرتباط والعلاقة بين الرجل والمرأة ومدارس ما أنزل الله بها من سلطان..ورغم ذلك يبحثون عن تقنينين لها أو ايجاد شبهة أو صيغة شرعية قانونية..وما محاولات استغلال منظمة الأمم المتحدة في هذا الإطار ببعيدة والمؤتمرات إياها عن الصحة والسكان ومحاولات تمرير اتفاقيات بعينها كالسيداو واخواتها التى تبيح وتقر كل العلاقات الشاذة وحالات اللاارتباط بين الفتيان والفتيات وما يسمونه الثقافة الجنسية وغيرها من لافتات ظاهرها وباطنها تحرمها وتجرمها كل الأديان السماوية والأعراف والتقاليد الاجتماعية وغيرها..
في وسط هذه الأجواء والإلحاح المستمر والمتواصل والضغوط بكل الوسائل..كان من الأهمية والضرورة بمكان ان يأتي الاهتمام بالأسرة وبالاسر القرآنية خصوصاً ونشر الوعي بأهمية التربية الأخلاقية والالتزام بالاحكام والقواعد الشرعية والاجتماعية المعتبرة وان ينضوي الجميع تحت الراية القرآنية والمنهج الإلهي الواضح والصريح والمؤسس لكل الطرق المؤدية إلى سعادة الفرد والمجتمع والإنسانية ايضا..
لا يخفى أن الأسرة هي ركيزة الركائز في تحقيق الاستقرار والأمن بكل أنواعه ومفاهيمه القديمة والحديثة على السواء والارتقاء بالأسرة ضربة اي بداية ناجحة لكل عمل يهدف إلى الارتقاء والرقي والمشاركة الفاعلة في البناء الحضاري المأمول والمنشود والذي يسعد كل وطني غيور على دينه ووطنه وأمته ويغيظ العدا بلا أدنى شك..
تحية خاصة للأسر الفائزة في المسابقة العالمية للقرآن الكريم مع عظيم الاماني والآمال الكبيرة والعريضة في رؤية ومشاركة المزيد في قابل الايام..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com