فى يوم 11 فبراير عام 1920 صدر بلاغ سلطانى يعلن فيه مجلس الوزراء بميلاد الأمير فاروق ، وعم الفرح فى البلاد وتم اطلاق 21 طلقة ، كما منح موظفي الحكومة والبنوك أجازة كما تم العفو عن بعض المسجونين ووزعت الصدقات على الفقراء .
اهتم الملك فؤاد بتربية ابنه فاروق بدرجة مبالغ فيها من الحرص ، حيث جعله محاصر بدائرة ضيقة من المتعاملين معه ، وكانت تلك الدائرة تضم امه واخواته الاميرات بالاضافه الى المربية الانجليزية ( مس اينا تايلور ) ، وقد كانت تلك المربية صارمة جدا فى التعامل مع الامير الصغير ، وكانت متسلطة لدرجة انها كانت تعترض على تعليمات والدته الملكة نازلى فيما يختص بتربية فاروق ، ولم يكن لفاروق فى تلك المرحلة ايه صداقات من اولاد الامراء او الباشوات ، وقد كان هذا خطأ جسيما اذ انه كان من المهم فى تلك الفترة ان يكون له اصدقاء فى مثل سنه يتعاملون ويلعبون معه ، مما اعطى الفرصة لبعض المقيمين فى القصر للتقرب من الامير الصغير .
كان الملك فؤاد الاول ينتهز اية فرصة ليقدم الامير الصغير الى الشعب الذى سيكون ملكا عليه بعد ذلك ، فقد اصطحبه معه فى مناسبات عديدة ، كما اناب الامير فاروق عن والده الملك فؤاد عندما كان مريضا لحضور بعض الحفلات الرسمية وقد ابلى الامير فاروق وقتها بلاء حسنا فى كافة المناسبات التى قد حضرها .
كانت بريطانيا تتابع الامير فاروق وتطورات حياته ، فهو ملك المستقبل الذى يحتك وبشكل مباشر بالثقافة الايطالية من خلال والده ومن خلال الحاشية الايطالية المقيمة بالقصر والمحيطه بالامير الصغير ، والتى فى نفس الوقت لها تأثير على الملك الاب ، وخاصة رئيس الحاشية الايطالية ( ارنستو فيروتشى ) كبير مهندسى القصر ، وعندما كبر الامير فاروق قليلا ، بدأت بريطانيا تطلب ان يسافر الى بريطانيا ليتعلم فى كلية ( ايتون ) وهى ارقى كلية هناك ، الا ان صغر سن الامير فاروق فى ذلك الوقت ومعارضة الملكة نازلى كانت تعطل ذلك الامر ، فأستعيض عن ذلك بمدرسين انجليز ومصريين ، وقد كانت بريطانيا تهدف من وراء ذلك الى ابعاد الامير الصغير عن الثقافة الايطالية التى كانت محيطه به بشكل دائم .
عندما بلغ الامير فاروق سن الرابعة عشر ، تقرر سفر فاروق الى بريطانيا ولكن دون ان يلتحق بكلية ( ايتون ) ، بل تم إلحاقه بكلية ( وولوتش العسكرية ) ، ولكن نظرا لكون فاروق لم يكن قد بلغ الثامنة عشر وهو احد شروط الالتحاق بتلك الكلية ، فقد تم الاتفاق على ان يكون تعليم الامير الشاب خارج الكلية على يد مدرسين من نفس الكلية . هذا وقد رافق الامير فاروق خلال سفره بعثه مرافقة له تم تكوينها برئاسة احمد باشا حسنين ليكون رائدا له ، بالاضافة الى عزيز المصرى وعمر فتحى حارسا للأمير وكبير الياوران فيما بعد ، وكذلك الدكتور عباس الكفراوي كطبيب خاص ، وصالح هاشم استاذ اللغة العربية بالاضافة الى حسين حسنى باشا كسكرتير خاص .
أثناء وجود الامير فاروق فى بريطانيا للدراسة كان المرض قد اشتد على الملك فؤاد ، وقد اصبح على فراش الموت ، وقد بدأت القوى السياسية تستشعر حالة الملك المريض ، وبدأت تستعد لما بعد ذلك ، وبالطبع كانت بريطانيا من اكثر القوى السياسية قلقا على الوضع ، فأقترحت تشكيل مجلس وصاية مكون من ثلاثة اعضاء هم الامير محمد على توفيق وهو ابن عم الامير فاروق ، وقد كان ذو ميول انجليزية ، وكان يرى دائما انه احق بعرش مصر ، والثانى هو توفيق نسيم باشا رئيس الوزراء الاسبق وهو من رجال القصر ، والثالث هو الامام الاكبر الشيخ المراغى .
عندما علم الامير فاروق بشدة مرض والده الملك فؤاد ورغبته فى ان يرى ابنه ، فطلب العودة الى مصر لرؤية والده ، على ان يعود لإستكمال دراسته ، الا انه وقبل ان يسافر فاروق الى مصر لرؤية والده ، كان والده الملك فؤاد الاول قد لقى ربه ، وذلك فى 28 ابريل سنة 1936 .
استقبل الشعب المصري الملك الشاب استقبالا رائعا نابعا من قلوب المصريين الذين احبوا الملك الشاب وكانت القلوب كلها تعطف عليه لحداثة سنه ولوفاة ابيه وهو بعيدا عنه وفى بلاد غريبة ، واستبشروا بقدومه خيرا . عاد فاروق ملكا على مصر وهو لايزال شابا صغيرا ، مقبلا على الدنيا بكل مباهجها سعيدا بما اتاه الله من ملك وجاه .
تولى فاروق حكم مصر وبدأ فى ممارسة سلطته كملك على البلاد ، وذلك وسط ظروف صعبة ، متمثله فى احتلال جاثم على انفاس المصريين ، بالاضافه الى حياة سياسية مليئه بالاحداث الساخنة .
تزوج الملك فاروق بالملكة فريدة فى 20 يناير سنة 1938 ، وذلك بعد قصة حب جمعت بينهما وخاصة بعد رحلة اوروبا فى سنة 1937 ، حيث كانت تلك الرحلة سببا فى تعميق العلاقه بين الملك الشابة وبين ملكة المستقبل . وقد كان ثمرة ذلك الزواج هو ثلاثة بنات هن الاميرات فريال وفوزية وفادية . وفى 17 نوفمبر سنة 1948 وقع الطلاق بين الملك فاروق والملكة فريدة .
تزوج الملك فاروق بالملكة ناريمان صادق فى 6 مايو سنة 1951، وذلك بعد ان وقع عليها الاختيار لتكون ملكة المستقبل ، وانجبت الملكة ناريمان للملك فاروق الولد الذى كان يتمناه ، وذلك فى 16 يناير سنة 1952 ، وقد كان المولود ذكرا كما كان يتمنى الملك فاروق ، ليكون وريثا لعرش مصر من بعده ، الا ان هذا الوليد لم يسعد او يهنأ بكرسى العرش الذى كان والده يتمناه له ، اذ قامت حركة يوليو بعد ولادة وريث العرش بحوالى ستة اشهر فقط ، وبذلك لم يتحقق الحلم الذى طالما حلم به الملك فاروق ، وهو ان يكون ابنه هو وريثا لعرش مصر من بعده .
استمر حكم فاروق مدة ستة عشر سنة إلى أن أرغمته حركة 23 يوليو 1952 على التنازل عن العرش لإبنه الطفل أحمد فؤاد والذي كان عمره حينها ستة اشهر ، و فى تمام الساعة السادسة والعشرون دقيقة مساء يوم 26 يوليو 1952 غادر الملك فاروق مصر على ظهر اليخت الملكي المحروسة ( وهو نفس اليخت الذي غادر به جده الخديوي إسماعيل عند عزله عن الحكم ) وأدى الضباط التحية العسكرية وأطلقت المدفعية إحدى وعشرون طلقة لتحية الملك فاروق عند وداعه ، وكان في وداعه اللواء محمد نجيب وأعضاء حركة الضباط الأحرار و الذين كانوا قد قرروا الاكتفاء بعزله ونفيه من مصر بينما أراد بعضهم محاكمته وإعدامه كما فعلت ثورات أخرى مع ملوكها .
بعد تنازله عن العرش ورحيله عن مصر مصطحبا معه بناته الثلاثة من الملكة فريدة ، وزوجته الملكه ناريمان والامير الصغير احمد فؤاد ، أقام فاروق في منفاه بروما عاصمة إيطاليا ، وعاش حياته فى المنفى كملك مخلوع عن عرشه ، حياة بها الكثير الصعاب والآلام الممتزجة بمرارة فراقه لوطنه مصر والتي احبها واختار ان يفارقها راضيا ودون ان يسمح بإراقة دماء اى مواطن مصرى .
بعد وصول الملك فاروق الى منفاه بثلاثة اشهر تقريبا ، دبت الخلافات بينه وبين زوجته الملكة السابقة ناريمان ، وزادت بينهم المشاكل إلى ان عادت الملكة ناريمان الى مصر برفقة والدتها اصيلة هانم تاركة معه الامير الصغير ( احمد فؤاد ) ، ثم مالبث ان طلبت الطلاق بعد وصولها الى مصر ، حتى حصلت عليه فى عام 1954 .
توفي الملك فاروق في إيطاليا في 18 مارس عام 1965 بشكل مفاجيء ، وقد قيل أنه اغتيل بالسم بأحد المطاعم بإيطاليا، حيث توفى بعد تناوله وجبه هناك وكانت بناته الاميرات قد طلبن من الحكومة المصرية ان يدفن فى مصر ، الا انه تم الرفض فى البداية ، إلّا أنّ عائلة الملك فاروق قدمت وساطة لعبد الناصر من خلال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود واستجاب عبد الناصر لذلك بشرط أن لا يتم دفنه فى مدافن الاسرة العلوية بمسجد الرفاعي ، كما كان قد اوصى الملك فاروق قبل وفاته ، وتم دفنه فى احد المدافن الخاصة بالاسرة ، الا انه وبعد ان تولى الرئيس السادات مقاليد الحكم فى مصر بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ، طلبت بناته من الرئيس السادات تنفيذ وصية الملك السابق بأن يدفن بمدافن الاسرة بمسجد الرفاعى بجوار والده واجداده ، ووافق الرئيس السادات على ذلك بالفعل ، وتم نقل جثمان الملك فاروق من مدفنه الى مدفنه الحالى بمسجد الرفاعى … رحم الله الملك فاروق وأسكنه فسيح جناته ..