تعثرت بأذيال ثوبها الذي مزقتهُ سنوات الحزن.. واسَمّلتها أيام العمر..
.وأنقضت بجسدها النحيل مثل الناقة الحانية على وليدها…
أحتضنته بشهقة الأم الثكلى.. تهزّه ذات اليمين وذات الشمال..
تصرخ وتختنق مراراً و تكراراً… وتتلعثم كثيراً بنوتة حروف اسمه الملحونة بموسيقى الحان السماء…. حاولت ولأكثر من مرة ان ترفع الحجاب عن وجهه الوسيم.
. لتقتل في نفسها هاجس الشك….
ولتمحو عن مخيلتها شوائب الظن… لكن يداها المرتعشتان لا تطاوعاها…
بعد صراع مرير دام لأكثر من سبعة آلاف نبضة من عمر الياسمين على مضض تميط الحجاب عن وجهه المعفر بتراب سومر والرافدين……
نعم انه هو احمد .. لم يتغير منه شيء سوى لونه الأبيض الباهت الذي يوحي ببراءة العاشق …
.وعطره الذي اصبح أضوع من المسك . .
أخيراً يعود أحمد إلى قلبي من جديد ، ولكن هذه المرة يعود معفراً بإحساس قلبي منذ أن غادر بيته ليمتطي جواد الترحال ويستقل القطار المتوجه نحو المجهول…
لا يدري لماذا اختار الترحال… ولماذا أختار قطار الليل بالذات.!!. رغم انه يعلم إن المحطات التي سيتوقف عندها القطار هي محطات ملغومه ومعادية ، لكن حدسه خانه هذه المرة ،
فكل ظنه ان جميع المحطات سوف يشم فيها ( الياسمين ) ويشم منها رائحة الهيل….
..ولأنه كان يعرف خارطة الوطن شبراً شبراً….
صاح غير آبه ( بدي روح ع مغرب الشمس) صفاااء ..،
أيام كان يطوف الشام ليلاً ويتساءل مع نفسه دائما إذا ما مُت من أين لي ثمن الكفن ؟ !!
والأهم من ذلك كله كيف أكون بكامل قيافة الأموات البيضاء بلا ناعيات ؟
. وسار موكب الموت بطيئاً رتيباً بين طرقات وأزقة الشام العتيقة والبعيدة عن ركب الحداثة…
.تحيطه حزمة قصب أحتضنت جسداً كان في يومٍ من الأيام ينبض حياةً وأملاً وعشق حبيبته
…….
.وبعد أن استعادت شيئاً من وعيها نظرت بذهول إلى الأرض المزروعة بحبات القمح والممتدة نحو الأفق ، كأنها تراها لأول مرة… ابتلعت شهقة عميقة… ثم أطلقت صرخة مدوية مزقت السكون ( لماذا جئت في هذا الوقت المتأخر) !!!!؟