مَن قال إن الشعب المصري لا يعاني؟!.. كلنا من الشعب.. وكلنا نعاني من ارتفاع الأسعار.. لكن أن يتعمد مَن في قلوبهم “غرض ومرض” أن يلقوا الكرة في ملعب الدولة وحدها، ويحملونها بمفردها المسئولية، من “الألف إلى الياء”، بل ويطالبونها دون غيرها بأن تجد وتفرض الحل، على طريقة “اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون”، فهو أمر لا يمت إلى الحق أو الإنصاف بصلة، من قريب أو بعيد.
دعونا نتساءل معًا: هؤلاء التجار الذين أشعلوا النار في شتى السلع، وكلما أوشك ثمن إحداها على التراجع أخفوها، وعطشوا السوق طلبًا لها، كي يعاود سعرها الصعود.. أليسوا منا، ومن نفس الشعب؟!.. عندما حاسبونا “يوم بيوم وساعة بساعة”، وحسبوا كل شيء، من “الإبرة للصاروخ”، على أساس سعر الدولار الموازي، وظلوا يصعدون بالأسعار، مع كل صعود ل “الأخضر” في سوقه السوداء، بل وواصلوا رفع الأسعار أيام ثباته، ثم ها هم يثبتون أسعارهم العالية، برغم هبوطه العنيف من ٧٥ جنيهًا إلى أقل من ٤٦.. أليسوا مصريين مثلنا، ويسمعون صراخنا، وهم السبب الأول في شدتنا؟!
“إللي له وإللي ملهوش” في الدولار.. ألم يشمر عن ساعديه، ويتاجر به وبنا؟!.. كم منا “حطه تحت البلاطة”، وظل يرقب أسعاره السوداء، يومًا بيوم؟!.. يسعد كلما زاد، ولو على حساب حزننا وقهرنا.. كم عدد أولئك الذين لا يزالون، برغم خوفهم من السقوط في “قبضة الأمن” وهم يتاجرون في دولاراتهم وفي معاناتنا، لكنهم مستمرون “بقلب ميت” فيما يفعلون، ويتخفون كالمجرمين، خشية الوقوع تحت طائلة القانون؟!.. يكادون هذه الأيام يموتون رعبًا وكمدًا وقلقًا وحيرة ماذا هم فاعلون بدولاراتهم، عقب ترنح سعرها، على إثر صفقة تطوير “رأس الحكمة”، التي أصابت رؤوسهم بالدوار، و”يضربون أخماسًا في أسداس”، لا يدرون ما يخبيء لهم المستقبل من خسائر شديدة، ومع ذلك يواصلون جرمهم في حق المجتمع!
ما لكم كيف تحكمون؟!.. ما هذا الشعب الذي يضع كل واحد فيه “إيده في جيب غيره”، ويجتهد في استغلاله، ثم يلقي الجميع باللائمة على الدولة، ويحملها المسئولية في “ضيق الحال”؟!.. كلكم دون استثناء – إلا مَن رحم ربي، أو مَن لم يتمكن لطبيعة مهنته من استغلال غيره – شارك ولو بدور صغير في تأزم الأمور.. الطبيب رفع “الفزيتة”.. والمدرس لم يقصر في “حرق جيوبنا”، وطلب المزيد مقابل الدروس الخصوصية.. وكل “صنايعي”، تدفعك الظروف للوقوع تحت يده يطلب ضعف ما يستحق… إلخ.. ثم يجتمع الجميع على لوم الدولة.. طبعًا، كلكم أبرياء.. ووحدها المتهم!
دعونا نفترض “حسن النية”.. ها هي الدولة نجحت إلى حد كبير عبر أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر، بمنطقة “رأس الحكمة”، في حل جزء لا يستهان به من الأزمة الدولارية، التي توشك عن قريب على الانحسار، وستلفظ أنفاسها الأخيرة تزامنًا مع حزمة مشروعات عملاقة قريبة، تُحضِّر الحكومة لطرحها عالميًا، فلا يدخلن أحدكم بقدميه هذه السوق السوداء بالشراء، ثم يقول إن شُح الدولار السبب.. اتركوها مع الوقت تسقط من تلقاء نفسها.
قامت الدولة بدورها كذلك على أكمل وجه، وضخت وتضخ كل يوم المزيد من السلع المتنوعة، بالمنافذ التابعة للقوات المسلحة.. وكذلك في معارض ” أهلًا رمضان” بجميع المحافظات.. كما أن مبادرة “كلنا واحد” تنتشر في كل مكان.. ومنظومة “أمان” تجدها بسهولة هنا وهناك.. مئات المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين.. ومقار خصصتها وزارة الزراعة لمنتجاتها.. وسيارات متحركة، تجوب الشوارع، وتقف في الميادين الرئيسية.. كلها في مجملها “عاملة تخفيضات”.. أسعارها تقل عن السوق بما يتراوح بين ٣٠ إلى ٦٠%.. قاطعوا أنتم التجار.. عاقبوهم على جشعهم.. لا تشتروا منهم، واشتروا من منافذ الدولة.. عندها ستجبرونهم على الرجوع إلى الحق.. والتراجع عن غيهم، والمبالغة غير المقبولة في أسعارهم.
من يوم ١ مارس الحالي، أخذت الدولة كل إجراءاتها لإلزام التجار ببيع “السلع ال ٧ الاستراتيجية” بالأسعار المدونة عليها.. تشمل على وجه التحديد الزيت والأرز ومنتجات الألبان والمكرونة والسكر والفول والجبن الأبيض.. رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، رئيس مجلس إدارة البورصة السلعية د. إبراهيم عشماوي كشف عن إمكانية ضم سلع جديدة للقائمة، الصادر بشأنها قرار من رئيس مجلس الوزراء.. تحلوا أنتم بالوعي.. لا تدعوهم يبيعونكم هذه السلع بأعلى من أسعارها المدونة عليها.. وأبلغوا عنهم جهاز حماية المستهلك ومباحث التموين إن هم حاولوا التلاعب بأسعارها، أو كانت سلعهم غير مكتوب عليها أسعارها.. العقوبات كافية وزيادة لردعهم.. فقط خذوا أنتم خطوات إيجابية.. ودعوكم من السلبية، التي أنتم أول مَن يدفع ثمنها.
وزير التموين شدد على أن “الرقابة ستكون صارمة”، لمنع تداول هذه السلع السبع الإستراتيجية بأكثر من سعر.. المصيلحي كان واضحًا وصريحًا عندما أكد أن الحكومة لا تحدد هي أسعار هذه السلع، بل إن الشركات والمنشآت المنتجة والمعبئة والموردة هي التي حددتها، حتى تغل أيدي التجار عن التلاعب بها في الأسواق.. الرجل اجتمع برئيس جهاز حماية المستهلك، ومدير شرطة التموين، ومديري المديريات التموينية، لتحديد ضوابط وإجراءات تداول المنتجات السبع.. كما أعلن عن تشكيل “لجنة عليا” بالوزارة ستكون لها أمانة فنية، وأوكل إليها مهمة متابعة تنفيذ قرار رئيس الوزراء.. كل محافظة سيتم تشكيل لجنة رئيسية بها، تضم “مدير المديرية، وممثل جهاز حماية المستهلك، وممثل شرطة التموين، وممثل المحافظة نفسها، وممثل مديرية الأمن”، علاوة على فرق ومجموعات عمل فرعية على مستوى كافة المراكز والمدن والإدارات التموينية، لضمان المتابعة والتواصل المستمر، للتحرك معًا باتجاه هدف واحد مشترك، هو حماية المستهلك، وصون حقوقه.. يبقى أن تعرف أنك أنت المستهلك.. وعليك أن تقوم بدورك، وتشاركهم المسئولية، في صون حقوقك.
أخيرًا، وبمد الخط على استقامته.. على الإعلام، مرئيًا، ومسموعًا، ومقروءًا، وإلكترونيًا، ولا نعفي كذلك من ذلك أولئك الجالسين خلف شاشات حواسبهم، والممسكين بهواتفهم المحمولة، والذين ينامون ويصحون على “السوشيال ميديا”.. على الجميع.. وهو “فرض عين، لا فرض كفاية”.. أن يشاركوا في معركة تنمية الوعي، لمواجهة “سُعار التجار”.. المهمة أيضًا تتداخل فيها دور العبادة.. مساجد وكنائس.. قولوا كلمتكم.. الدين لا ينفصم عن الدنيا.. وجهوا النصيحة، للمستهلك بأن يكون أكثر انتباهًا لدوره المطلوب منه.. يشتري قدر حاجته، لا أكثر ولا أقل.. يرشد هو الآخر ميزانيته، ويحدد أولويات إنفاقه.. ولا مانع من مواصلة النصح لمن يتاجرون بأقوات الشعب، أن يكفوا عن هذه الذنوب، التي ترقى إلى مرتبة “الكبائر”.. كلكم مسئولون.. وكل منكم عليه واجب، ولا بد أن يؤديه.. عندها فقط سيتغير الحال، إلى ما نتمناه.
mhamid.gom@gmail.com