رغم حالة الضعف التشرذم في ربوع الأمة خلال الحروب الصليبية، فقد حرص الشعراء والكتاب(إعلاميو ذلك العصر) على بقاء قضية احتلال القدس حية في وجدان الشعوب الإسلامية لدى جيل صلاح الدين والجيل الذي سبقه، وقد كان ذلك دافعا لتحرريها، فمثلا حين احتُلَّ الصليبيونَ القدس، رثاها الشاعر الفاضل شهاب الدين أبو يوسف، قائلا: “لتبكِ على القدس البلادُ بأسرهـا وتُعْلن بالأحــــزان والترحـاتِ…
لتبكِ عليهـــا مكةٌ, فَـهْيَ أُخْتُهَـا وتشكُ الذي لاقتْ إلى عرفاتِ… إن مواجهة الفتن الداخلية وتوحيد الصف مقدمة طبيعية لتحقيق النصر، فقد قضى صلاح الدين الأيوبي 12عاما في سبيل توحيد مصر وبلاد الشام وبلدان بالجزيرة العربية، بينما حقق انتصاراته على الصليبيين خلال 18 شهرا.
ومن ثم فإن وحدة الصف اليوم داخل البيت الفلسطيني ومن ورائه الصف العربي والإسلامي هو مفتاح الحل..
سيرة ومسيرة صلاح الدين الأيوبي الذي مرت ذكرى رحيله الاثنين الماضي، حافلة بالعبر والدروس التي جعلت منه أكبر من مجرد قائد مميز في التاريخ وأكثر من مجرد محور حدودي في الجغرافيا، فقد جسد حالة من الرقي الإنساني أجبرت المؤرخين الغربيين على تقديره بخاصة حينما قارنوا بين حالة التسامح التي سادت مدينة القدس عندما فتحها صلاح الدين حيث لم يقتل أي شخص، في مقابل المجازر الجماعية ونهب الممتلكات التي ارتكبها الصليبيون عندما اقتحموا المدينة ذاتها والتي تشابه ما تفعله اسرائيل في غزة اليوم.
ونستكمل اليوم حديثنا عن سيرته العطرة في محاولة لاستخلاص ما تحتويه من دروس، وأولها أن القدس بجانب كونها مدينة عربية محتلة فإنها مدينة إسلامية مقدسة (تضم أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومكانتها الدينية كانت دافعا لتحريرها من الاحتلال الصليبي الذي كان النسخة الأولى من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، حيث جمعتهما مزاعم دينية مزيفة، فالقائد الذي حررها (صلاح الدين) ليس عربيا وإنما كرديا، وجيشه ضم قوات من عدة بلدان الإسلامية، لذا وجب تأكيد مكانتها الدينية في نفوس المسلمين بخاصة وان والواقع يقول ان احتلال فلسطين والقدس يتم بمزاعم دينية تتلبس بدوافع صهيونية يجري الترويج له بالعالم كله، بينما نغفل نحن الربط العقيدي الحقيقي بين القدس وبقية مقدسات المسلمين، والذي يجسدها قوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ..) -الإسراء: 1-
ثانيا: رغم حالة الضعف التشرذم في ربوع الأمة خلال الحروب الصليبية، فقد حرص الشعراء والكتاب(إعلاميو ذلك العصر) على بقاء قضية احتلال القدس حية في وجدان الشعوب الإسلامية لدى جيل صلاح الدين والجيل الذي سبقه، وقد كان ذلك دافعا لتحرريها، فمثلا حين احتُلَّ الصليبيونَ القدس، رثاها الشاعر الفاضل شهاب الدين أبو يوسف، قائلا: “لتبكِ على القدس البلادُ بأسرهـا وتُعْلن بالأحــــزان والترحـاتِ…
لتبكِ عليهـــا مكةٌ, فَـهْيَ أُخْتُهَـا وتشكُ الذي لاقتْ إلى عرفاتِ…
لتبـكِ على ما حَلَّ بالقدس طَيْـبَةٌ وتشرَحه في أكرمِ الحُجُــراتِ”. وفي كل مرة كان يحرر فيها صلاح الدين بلدا إسلاميا من الاحتلال الصليبي، كان الشعراء يذكرونه بالقدس ويحثونه على تحريرها، لذا علينا العمل على بقاء القضية حية في وجدان الشعوب ريثما تتحقق شروط النصر.
ثالثا: ان النصر لا يعتمد على القوة العسكرية فقط وإنما يرتبط بالقوة الفكرية والعلمية، فقبل ان يحقق صلاح الدين نصره العسكرى على الصليبيين، حقق نصرا وانجازا فكريا لا يقل أهمية، من خلال اهتمامه بنشر المعارف والعلوم باعتبارها جزءاً أصيلاً من نهضة الأمة، حيث أعاد مذهب أهل السنة والجماعة إلى الواجهة بمصر في مواجهة المذهب الشيعي الذي حاول الفاطميون نشره في البلاد، فقد أسس صلاح الدين مدرستين هامتين:(الناصرية والكاملية) لتعزيز مذهب أهل السنة ونشره. وأمر بتحويل الجامع الأزهر من مركز لنشر التشيع إلى منارة لنشر المذهب السني والفكر الإسلامي الوسطي بجميع أنحاء العالم الإسلامي.
رابعا: أن لمحور صلاح الدين (شريط حدودي طوله 14 كيلومترا، يفصل بين الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة وسيناء المصرية) أهمية تاريخية لا تقل عن أهميته الجغرافية، وسمي بهذا الاسم لأن صلاح الدين مر بهذه المنطقة التي شملت غزة في طريقه لتحرير القدس وهو ما تخشى دولة الاحتلال من تكراره، لذا أطلقت عليه إسرائيل(محورا فيلادلفيا)، فبعد صد حملة الصليبيين على دمياط سنة 1169م لاحق صلاح الدين وجيشه فلول الجيش الصليبي المنسحب شمالاً حتى اشتبك معهم في (دير البلح) سنة 1170م كما انتصر على الملك عموري الأول وحاميته الصليبية في غزة.
رابعا: إن مواجهة الفتن الداخلية وتوحيد الصف مقدمة طبيعية لتحقيق النصر، فقد قضى صلاح الدين الأيوبي 12عاما في سبيل توحيد مصر وبلاد الشام وبلدان بالجزيرة العربية، بينما حقق انتصاراته على الصليبيين خلال 18 شهرا.
ومن ثم فإن وحدة الصف اليوم داخل البيت الفلسطيني ومن ورائه الصف العربي والإسلامي هو مفتاح الحل.. هذه دروس صاحب الذكرى وعلى للمتصدرين للمشهد اليوم استيعابها وأن يختاروا بين (صلاح الدين) محور التحرير والاستقلال، وبين (فيلادلفيا) مم والاحتلال!