القيمة السابعة عشر
ﺇﻥ ﺫﺭﻭﺓ ﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻓﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺷﻌﻮﺭ ﻣﺆﻗﺖ ﺯﺍﺋﻞ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺫﺭﻭﺓ ﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﻫﻲ ﺍﻟﺮﺿﺎ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺎلله تعالي ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ صلى الله عليه وسلم ﻭﻟﺴﻮﻑ ﻳﻌﻄﻴﻚ ﺭﺑﻚ ﻓﺘﺴﻌﺪ ، ﺇﻧﻤﺎ ﻗﺎﻝ تعالي{ وَٱلضُّحَىٰ (1) وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3) وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ (4) وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ (5) }.
ويأتي هنا هذا السؤال : كيف أعرف أن ما يعطيني الله من عطايا هو جزاء لي أم استدراج والعياذ بالله؟
الجواب جاء في سورة الإسراء في قول الله تعالى:( مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا (18) وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا (19) كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا (20) ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا (21) لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا (22).
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) .
فهذا الحديث يدل على أن العبد إذا كان يعمل المعاصي، فإن عطاء الله عز وجل له ما يحبه ويتمناه هو من باب الاستدراج، نسأل الله السلامة والعافية.
وأما إذا كان يعمل بطاعة الله عز وجل وشكره، فإن عطاء الله عز وجل له ليس من باب الاستدراج، فاعرض هذا على نفسك وأنت خير ناقد لها فقد قال الله تعالى: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14]. والله أعلم.
أعظم عطاء الله للإنسان :
من أعظم عطاء للعبد ماجاء في قول الله تعالى ﴿فسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى﴾ أي سنسهل له العمل بالصالحات ليرضى الله عنه ويدخله الجنة.
وهل عطاء الله محدود؟
إن عطائه غير محدود: فإذا أراد الله تعالى شيئا كان عطاؤه أكبر من أن يُحدّ، ولا يحدّه شيء من مخلوقاته، ولا يحصره شيء من مخلوقاته، فقد وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يمكن أن يحده شيء من المخلوقات.
أجمل ما قيل في عطاء الله؟
“يا رب، يدي التي امتدت تطلب العطاء صغيرة، ولكن يدك التي تعطي أسخى وأكرم وأغنى وأكبر.” العطاء من الله لا يقدر بأحجامنا البشرية، فإنه سخي وكريم وغني. “أعمار الأمهات لا تُقاس بالسنين، بل بما استودعه الله في قلوبهن من خير العطاء.” الأمهات تعطي بدون حدود وتضحي بكل ما لديهن لأجل أبنائهن، وهذا هو أجمل عطاء.
آيات قرآنية عن عطاء الله تعالى.
قال تعالي {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة المزمل:20).
وقد ينظر إليك البعض نظرة حقد وحقد وكراهية نتيجة لعطاء الله لك يريدون أن تذهب النعمة وتحل النقمة يريدون أن تكون فقيرا مريضا محتاجا تمد يد الحاجة إليهم ، ولكن قدر الله وعطاؤه فوق كل شيء وقبل كل شيء
ولنبحر قليلاً في صفة طالما لازمت نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم طوال حياته وحتى مماته؛ وهي صفة ( الكرم والجود )
فلم يكن كرمه وسخاؤه بذلاً عاديًا وإنما كان فياضًا؛ لا ينفق فقط ما يزيد عن حاجته وإنما يتصدق حتى بما هو في حاجة إليه؛ حتى عرف عنه أنه لا يرد سائلا وأنه يعطي عطاء من لا يخاف فقرًا.
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقتدي به وأن يتصدق كلٍ من سعته، وأوصى أمته بالإنفاق وذم البخل والشح؛ حيث قال: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا” (البخاري).
لقد كان النبي يقدم لأصحابه ولأمته كافة نموذجًا في الإيثار؛ فكان يؤثر على نفسه حتى وإن كانت به حاجة وخصاصة؛ ورد عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-، أنه قال:” جاءت امرأة إلى النبي ببردة فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه. فأخذها النبي محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه فاكسنيها. فقال: “نَعَمْ”. فلما قام النبي لامَ أصحابه الرجل، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي أخذها محتاجًا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه. فقال: رجوتُ بركتها حين لبسها النبي؛ لعلِّي أكفَّن فيها ” (البخاري).
هكذا كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم لأصحابه وأتباعه دروسًا عملية ليقتدوا بها لينالوا ليس فقط أجر الصدقة بل أجر الإخلاص والإيثار والتحرر من عبودية هوى النفس.
ليس هذا فحسب، فالعطاء في ذاته متعة للنفس وشعور بالسعادة، ناهيك عن عظيم قدره وثوابه عند الله سبحانه وتعالى الذي وعد المنفقين في نواحي الخير بنماء رزقهم {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (سورة البقرة: 245).
وقد يظن البعض أن العطاء يعني فقط العطاء المادي، بل يمكن أن يكون العطاء معنويًا وله كبير الأثر؛ فإن أعطيت من وقتك فأنت تمنح جزءا من عمرك؛ فإن كان لبر والدين أو زيارة مريض أو عمل خيري أو غير ذلك من رقائق الأعمال؛ فإن الله سيضاعف لك العطاء مضاعفة الوهاب ويهبك من العطايا ما لم تكن تحسبه، ويظلك في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ سبحانه هو الكريم ذو الجلال والإكرام. {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة المزمل: 20).
من حكم ابن عطاء الله السكندري:
«كيف يتصور أن يحجبه شيء، وهو الذي ظهر في كل شيء».
«كيف يتصور أن يحجبه شيء، وهو الظاهر قبل وجود كل شيء».
«كيف يتصور أن يحجبه شيء، وهو أظهر من كل شيء».
«كيف يتصور أن يحجبه شيء، وهو الواحد الذي ليس معه شيء
إن الله سبحانه قريبٌ من عبادِه قُرْباً يليق بعظمته ومكانته، قال سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186).
وله نزولٌ إلى السماء الدنيا كلّ ليلةٍ في الثلث الأخير منها، كما في “الصحيحين” أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ينزل ربنا جل وعلا حين يكون ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟) ، وكذا نزوله سبحانه يوم القيامة في ظللٍ من الغمام يوم القيامة.
الدعاء بعد الرضا :
”أكرمتني فلك الحمد، وسترتني فلك الحمد، ورزقتني فلك الحمد، وعافيتني فلك الحمد.. لك الحمد حبًا وشكرًا، ولك الحمد يومًا وعمرًا، ولك الحمد دائمًا وأبدًا.. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على كلِّ حال يا الله”.
أسكن الله الرضا في قلوبنا وقلوبكم…
اللهم سخر لنا من الأقدار أجملها ، ومن السعادة أكملها ، ومن الأمور أسهلها ، ومن الخواطر أوسعها ، ومن حوائج الدنيا أيسرها وأحسنها برحمتك يا أرحم الراحمين.