أن الأمن الغذائي يلعب دورا رئيسيا في تعزيز أهداف التنمية المستدامة وذلك من خلال تحسين مؤشرات الأمن الغذائي والقضاء على المشاكل المرتبطة به، وفي مصر تبين لنا أنها حققت بعض النتائج الإيجابية من خلال تخفيضها لمعدلات سوء التغذية ونقص التغذية وغياب الأمن الغذائي الحاد، ولكن في المقابل نقر بأن هذه النتائج لا تزال غير كافية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصة ما يتعلق بالهدف الثاني من أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والمتمثل في التخفيف من حدة الفقر والجوع، وعليه فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة
انتشار أمراض سوء التغذية يؤدي إلى فاقد في الناتج والدخل القومي، والذي يمثل عائقًا لرفع مؤشر التنمية البشرية HDI، وكذلك يؤدي انتشار هذه الأمراض إلى التأثير السلبي على قدرات الأطفال في التحصيل العلمي، نتيجة انخفاض المؤشر الصحي المتمثل في انخفاض متوسط نصيب الفرد من اليود وبعض الفيتامينات مثل، فيتامين.A عندما تقوم الدولة بتوفير الأمن الغذائي فإنها تعالج مشكلة سوء التغذية، والعكس صحيح عندما تعالج الدولة مشكلات سوء التغذية فإنها توفر الأمن الغذائي، ويظهر ذلك جليًّا من خلال مبادرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في الكشف المبكر عن أمراض الأطفال في المدارس، بعد الانتهاء من مبادرة الكشف عن الأمراض المستوطنة مثل، فيرس C، والانتهاء من علاج جميع المصابين على مستوى الجمهورية بالمجان.
وهذا يرفع من مؤشر التنمية البشرية كمقياس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، يمكن تحقيق الأمن الغذائي من خلال إقرار وتنفيذ خطة لوزارة الزراعة لزيادة المساحة المحصولية للحبوب والقمح والتعاون مع الدول الإفريقية في المجال الزراعي واستيراد اللحوم منخفضة التكاليف، مقارنة باللحوم المستوردة من أمريكا اللاتينية وأستراليا، العمل على إعداد برامج لتثقيف السكان بشأن التغذية الصحية للأفراد ومخاطر الوجبات السريعة وأضرار أمراض سوء التغذية بكافة أشكالها.
أن التحول المتكامل ممكن وأن الكوكب قادر على إطعام الأجيال القادمة إذا تم اعتماد نُهُج الأنظمة بدعم قوي من جميع الجهات الفاعلة المجتمعية، من القطاع العام إلى الشركات، ومن المجتمعات إلى الباحثين. يجب أن يتحول التركيز الآن إلى إتاحة وصول عالمي أكثر إنصافاً للأطعمة المغذية والحد من فقدان الأغذية وهدرها وتعظيم القيمة الغذائية للمنتجات. يجب أن تأخذ هذه التغييرات في النظم الغذائية في الاعتبار آثار تغيّر المناخ والتنوع البيولوجي والاعتبارات الصحية لزيادة قدرة الأمن الغذائي على الصمود وصحة الإنسان مع ضمان الوصول دون انقطاع إلى الأطعمة المغذية.
الابتكار التكنولوجي هو شرط أساسي للانتقال إلى نظم الأغذية المستدامة، ولكن التكنولوجيا وحدها لا يمكنها تحقيق التحول المطلوب. سوف يتطلب التحول استخدامًا استراتيجيًا للحوافز الاقتصادية وأشكالًا جديدة للحكم وتغييرات في القيم والسلوكيات الحالية. نحن بحاجة إلى المستهلكين على المتن لتحقيق الهدف وكذلك المشاركة الكاملة لصناعة المواد الغذائية بما في ذلك شركات إنتاج الأغذية والمنتجين وتجار التجزئة ومقدمي الخدمات على سبيل المثال لا الحصر.
إننا بحاجة إلى سحب عدة رافعات في ذات الوقت. أولاً، يتطلب الحد من هدر الغذاء في البلدان المتقدمة اتخاذ إجراءات من قبل تجار التجزئة والمطاعم لتقليل النفايات الغذائية وإعادة استخدامها. يحتاج المستهلكون من ناحية أخرى إلى معرفة كيفية شراء الأطعمة وإعدادها بحيث يضيع الهدر منها. ثانياً، هناك حاجة في البلدان النامية إلى سياسات ودعم متكامل حتى يتم استخدام أكثر الأطعمة المتوفرة تغذيةً خاصة من قبل النساء والأطفال. ثالثًا، يلزم حدوث تحول في النظام الغذائي خاصة في العالم المتقدم، ولكن أيضًا بين الطبقة الوسطى العليا في البلدان النامية.
لم يتسبب الاستهلاك المفرط للحوم فقط في مشاكل مع البيئة ولكن أيضًا في صحتنا خاصة بسبب السمنة. يأخذ سوء التغذية أشكالًا متعددة على مستوى العالم وبالتالي ينبغي إتاحة الأطعمة المغذية بطرق تتيح الاعتبار الأمثل للأبعاد البيئية والمناخية لكل سياق محدد. بينما يلعب التعليم والعمل المدني ودعم الأقران أدوارًا مهمة في التغييرات السلوكية الغذائية،
لا يمكن تجاهل دور صناعة الأغذية ومنافذ البيع بالتجزئة والمطاعم في تحويل النظم الغذائية. صبح تحقيق الأمن الغذائي من أهم الموضوعات بالنسبة للأفراد والمجتمعات والمؤسسات الدولية، وخاصة في ظل تردي الأوضاع السياسية على المستوى الدولي؛ نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية وما لها من آثار على سلاسل الإمداد الدولية وتوفير الغذاء بالأسعار المناسبة، وخاصة للدول النامية في إفريقيا، ومنها، جمهورية مصر العربية التي تعد من كبرى الدول المستوردة للقمح على مستوى
وكذلك نجد أن مصر استطاعت أن تحقق الأمن الغذائي بدرجة كبيرة من خلال مؤشرات الأمن الغذائي سواء من خلال الوصول المتمثل في توفيرالسكك الحديدية وشبكة الطرق المعبدة كنسبة من إجمالي الطرق في الفترة الأخيرة، وتوفير البروتين الحيواني من خلال التعاقد على استيراد الماشية من قارة إفريقيا وطرحها في الأسواق بأسعار معتدلة، مقارنة بأسعار اللحوم البلدي، وإقرار الحكومة خطة دعم لمحدودي الدخل لمدة ستة أشهر، وتوزيع لحوم الأضاحي للمحتاجين على مدار العام، وهذا يحقق مؤشر الإتاحة. بينما يمكن تحقيق مؤشر الاستقرار من خلال تحقيق الاستقرار السياسي وزيادة قدرة الدولة على مكافحة الإرهاب الذي تم دحرة في الآونة الأخيرة، وخاصة في شبه جزيرة سيناء.
من خلال دراسة مؤشر الأمن الغذائي الذي تصدره مجلة “الإيكونوميست” بتصريح من منظمة الفاو، فقد احتلت مصر المرتبة 62 من بين 113 دولة عام 2021 بمتوسط 60.8 نقطة، بينما كان هذا المؤشر 61.8 عام 2015، والسبب في انخفاض المؤشر العام للأمن الغذائي هو ارتفاع التكاليف بسبب تحرير سعر الصرف، وكذلك ارتفاع الأسعار العالمية الناتج عن زيادة أسعار الطاقة، ومشكلات سلاسل الإمداد العالمية. تهدف الدراسة إلى إيضاح مدى قدرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر في شرق إفريقيا على تحقيق الأمن الغذائي، وتبرز أهمية الدراسة من کونها تحاول أن توضع الفرص والمخاطر من التحول إلى الاقتصاد الأخضر والزراعة العضوية کسبيل لتحقيق الأمن الغذائي،
وترجع أهمية الأمن الغذائي إلى اعتباره محور أساسي في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، فحصول الأفراد على التغذية السليمة والصحية سوف يمکنهم من بذل الجهد المناسب في الإنتاج والذي يعمل بدوره على دفع معدلات النمو. وقد تم استخدام أسلوب التحليل الرباعي في الدراسة لتحليل أثر عوامل القوة والضعف والفرص والتحديات التي تواجه التحول إلى الزراعة العضوية، وقد أوضح التحليل الرباعي إلى أن دول شرق إفريقيا تواجه تحديًا کبيرًا في تحقيق الأمن الغذائي من خلال التحول نحو أساليب الزراعة العضوية فالجوانب السلبية في التحليل أکثر تعقيدًا من قدرة دول شرق إفريقيا على مواجهتها في الأجل القصير.
فقد أوضحت الدراسة أن التحول إلى اتباع طرق الزراعة العضوية يمکن لها أن تساعد شرق إفريقيا على تحقيق الأمن الغذائي في الأجل المتوسط والطويل، فالتحول ينطوي على مکاسب على مستوى الأسرة الريفية وعلى مستوى التربة الزراعية وعلى مستوى صحة المجتمع، إلا أن السيطرة على تکاليف التحول إلى الاقتصاد الأخضر تتطلب تضافر جهود الکثير سواء الأطراف الخارجية بغرض السيطرة على تعدد معايير وتکاليف الاعتماد، والأطراف الداخلية لحل المشکلات التشريعية ومشکلات البحث والتطوير ونقص التکنولوجيا ومشکلات غياب الوعي والثقافة بأهمية تعديل نظم الاستهلاک الغذائي، بما يسمح للزراعة العضوية بالنمو کشکل أساسي للزراعة وليس مجرد مبادرات من بعض المزارعين.
في النهاية يمکن القول إن الزراعة وحدها سواء تقليدية أو عضوية لا يمکن لها أن تحل مشکلة انعدام الأمن الغذائي في شرق إفريقيا أو في العالم.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان