إنه الفنان الفذ صاحب الثقافة الموسوعية الذي أسعد الملايين بأدائه العبقري، ومازال. وعلى الرغم من مرور عشرين سنة على رحيله، إلا أنه يحتل أكرم ركن في تاريخ فنون التمثيل في مصر وعالمنا العربي.
أذكر أن الفنان الكبير نور الشريف قال لي مرة بأسى: (تخيل يا ناصر… محمود مرسي… أستاذي… أستاذ الكل… يجلس في بيته بلا عمل). كان ذلك في فترة غاب فيها محمود مرسي عن الشاشة أكثر مما ينبغي.
أما النجم القدير محمود ياسين، فقد ذكر لي في حوار طويل أجريته معه في فيلته قبل أكثر من ربع قرن ونشرته آنذاك في صحيفة البيان الإماراتية… ذكر أن محمود مرسي يعد واحدًا من أهم خمسة ممثلين أضاءوا شاشات السينما والتليفزيون بأدائهم المتفرد.
فلما سألته، ومن الأربعة الآخرون يا أستاذ محمود، قال لي: (إنهم بالترتيب: نجيب الريحاني وزكي رستم ومحمود المليجي وصلاح منصور). ثم أكد أن مرسي يحتل المركز الرابع ضمن هؤلاء الخمسة الأفذاذ.
في كتابه الممتع (نجوم السينما المصرية… الجوهر والأقنعة) يضع الناقد السينمائي القدير الأستاذ كمال رمزي عنوانا لمقاله عن محمود مرسي، هو “الأستاذ”، ليبدأ هكذا:
(المفروض أن يكون عنوان هذا المقال هو “الغابة”… ذلك أن محمود مرسي بغموضه ورهبته وسحره… بكثافته واستقلاله وطابعه الخاص يذكرك بالغابة… فهو عالم كامل مبهم ومثير… قد يبدو ساكنا من الخارج، لكن ما إن تتوغل في أحراشه حتى تجد أشكالا وألوانا من الأشجار والكائنات ، بعضها مسالم هادئ أليف وطيب ولطيف… وبعضها الآخر عدواني… وحشي الطباع بالغ الشراسة… يثير الهلع والرعب في النفس).
انتهى كلام كمال رمزي، ولكن لم يتوقف الحديث عن محمود مرسي الذي رحل في 24 أبريل عام 2004.
الحق أن ما تركه هذا الفنان المتفرد (مولود في 7 يونيو 1923) من أعمال سينمائية وتليفزيونية تؤكد الوصف الشامل الدقيق الذي صاغه بذكاء الأستاذ كمال رمزي عن محمود مرسي، ولنتذكر معًا أدواره في أفلام:
(أنا الهارب/ 1962)، وكان أول أفلامه، ثم (الليلة الأخيرة)، و(الليالي الطويلة)، و(الخائنة)، و(الشحاذ)، و(السمان والخريف)، و(شيء من الخوف)، و(زوجتي والكلب)، و(ليل وقضبان)، و(أغنية على الممر)، و(طائر الليل الحزين)، و(حد السيف) وغيرها.
أما إبداعاته التليفزيونية والإذاعية، فتحتشد بمشاهد بالغة الروعة للرجل الذي يبهج أنفسنا كلما رأينا ظله على الشاشة، خذ عندك: (زينب والعرش/ أبوالعلا البشري/ عصفور النار/ سفر الأحلام/ المحروسة 85/ لما التعلب فات) وغيرها .
أذكر أنني اتصلت بالأستاذ محمود مرسي تليفونيًا قبل 30 سنة تقريبًا، من أجل إجراء حوار معه، لكنه رفض بأدب وبحسم، حيث قال لي: (معذرة يا بني… أنا لا أتعامل مع الصحافة).
لكن، بعد ذلك بسنوات، عندما توليت رئاسة القسم الثقافي في مجلة الصدى الإماراتية، رجوت الأستاذ كمال رمزي، وهو التلميذ النجيب لمحمود مرسي أن يجري معه حوارًا لأنشره في المجلة، وقد كان، حيث أنجز حوارًا فريدًا رائعًا